أثر الإيمان وعلاقته بالأمن والإستقرار بقلم:دكتور خالد عبد اللطيف
تاريخ النشر : 2017-02-15
أثر الإيمان وعلاقته بالأمن والإستقرار بقلم:دكتور خالد عبد اللطيف


المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية باسبانيا

ورئيس تحرير جريدة الأمة العربية

ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي
مما لاشك فيه أن الأمن والاستقرار والطمأنينة من المَطالب الأساسية التي لا تَخفى أهميتُها على كل المستويات الفردية والأسرية والإقليمية والدولية؛ لهذا لا يَخلونَّ بلدٌ على مستوى الدنيا كلها من مراكز للدراسات الأمنية، بل التكتُّلاتُ الحِلفية مظهَرٌ يُعرب عن البحث لتوفير الأمن والاستقرار لأصحابه.
بينما تحقيق هذه المعاني منوط أولاً بصدْق الإيمان بالله ورسوله، وما يتعلَّق به من أركان وشروط وقيود وضوابط.
وتأمُّلاتنا سنَحصرها في أثر الإيمان وعلاقته بالأمن والاستقرار، وأهمية ذلك في بناء الشخصية المسلمة.
المعلم الأول: هو أن الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتُبِه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيرِه وشرِّه.
وعلى هذا يكون الإيمان الصحيح هو: “اعتقاد بالجَنان، ونُطْق باللسان، وعمل بالأركان”، وبهذه المعاني يملأ الإيمان قلب صاحبه بالأمن والاستقرار والطمأنينة والثبات والشجاعة والصدق والأمانة؛ قال تعالى في سورة آل عمران الآيتين 173 – 174: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173 – 174].
ولقد ظهرت على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين آثار الإيمان وثماره واضِحةً في أروع صورها؛ حيث أَعطَوا وبذلوا النفْس صابرين، وأنفَقوا الأموال مُحتسبين؛ فالمهاجرون هم الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا وينصرون الله ورسوله، وإخوانهم الأنصار، أهل المواساة والإيثار: التقوا جميعًا على الحب في الله – جل وعلا – والله – عز وجل – علِم صدق إيمانهم، فأكرمهم في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى في سورة الفتح الآية 18: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18]، وقال تعالى في سورة التوبة الآية 100: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].
وأخرَج الإمام البُخاري في كتاب فضائل الصحابة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبُّوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيدِه، لو أنفَقَ أحدكم مثل أحُدٍ ذهبًا، ما بلَغ مُدَّ أحدهم ولا نَصيفه)).
هذه بعض النصوص تُقرِّر ما حقَّقه الله تعالى للصحابة، وما ادَّخره لهم؛ وذلك ثمرة لإيمانهم بالله ورسوله، وقد دلَّت على ذلك من وجوه، نذكر منها:
1- شهادة الله سبحانه لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالعدالة، وكفى بالله شهيدًا.
2- كما دلَّت على أن الله تعالى وعَد جميع الصحابة بالمغفرة والجنة، ووعْدُه الحق ولن يُخلف الله وعده؛ قال تعالى في سورة الحديد الآية 10: ﴿ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾ [الحديد: 10]، وقال تعالى في سورة آل عمران الآية 174: ﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾ [آل عمران: 174]، والعبرة بعموم اللفظ في جميع أحوالهم، ومما يؤكد رغد عيشهم القول المشهور: “حكمتَ فعَدلْتَ، فأَمِنتَ، فنِمت يا عمر”.
المَعلم الثاني:
القرآن الكريم والسنة النبوية يَربطان أي عامل من العوامل التي تجعل الإنسان قلقًا بشأنها – بقوة العقيدة، وسلامة الإيمان ونقاوته، ولن يمرَّ بالقارئ في كتاب الله آية، أو في سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث، إلا ويجد فيها علاجًا مُريحًا يُزيل عن النفس كابوس القلق، كما يُجدِّد في النفس الوسائل الكفيلة لتحقيق الأمن والاستقرار في كل جوانب الحياة.
وما نراه من تدهور في بعض الجوانب من أحوال المسلمين، واستحالة حلِّ كثير من مشاكلهم: يعود – بالتأكيد – إلى المسافة الكائنة بينهم وبين شرع الله منهجًا وسلوكًا.
وكمثال: تأمل في الحوار الذي دار بين إبراهيم – عليه السلام – وقومه، فهو عليه السلام دعاهم إلى الإيمان بالله وحده لا شريك له، وترك الأصنام التي يَخافونها، وقلوبهم متعلقة بها؛ لاعتقادهم النفع والضر فيها؛ قال تعالى في سورة الأنعام: ﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 81 – 82].
والمتتبِّع لفضل الإيمان الصحيح على أهله، يُدرك أن ثماره لا تقع تحت حصرٍ، بشرط صحته، ونحن هنا نختتم لقاءنا هذا بنموذج من مكاسب أهل الإيمان، ولا ولن يتحقَّق لغيرهم مُطلَقًا.
وهو أن فريقًا من الناس يُضحِّي بكل ما يَملك في سبيل أذى المسلمين وشلِّ قُواهم، وقد سبَّبوا في صدر الدعوة متاعب شتى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد سمَّاهم القرآن الكريم بالمنافقين، ونبَّه على مشاكلهم، وبيَّنَ صِفاتهم التي لا تنفك عنهم إلى يوم يَلقونه، وهم من أشد الناس تكتُّمًا، ولكن للغلِّ الذي يَحملونه في صدورهم يتفلَّت الكلام من شفاهم.
وقد نزلت سورة بأكملها باسمِهم تفضح كيدهم للدعوة وأهلها، بل سورة التوبة بعد أن مزَّقت أقنعتهم، حسمت أمرهم بنفيهم من الإسلام أحياءً وأمواتًا، ونحن هنا نَعني النفاق الاعتقادي، بالرغم من أن أصحاب النفاق القولي والعملي لهم ضرر كبير على أهل الإيمان.
ومن أجمع آيات القرآن الكريم التي حدَّدت تلك الصفات والنوايا التي يُكنُّونها للمسلمين عمومًا، وللدعاة إلى الله خصوصًا: الآيات الواردة في سورة آل عمران من الآية 118 إلى الآية 120: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [آل عمران: 118 – 120].
وللأمن والحصانة من مشاكل هذا الفريق؛ أرشد الله عباده المؤمنين في نهاية الآيات المشار إليها؛ حيث قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾، هذا هو السلاح الذي وضعه الله تحت أيدي المسلمين، وبه تتحطَّم وتتهاوى وتتساقط آمال المنافقين وتطلُّعاتهم.
ومن هنا نتعلم أن الصبر والعمل الصالح أوفق الأبواب للتخلُّص من هذا الفريق، ومَن لفَّ لفَّهم وسار على منهجِهم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.