وجوه سمراء كادحة ،شفاة غليظة ذابلة ، خط التعب أخاديد ملتوية في قعر جبينهم المترهل ،وقد شقت الدموع الممرات الطويلة في أقاصي النفس ،عيون سوداء ،لا تفتأ تلحظ إلى غيمة متدلية في عناقيد الأفق تحمل معها بريق الأمل والراحة أسمال بالية مرقعة بخطوط وألوان تراشقت مثل عباءة البلياتشو ..رؤوس ترشحت بالعرق والملح ،وقد نتئت شعيرات بيض على حوافهن، وكأن الدهر قد أضرم حريق أبيض يشب كلما تعاقبت فصول الشقاء والجوع ،وقد غرز الزمان أنخاب التعب في أجسادهم ..أرواح اعتادت على لعق الجراح ،ووشم الألم فوق ضريح الغفران ...،يقولون أن
شظف الحياة يغذي الروح بشفافية لاينالها أولئك الغارقون في النعمة ،الرافلون في ترف الحياة ..يزحفون كالنمل الجائع إلى صناديق القمامة يستكشفون روائح الطعام المتبقي من حفلات الأثرياء ،يدسون مقارضهم ،في أحشاء القمامة ، ينتزعون ،زجاجات المياة ،والمعلبات الفارغة ،يبقرون قاع الصندوق بحثاً عن شريحة لحم ..تهلل أساريرهم عندما تتعثر يد أحدهم في قطعة حمراء ملفوفة بورق السوليفان ..يغادرون إلى أكواخ صممت من لبنات الطين ومعقودة بالألواح ،شقوق متصدعة ،تند منها الرطوبة التي نخرت أسنة الألم في عظامهم الواهنة ..يتمترسون بأردية يابسة مطرزة بالخيش ،...يتفاكهون ويتغامزون على عاهرات المال والدين وهم يصدحون بكلمات براقة أمازيغية تشي بالسكينة ،وتتسلل كالسحر إلى ثنايا الروح فيعم السلام النفسي على ربوع القلب ،يقرعون دفوف الكلمات على إيقاع الوطن ،والعقيدة ،والمستقبل...يتبارون في سحق الإنسانية ،من أجل حفنة من الدولارات ...أولئك المشيعين للقذارة ينعقون كالغربان ،ويتسكعون فوق المنابر على وشم الفضيلة ... السفسطائيون يتشدقون بالحريات على موائد الصحف ،والنساء تكدسن تحت مباضع الأطباء يبحثن عن عقدة بيغماليون ...صار العالم مكان غريب ..! ،البرجوازيين من رجال الأعمال يعمقون الطبقية ،لتظل تلك الفئة رهينة الأسر مقلب لنفاياتهم وخرائهم ،ونجاستهم ...،ثم تتجرد راقصة الأستربتيز على إيقاع الدين والعقيدة ،لتنتزع الضحكات والقفشات، والدموع ،والنحيب : قطعة ،قطعة ...ليضحك البلهاء الذي نقضوا أثمان الزيف والخداع طيلة عقود ... تدور الأيام في خرطها للأحداث، وعند ما يلف الليل صفحة الغروب ترى الموتى يشقون طريقاً للعبور
شظف العيش
تاريخ النشر : 2017-02-12