منار..طفلة أسيرة أوجعتنا بقلم:د. خالد معالي
تاريخ النشر : 2017-02-11
يدمي القلب، ويزيد من أوجاعه أكثر وأكثر؛ منظر طفلة مقدسية وهي مكبلة بيديها وقدميها خلال إحضارها للمحكمة، وهو المنظر الذي تكرر مع الطفلة الأسيرة المقدسية منار شويكي، والتي اعتقلت بعمر 15 عاما؛ لتحاكم بعمر أل 16 عاما؛ لمدة ستة سنوات سجن؛ وسط غياب تام لدعاة حقوق الطفولة، والمؤسسات النسوية الداعمة لحقوق المرأة.

"حسبنا الله ونعم الوكيل"؛ هي الجملة التي تردد صداها قبل أسبوع في قاعة إحدى محاكم القدس؛ بعد إصدار الحكم الجائر بحق طفلة مقدسية؛ كان من المفترض أن تكون مع زميلاتها بين أدراج مدارستها في القدس المحتلة؛ تلعب العاب الطفولة بكل براءة؛ لا أن تكون في زنازين نتنة لا تصلح حتى للحيوانات، حيث لا شمس ولا هواء نقي، وفقط أربعة جدران.

ولكل أسير وأسيرة حكاية مع الوطن السليب، فوالدة الطفلة الأسيرة منار تقول نقلا عن ابنتها بعد زيارتها في السجن؛ بأنّ قوات الاحتلال أحضرت كيسًا من الدماء، ولطخ الجنود يدها بمحتواه، وبعدها أحضروا سكّينًا ووضعوها أمامها، ليبدؤوا فورًا التحقيق معها بشكلٍ قاسٍ، ويجبروها على الاعتراف بما لم تقم به.

باتت الطفلة الأسيرة المقدسية منار التي هي ياسمينة الدار كما وصفتها أمها؛ وجع في قلب كل حر وغيور في هذا العالم، ونخزة ضمير لكل حر وأبي وشريف في الوطن المأسور والمقهور بفعل الاحتلال الظالم.

كل إنسان لا يشعر بعذابات الآخرين، ولا تؤثر فيه صورة طفلة أسيرة وهي مكبلة بيديها وقدميها؛ ومعتقلة في قفص؛ يكون قد تجرد من المشاعر والأحاسيس الإنسانية النبيلة؛ وتحول إلى شيء لا يستحق لقب إنسان.

تعسا لـ 12 مليون فلسطيني ؛ و300 مليون عربي؛ ولأمة المليار ونصف مسلم؛ وهي ترى صورة الطفلة  منار؛ باكية حزينة تستنجد بقادة العرب والمسلمين؛ ولا مجيب ولا مغيث؛ ولا تحرك ساكنا، وكأن أمرا جللا لم يحدث.

كيف بطفلة بعمر الزهور أن تحمل سكينا لتطعن به! فالمحكمة في القدس أدانت الطفلة شويكي، بمحاولة طعن مستوطن في شهر كانون أول (ديسمبر) 2015؛ وما هي الأسباب التي جعلت طفله مقدسية خلف القضبان؛ لأجل حرية شعبها!؟

الطفلة الأسيرة شويكي لا تعاني لوحدها؛ فهي ألان أصغر أسيرة مقدسية في سجون الاحتلال؛ ويحتجزها الاحتلال في سجن "هشارون"، مع أكثر من 50 أسيرة لا يتجاوزن عمرها، في حين أن إجمالي الأسيرات في سجون الاحتلال 65 أسيرة يقبعن في سجنيْ "هشارون" و"الدامون" الصهيونيين، من بينهنّ 15 فتاة (قاصرات) من سنّ 15 عامًا فما دون. 

تجلت مأساة ومعاناة الطفلة  منار بفقدانها المبكر لطفولتها، ولا احد يحتج او يعترض في العالم الغربي؛ بينما لو كانت طفلة يهودية في الأسر – وهو لا يصح لدى المقاومة – لقامت قيامة الدول الغربية، ولتم وصف الفلسطينيين والعرب بالمتوحشين المجرمين؛ كأقل وصف  يمكن أن يوصفوا فيه .

قهر ما بعده قهر؛ يعيشه الأطفال المقدسيين حتى بدون اعتقال؛ فكيف بالاعتقال! وهو ما ينطبق على أطفال الضفة الغربية عموما؛ والذين لا يعيشون طفولتهم كبقية أطفال العالم؛ بالفرح والسعادة والألعاب.

ما  يخفف من ألم أسر الطفلة منار؛ هو تعلقها وبقية الأسيرات والأسرى؛ بالأمل الحي والكبير؛ برجال المقاومة والأنفاق؛ الذين لا ينامون الليل وهم يفكرون بخلاصها وخلاص 7000 أسير وأسيرة، فالمجد والعظمة والتحية؛ لكل من فكر وخطط وضحى لوطنه ونجح بفك اسر أطفال بعمر الزهور؛ "ويرونه بعيدا ونراه قريبا"