معنى قانون شرعنة المستوطنات بقلم: عادل شديد
تاريخ النشر : 2017-02-11
معنى قانون شرعنة المستوطنات بقلم: عادل شديد


معنى قانون شرعنة المستوطنات 

بعد مداولات ومقدمات استمرت لسنوات عديدة ، صادق الكنيست الاسرائيلي اخيرا على قانون شرعنة  ما يسمى بالبؤر الاستيطانية غير الشرعية من وجهة نظر القانون الاسرائيلي ، مع ان جميع المستوطنات اليهودية التي اقيمت على اراضي  الضفة الغربية  المحتلة في العام  1967  تعتبر غير شرعية  وغير قانونية ، ولكن تمرير القانون يعني بداية لمرحلة جديدة  ، تشكل انجازا كبيرا  للتيار الديني القومي المسيحاني ، الذي يؤمن بما يسمى ارض اسرائيل الكبرى ، وان هذه الارض هي توراتية  وتعود ملكيتها لليهود  فقط  ، ولا منازع لهم  على ملكيتها ،  وبالتالي فرض السيطرة  والسيادة اليهودية الكاملة عليها ، ويجب فرض القوانين والتعليمات التوراتية عليها  فقط ، وبذلك تكون اسرائيل قد تخلت عن تعريف الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية ،  كمناطق فلسطينية محتلة  ، ينطبق  عليها القانون الدولي ، كما يعني تخليها ايضا عن الاقرار بان هذه الاراضي متنازع عليها  ، ورفضها   تحديد مكانتها  ومستقبلها  سيتحدد في المفاوضات  الفلسطينية  الاسرائيلية  مستقبلا .

يشمل قانون شرعنة المستوطنات اليهودية العشوائية ،  وفق التسميات الاسرائيلية ، على اكثر من (4000) وحدة سكنية استيطانية ،  تم اقامتها  في عشرات المواقع الاستيطانية ، على اراض مملوكة  لمواطنين فلسطينيين  ، والذين  تمكنوا من اثبات ملكيتهم  لتلك الاراضي  التي اقيمت عليها تلك الوحدات الاستيطانية ، عبر تقديم  اوراق الملكية والطابو لتلك الاراضي للمحكمة العليا الاسرائيلية .  حيث يشجع هذا القانون أي مستوطن يهودي على الاستيلاء  بالقوة  واغتصاب اية قطعة ارض في الضفة الغربية ،   حتى  لو كانت تلك الارض موجودة  في مدينة رام الله ،  والتي تعتبر عاصمة  ومركز السلطة الفلسطينية الحالي ، وان الحكومة  الاسرائيلية  ستعترف بشرعيتها ،  وستقدم  لها  كل الاحتياجات المطلوبة ، اما  بالنسبة  لأصحاب الارض الشرعيين  ، فلم يعد امامهم  اية فرصة لاستعادة اراضيهم  من خلال المحكمة العليا الاسرائيلية ، وما عليهم سوى القبول بتعويض مالي من الحكومة الاسرائيلية مقابل موافقتهم  على  سرقة اراضيهم  ، بمعنى  قبولهم  ببيع اراضيهم  للمستوطنين الغزاة اللصوص ،  وفي حال رفضهم قبول الثمن المالي  وهو ما سيحدث  ، ان عليهم التسليم  بالأمر الواقع  ان هذا الارض لن تعود اليهم  .

طالما ان الكنيست الاسرائيلي قد صادق  على شرعنة ،  وتمرير هذا  القانون المخالف  لكل القوانين الدولية  ، بما  فيها القانون الاسرائيلي  ، والذي دفع المستشار القانوني للحكومة الاسرائيلية للإعلان انه لن يكن بمقدوره الدفاع امام المحكمة العليا الاسرائيلية عن القانون الحالي  كونه  مخالف لكل القوانين  ، وقد يعرض قادة ومسؤولين سياسيين وعسكريين  للمقاضاة في المحاكم الدولية  ، في حال رفع قضايا فلسطينية ضدهم  بسبب هذا القانون ، لذلك  ستكون الخطوة القادمة  هي  الاعلان عن ضم تلك المستوطنات التي يشملها  القانون الجديد للمستوطنات الكبرى القائمة  في الضفة الغربية ، والذي يعني مصادرة آلاف الدونمات من الاراضي الفلسطينية الواقعة ما بين هذه المستوطنات العشوائية وما بين الكتل الاستيطانية الكبرى  ، وخاصة ان بعض المستوطنات التي شملها القانون الجديد تبعد آلاف الامتار عن المستوطنات الكبرى التي ستنضم اليها  ، وبالتالي مصادرة وضم كل الاراضي الفلسطينية الواقعة بينهما ، وبذلك تكون اسرائيل قد نجحت بتوسيع  الكتل الاستيطانية اليهودية  في كل الضفة الغربية  ، الامر الذي سيمنع  أي ترابط ، او تواصل  جغرافي  وسكاني فلسطيني  حتى داخل  محافظات الضفة الغربية نفسها  ، مما يعني  استحالة أي ترابط ما بين محافظات الضفة الغربية .

