لقد انزعجت ـ وحق لي أن أنزعج ـ حقاً ، لما قرأته بشأن وجود فتنة تطل برأسها بين الأزهر والدولة . والسر في الإنزعاج مرده إلي ما ذهب إليه البعض من القول بأن الأزهر علي طريق الإخوان . ليس في مجال الإتفاق الفكري ، وخطي التربية ، ومنهج التفكير والبحث ، فكل هذه الأمور قابلة للمراجعة ، والمناقشة ، والإتفاق والإختلاف بشأنها ، وإنما علي طريق الإخوان في الصدام مع الدولة ، والإنحياز للجماعة الإرهابية ، في حربها المفتوحة ضدها ، فهذا ما يحتاج إلي مراجعة ، وتدقيق . وقد رمي من قال بذلك في وجهي بالدلائل والمؤشرات التي تشي صراحة أو ضمناً بما ذهب إليه . أولها : عدم الإقدام علي تكفير الدواعش ، والإقدام علي تكفير بعض من المثقفين . ثانيها : الإلتفاف حول ملف تجديد الخطاب الديني ، والإستياء من تجديد المطالبة به بين حين وآخر . وثالثها : تشكيل لجنة ضغط من المواطنين للوقوف في مواجهة الدولة دفاعاً عن شيخ الأزهر ، والتهديد بتنظيم مظاهرات لهذا الغرض في مقر إقامة فضيلته . رابعها : عدم الرد علي تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات في وقائع فساد داخل المؤسسة . وبالبحث في هذه النقاط نجد أن الأزهر قد اتخذ موقفاً غير حاسم من تنظيم الدواعش ، فلم يقل بكفر عناصره ، ولم يقل بصحة موقفهم . وهذا الموقف الرمادي يضع الدولة المصرية في حرج . فهي إزاء تنظيم يقتل ويذبح ويحرق ويخرب ويدمر باسم الدين ، وباسم الله ، وبزعم أننا كفار . فلو قال الأزهر استناداً إلي ما تقدم بكفرهم ، لخلع عنهم لباس الدين الذي يتدثرون به ، وتركهم عرايا في مواجهة الشرع ، ومواجهة الناس . ولو قال بشرعية ما يذهب إليه هذا التنظيم من أفعال وأقوال وتصرفات ، لوضع الدولة أمام مسئولياتها ، وأمام المجتمع ، بعد أن يخلع عنها الغطاء الديني ، الذي تتدثر به في مواجهة هذا التنظيم . أما الإمساك بالعصي من المنتصف ، والوقوف في المناطق الرمادية ، لا يصح في المسائل الدينية ؛ لأنه سيدفع بمن يتلمس الإستئناس برأي الدين إلي التصرف دون انتظار في مواجهة آلة القتل الجهنمية التي تحصد في أهله . وقد كان مبرر الأزهر في الإمتناع عن تكفير الدواعش ، أنه لا يرغب في الوقوع فيما وقع فيه هذا التنظيم . وبالقطع فإن هذا المبرر لاينهض سبباً في الإمتناع عن الفتيا ، وهذا الموقف تقاعس لا يصلح تبريره . وأنا أظن أن مطلب الدولة في بيان الموقف الشرعي له ما يسوغه ، وليس افتئاتاً علي الشرع ، ولا علي الأزهر . أما موقف الأزهر من ملف تجديد الخطاب الديني ، فهو موقف ملتبس ، يضع الناس في حيرة من أمرهم . فالدواعش والجماعة الإرهابية ، وأذنابها ، ينطلقون في مواقفهم الإرهابية استناداً إلي أقوال فقهية ، موجودة في بطون أمهات الكتب . هذه الأقوال هي اجتهادات فقهاء لزمانهم ، لا يصلح بعضها لزماننا . وكل المطلوب هو تجديد هذا الخطاب وتنقيته ، حتي لا يتصادم مع الواقع ، ولا يتصادم مع الدين ، عن طريق الإجتهاد ، خاصة وأن هناك مؤسسات قائمة علي شأن الفتوي ، وليس الأمر مجرد فتاوي فردية . وهذا الجهد الذي سيبذل في هذا الباب سيعود بالنفع علي الدين ، والدنيا ، ومناهج التعليم الأزهرية ، ويمثل حماية للمجتمع من الفتاوي المنحرفة ، التي ينساق البعض وراءها علي أساس أنها الديــن . فإذا نظرنا في التقاعس في ملف تجديد الخطاب الديني ، ونظرنا في موقفه من داعش ، لوجدنا رابط خفي بين الموقفين . لأن التحرك في ملف تجديد الخطاب الديني ، يمثل مواجهة صريحة مع الفكر الإرهابي الذي يقوم علي أساسه هذا التنظيم . وقد جف حلق الدولة في مطالبة الأزهر بالإسراع في التحرك في ملف تجديد الخطاب الديني . وهنا تساؤل : هل البحث في الملفين يعد مطلباً رئاسياً أم مطلباً مجتمعياً ؟ . أنا اعتقد أنهما مطلباً مجتمعياً ، قد تبنتهما أجهزة الدولة . والإلحاح علي هذا المطلب ، لا يعد انتقاصاً من قدر الأزهر ، ولا اعتداءًا عليه ، وإنما هو الحاح الحاجة . وليس مقصوداً من وراءه إحراج الأزهر ، ولا لي توجهاته لوجهة بعينها ، وإنما فقط تريد معرفة رأي الدين في مسألة تعرض للمجتمع . ولعل في موقف الأزهر ـ سواء استنتاجاً أو صراحة ـ فيما يتعلق بتشكيل لجنة وطنية للدفاع عن شيخ الأزهر ، والتهديد بتنظيم مظاهرات في مواجهة الدولة علي هذه الخلفية ، أمر في غاية الخطورة ، لأننا بذلك نكون قد انتقلنا من مربع الدين ، إلي مربع السياسة ، وتوظيف الدين لخدمة السياسة ، بدعوي الدفاع عن الإسلام والشريعة . وهنا يتماس الأزهر مع جماعة الإخوان الإرهابية ، وينحاز إلي جانبها ، ويقف في نفس خندقها . بما يعني أن هناك فكر معين قد يكون إخوانياً أو سلفياً يدفع بالأزهر في هذا الإتجاه . ولا أدري إن كان عدم الرد علي تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات يدور في هذا الإطار أم لا . وقد قرأ البعض موقف شيخ الأزهر بذهابه إلي مقر بلده لمدة أسبوعين ، وعدم حضوره مؤتمر الشباب في أسوان ، علي أنه يمثل موقفاً سلبياً تجاه الدولة ، ويصب في نفس الخانة . وهو موقف جديد علي الأزهر ومشايخه . ولا ريب أن اللعب في هذه المنطقة يمثل لمساً متعمداً لبؤرة الإنفجار ، لأن الوضع ملتهب لا يحتمل العبث ، أو اللعب ، ولو علي سبيل السهو أو الخطأ ؛ لأن الدولة حالياً معبأة في اتجاه الحرب علي الإرهاب ، ولا تحتمل الشغب عليها ، أو العبث بأفكار استقرت في نفوسها ، ووقائع حية سطرت من لحم ودم ، صنعت عقيدة راسخة حيال الإرهاب ، وعناصره ، وأطرافه ، ومصادره ، ومآلاته . وليست في وضع يسمح لها بمجابهة داخلية ، مع فريق يجرنا في الإتجاه الخطأ . أليس كذلك ؟ ! .
حـــســـــــــن زايـــــــــــــد
الـصــدام بـين الأزهــر والــدولــة بقلم:حسن زايد
تاريخ النشر : 2017-02-12
