الإحساس بالحب عيد بحد ذاته بقلم:نتالي حمدان
تاريخ النشر : 2017-02-14
الإحساس بالحب عيد بحد ذاته بقلم:نتالي حمدان


الإحساس بالحب عيد بحد ذاته

الحب قيمة إنسانية وهبها الله للإنسان منذ الفطرة، فكل الجماليات في حياة الإنسان تنبع من المشاعر. والإحساس بالحب مرتبط بحالة روحية نعيشها وتتطور في داخلنا وفقا لتطورنا النفسي والعقلي والروحي، فعندما ينضج الحب بداخلنا تتغير مفاهيمنا للحب وللحياة أيضاً ويتغير وفقاً لها إحساسنا بشكل ينقلنا من مرحلة الإحساس العابر السطحي الذي يرتبط بمتطلبات انية ليست نابعة من نضج عاطفي او حسي او روحي، فكل انسان يمر  في مرحلة عمرية معينة بنوع من التأجج العاطفي الذي يصل أوجه عندما يبدأ إحساسه بوجود الآخر أي " الجنس الاخر" وعندها يرتبط الاحساس بأهمية وجود شخص على المستويين الفسيولوجي والبيولوجي، فتتأجج المشاعر منطلقة من تأجج الحاجة التي تتزايد بشكل مطرد إلى أن تصل أوجها.  
        
  أما بعد انتهاء هذه المرحلة التي لا بد أن يمر بها الإنسان "ونحن هنا نتحدث عن الغالبية العظمى،" إلا أن هنالك بعض الاستثناءات" تبدأ المشاعر تأخذ طابعا مختلفا فيصبح الحب هو اندماج المشاعر والمنطق بحيث يكون نوع من التوازن بين العقل والقلب والروح والذي بدوره يخلق حالة من الاندفاع المدروس باتجاه المشاعر فيكون الحب نابع من التوازن بين الإحساس والشغف العاطفي والحاجة الجسدية والاندماج العقلي ويكون حباً ناضجاً يصادفه الإنسان المحظوظ في مرحلة مبكرة من حياته.      
في إطار هذا الحب ينتقل الإنسان من مشاعر الاحتياج الذاتي للآخر إلى مرحلة أسمى من الحب في إطار نوع من الشراكة المثمرة والتي قد تتطور إلى شكل من الاندماج بين شخصين بشكل يساهم في بناء المجتمع على اسس صحية سليمة.              
ثم ينتقل الإنسان في تطور إحساسه إلى مستوى أكثر نضجاً في علاقته الحسية مع الحب، فيصبح الحب شيء ينبع من داخله ومن مكنونات مكوناته الشخصية بشكل مرتبط بإحساسه الروحي وليس مرتبط بالآخر فقط، بشكل مرتبط بكل الأشياء المحيطة به بحيث ينبع الحب من وجوده في الحياة وطريقة تفاعله في إطار هذا الوجود مع كل ما هو موجود في الحياة ومن ضمنها الاخر، بشكل لا يتصل بالضرورة باحتياج نفسي أو جسدي للآخر، مما يجعل مفهوم الحب بالنسبة له قائم على أساس التشاركية في الأشياء والاندماج الروحي مع شخص أو حالة يكون التزاوج بين المشاعر والإحساس المرهف فيها بمثابة الإلهام الذي يضاعف قدرته على الشعور والإحساس بجمالية الأشياء المحيطة به، فيرى الطبيعة بشكل مختلف ويشعر بالموسيقى بشكل مختلف، ويتذوق الأشياء بإحساس يجعله يشعر بالحب من خلال كل ما يمارسه من طقوس ونشاطات في حياته.                                
 من هنا فإن الحب هو رغبة كامنة في داخلنا لا ترتبط بالضرورة بالوجود الفيزيائي للآخر وإنما ترتبط بحب الحياة ورؤيتها بشكل جديد مليء بالشفاء والنقاء والمحبة، ومفهوم الحب لا يقتصر على الحب التقليدي المتعارف عليه بين رجل وامرأة، فالله محبة ووجود الإنسان على هذه الأرض هو تعبير عن محبة الله لنا، واصل السعادة في الحياة هو الحب، وكل شيء جميل نقوم به نابع من إحساسنا بالحب، فمن أجل الحب نعيش وفي إطار الحب نكافح وللحب نحلم، وحبا بالله نتعبد. ولكن لا ننسى أن الحب يعتمد على الظروف المحيطة بالإنسان والتي يجب أن تكون إنسانية بالدرجة الأولى، فمن لا يجد كسرة خبز في بيته لا يستطيع التمتع بجمالية هذه المشاعر التي تتوجه إلى السعي لتوفير أسس الحياة لأبنائه، وهذا بحد ذاته حب ومشاعر، مما لا يعني أيضاً أن الغني متاح له التمتع بالمشاعر الحقيقية للإنسان إذا تعامل مع المشاعر في إطار سلعة أو قيمة تباع وتشترى، فقيمة المشاعر لا تقدر بثمن.                                                       
 والحب على اختلاف أنواعه التي لا تقتصر على المفهوم المتعارف عليه للحب " مفهوم العلاقة التي تجمع بين رجل وامرأة" هو حالة جمالية من الإحساس تبدأ من الإحساس بالذات، ثم حب الذات والذي هو أقوى أنواع الحب، وهو هام وأساسي لانطلاق الإنسان في علاقته مع الآخر، ثم حب الحياة وحب الوطن وحب العمل وحبنا لبعضنا البعض في إطار علاقة إنسانية تكللها التضحية وفي إطار الانتماء للناس بشكل ينبع من قيمة تأصل لشراكة إنسانية يتجذر فيها العطاء المستمر نحو انا للكل والكل هو انا.                                      

فلنكلل حياتنا بكافة أشكال الحب بشكل يجلب لنا الطمأنينة والسعادة ولا ننسى أن كافة أشكال الحب بحاجة إلى التضحية وحب الحياة بحد ذاته بحاجة إلى تضحية وكفاح من أجل البقاء.