يتعرض القانون الجديد  لرفض  من قبل شرائح مختلفة من النظام السياسي الاسرائيلي  وخاصة تلك الشريحة التي  ترى  في ان تمرير هذا القانون ، يعني نهاية المركبات القانونية والقضائية والديمقراطية  لإسرائيل ، وسيطرة التيار الديني القومي  المسيحاني  الذي قطع شوط كبير ليس  فقط  بإضعاف مؤسسات  اسرائيل القضائية  وخاصة المحكمة العليا الاسرائيلية  ، بل بالتقدم سريعا اتجاه  بناء مملكة داوود اليهودية التوراتية  على كل الاراضي بما فيها حتى المأهولة بالمواطنين الفلسطينيين ، حيث تنوي هذه الجماعات  التقدم  باعتراض للمحكمة الاسرائيلية  من اجل الغاء القانون وعدم الاعتراف بقانونيته وبشرعيته ، إلا انه  حتى  في حالة موافقة المحكمة العليا الاسرائيلية  على اعتراضاتهم ،   وإبطال قانونيته  وشرعيته ، وهذا احتمال وارد وقائم ، ولكنه  يبقى قرارا خاليا  من كافة المضامين  ، طالما ان الكنيست الاسرائيلي قد اصبحت تفرض قوانينها  على الاراضي الفلسطينية المحتلة ، والذي يعني ان هذه الاراضي هي جزء من الجغرافية  السيادية لدولة اسرائيل اليهودية  ، ولبرلمانها  اليميني ، والذي يعني الغاء اية سيادة  مستقبلية لأية جهة فلسطينية اخرى  على تلك المناطق . والذي سينتهي   بالضم النهائي لكل المناطق الفلسطينية لإسرائيل ، وإبقاء الشعب الفلسطيني  دون ابسط الحقوق السياسية والمدنية ، في مشهد سيتجاوز نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا سابقا .

لم يكن لهذا القانون ان يتم عرضه على الكنيست  وإقراره ،  لو ان الحكومة الاسرائيلية   تتوقع  او تخشى ردا فلسطينيا  وعربيا  قادرا على قلب الطاولة  ، وخاصة ان اسرائيل تستغل التفكك والانقسام الفلسطيني ، وأزمة القيادة الفلسطينية في اعباء السلطة والتزاماتها الثقيلة ،  والانشغال العربي  بما يحدث في المنطقة ، كما ان نجاح الرئيس ترامب  ووصوله الى البيت الابيض ، قد شكل  فرصة قوية  لإسرائيل  لاستغلالها ،  بعد  شعورها بتحسن مكانتها  في البيئة الاقليمية والدولية ، مما دفعها  لتمرير  هذه القوانين العنصرية الاستعمارية ، لذلك بات مطلوبا  الان من القيادة الفلسطينية ان تقوم بعملية مراجعة جدية واستخلاص العبر  الضرورية  لمواجهة عملية التهويد الشامل لكل فلسطين ،وأولها اعادة احياء التعريف الاصلي لفلسطين بحدودها  التاريخية ، وإلغاء اعتراف منظمة التحرير  بإسرائيل  ، لإعادة  اسرائيل لتصبح  في الوعي الثقافي الفلسطيني والعربي ،   انها كيان استعماري احلالي  عنصري ، وبالتالي الغاء كافة المسؤوليات  للسلطة الفلسطينية والتزاماتها الوظيفية الامنية  ، والاقتصادية ، والتي شكلت  فرصة ساعدت اسرائيل على التفرغ بتهويد كل الاراضي الفلسطينية ، بعد ان تحررت  من مواجهة الشعب الفلسطينية ،  بعد تشكيل سلطة شكلية ،  واستمرار تحكم اسرائيل بكافة تفاصيل الحياة الفلسطينية ، وبالتالي تصويب مسار السلطة لتتحول الى  سلطة مقاومة تعمل على تثبيت  وتقوية الوجود الفلسطيني  وصموده  على  تراب وطنه التاريخي  ومواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني  بكل الوسائل المتاحة سياسيا وقضائيا وشعبيا واقتصاديا  ، لا ان تكون وكيلا امنيا واقتصاديا وإداريا .