ارفع راسك فوق إنت مصري
رُغم عشقي الشديد لكرة القدم، إلا أني لم أكتب عنها أو لها العديد من المقالات، مقال واحد فقط، وتوخيت الحذر وأنا أكتبه حتى لا أظهر بمظهر الكاتبة المتحيزة لفريقٍ ما، أو وجهة نظر معينة، فنحن جميعًا نعلم أنّ مصر بها حوالي 90 مليون ناقد وهم في نقدهم هذا لا يرحمون.
رحلة الجابون بها من الدروس والمواعظ الشئ الكثير، بعيدًا عن الأرقام القياسية التاريخية التي ضُربت على يد المنتخب، أعطتنا هذه الرحلة بارقة أمل كانت مفقودة لسنواتٍ عديدة نتيجة لظروفٍ خارجة عن إرادتنا، جعلتنا نقف مكتوفي الأيدي لا ندري ماذا نفعل، ومتي، وكيف؟، لكي نواجه ما يحل بنا من أزمات ومشكلات قد تقف حجرة عَثرة في طريق تقدمنا.
لكننا اليوم وجدنا الحل السحري، حل يَكمن في منتخب يحمل في طياته عشق من نوع خاص لكل لاعبيه من مختلف الأعمار والتوجهات، عشق جعل كل فرد من هؤلاء اللاعبين قدوة ومثل أعلى للشباب، وهو ما نحتاجه وبشدة في هذه الأيام، ومنهج قد يلتزم به الكبار مع ما أعطاه الجهاز الفني من انضباط وإلتزام سار عليه جميع اللاعبين بلا استثناء، فقدموا أداءً شهد له القاصي والداني، وتحدث عنه الكل بانبهار شديد، تناسوا معه البطل المنتخب الكاميروني، وأصبح الوصيف المنتخب المصري حديث الساعة بكل ما قدمه من روح ومجهود ومستوى متميز، يليق بمصريته.
علّمنا المنتخب، أنّ مصريتك أمانة تحملها في عنقك أينما ذهبت، لا يمكنك التخلي عنها بسهولة؛ لأنها ليست جنسية تُكتب في بطاقتك الشخصية، أو شهادة ميلادك، بل هي تاريخ وحضارة نُحتت لآلاف السنين، أأتمنك عليها أجدادك، وحرصوا على أنْ تفتخر بما فعلوه بها، فكيف لكَ أنْ لا تفعل وترد لهم الجميل؟!!.
علّمنا المنتخب، أنه يجب عليك أنْ تعمل بجد واجتهاد وفي نفس الوقت في صمت؛ لكي تُحقق المعادلة الصعبة، وتقدم إنجازًا في مجال عملك، بعيدًا عن صخب الشهرة، والدعاية الكاذبة، ونغمة الأنا التي تسيطر على كثير منّا فيفقد معها العمل الجماعي روحه، ويتشتت معها الإنجاز الذي تحقق فلا يكون له عنوان يسكن إليه، إذا أردنا أنْ ننسبه لمجموعة ما، فتُهدر بذلك قيمته؛ لأنه وقتها سيُصبح بلا هوية.
علّمنا المنتخب، أنّ الصبر والعزيمة تصنع ما لا يمكن تخيله، حتى في وجود العقبات والصعاب، فما واجهه اللاعبون في رحلتهم يُحبط أي عزيمة، ويهد أي أمل في تحقيق أي شئ، لكن العكس هو ما حدث، وكأنهم ذهبوا إلى البطولة وهم يُدركون تمامًا ما سيواجهونه، وكانوا على أتم استعداد لتذليل أي عقبات تقف في طريقهم؛ من أجلِ تحقيق هدفهم المنشود، وهو درس مهم جدًا؛ لأنَّ توقع الأسوأ واستعدادك لتحمله يقطع ثلاثة أرباع طريقك نحو حلمك الذي تود الوصول إليه.
أيها المصري، نعم لم يُحقق منتخب بلدك الإنجاز كاملاً بعدم حصوله على كأس البطولة، لكنه حقق داخلك العلامة الكاملة من الدروس المستفادة بما قدمه هؤلاء اللاعبون طوال سبعة وعشرون يومًا، رأيتهم فيها يتألمون، يتعذبون، يصبرون، يكافحون، يقهرون المستحيل الذي كان يقول "نحن لن نصل حتى للدور التالي الذي يلي دور المجموعات"، لكنهم فعلوها، فهل ستفعلها أنت؟!، أم ستجعل ما حققوه يذهب سُدى، وكأنّ تفاصيله العصيبة لم تحدث، هل ستُدرك حقًا قيمة ما حدث، وستجعله إنعاكسًا حقيقيًا لحياتك القادمة؟!!
أتمنى ذلك كثيرًا، فمصريتك بحاجة شديدة إلى إعادة تنشيط حتى نقف مرةً أخرى على أرضٍ صلبة، لن يُزحزحنا عنها كائنًا ما يكون، وتذكر دائمًا وأنت تستوعب الدرس "ارفع راسك فوق إنت مصري".
د. يسرا محمد سلامة
ارفع راسك فوق إنت مصري بقلم:د. يسرا محمد سلامة
تاريخ النشر : 2017-02-12
