رسالة مفتوحة إلى الإخوة في قيادة حركة حماس بقلم عبد الحق شحادة
تاريخ النشر : 2017-02-08
رسالة مفتوحة إلى الإخوة في قيادة حركة حماس بقلم عبد الحق شحادة


رسالة مفتوحة إلى الإخوة في قيادة حركة حماس ** انتخابات المجالس المحلية مقدمة للمصالحة 

من سنن الكون ونواميسه أن التاريخ لا يعود إلى الوراء.. وأن أحداث التاريخ لا تسطُر إلا بعد حٌدوثِها , وأن عقارب الساعة تسير دائماً إلى الأمام ولا تندفع إلى الخلف إلا بفعل فاعل, وذلك عندما تُنتزع منها إرادة الحركة الميكانيكية. ومن يقول غير ذلك يكون قد وضع على عينيه طلاء أسود اللون ينتزع منه البصيرة فيصبح فاقداً للقدرة على التمييز بين الوقائع الصحيحة و الوقائع الخاطئة.
وما أنا بصددي في هذه الرسالة هو حالة التجادب التي يعيشها شعبنا الفلسطيني بين شقي الوطن وانعكاس ذلك على جميع أبناء شعبنا الفلسطيني بجميع شرائحه أينما تواجد في الوطن والشتات .
طبعاً هذا الوضع القائم لا يرضي صديقاً ولا يغيظ عدواً.. حيث أن المستفيد من هذا الوضع القائم هو الإحتلال الإسرائيلي ومن يسير بركبه. وبالرغم من هذا الشرخ القائم وانسلاخ جزء صغير وعزيز من خاصرة الوطن , فإن السلطة الوطنية ممثلة بالأخ الرئيس و مجلس الوزراء يحاولون جاهدا رتق جرح هذه الخاصرة المكلومة قدر المستطاع والتقدم إلى الأمام بكل ما يعني ذلك من ضرورة تحقيق إثبات الوجود الفعلي لدولة فلسطين في جميع المحافل الدولية والتي كان آخر محطاتها عقد مؤتمر باريس بمشاركة 70 دولة والذي أكد على الحقوق الفلسطينية الثابتة. مما يشير إلى نجاح الدبلوماسية الفلسطينية في محاصرة تغلغل نفوذ الدبلوماسية الإسرائيلية.
إن ما حصل في قطاع غزة من انسلاخ للجزء عن الكل يفقد اليوم مبرراته. حيث أصبح السواد الأعظم من شعبنا غير مقتنع بهذا الإنقسام ويرفضه بسبب النتائج الكارثية التي ترتبت عليه وما آلت إليه أوضاع أهلنا في المحافظات الجنوبية من سوء وتدهور للأحوال المعيشية بفعل الحصار والإدارة الخاطئة دون النظر لمصالح العباد والناس.. حيث تتزايد حالات الفقر والبطالة وجيش الخريجين والتسول والاستغلال والجشع والطمع وانعدام المبادرات الشخصية للأفراد و غياب النخوة والتطوع الفردي , إضافةً إلى تهتك البنية التحتية وعدم صلاحيتها. ناهيكم عن غياب الشفافية وعدم معرفة الناس أين يذهب, ما يدفع ؟!. كل هذا جعل المواطن العادي يكفر بالقيم ويؤنب نفسه على ما اقترفته أصابعه في انتخابات عام 2006 التشريعية ناذبين سوء حظهم العاثر و مفضلين عودة المحتل ليوفر لهم لقمة عيش أفضل .
لقد استبشر الناس خيراً بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية إلا أن عملها بقي حبيساً في المحافظات الجنوبية نتيجة عدم التمكين لها وعدم مساعدتها في أداء مهامها. كما تم رفض قراراتها والتي كان آخرها تحديد موعد 13/5 كموعد لإجراء الانتخابات المحلية في جميع أرجاء الوطن . علماً بأن انتخابات المجالس المحلية هو استحقاق ديمقراطي وشعبي و تكريس لدولة القانون. ولا يجوز لأيٍ كان تحويل هذا الحق الديمقراطي كمادة للتراشق الإعلامي الغير مفيد.. حيث يصبح الصندوق الانتخابي هو الفيصل , ومن يدعي أنه صاحب الشعبية الأوسع لايخاف من صندوق الإنتخاب. وما دام أن جميع مكونات شعبنا الفلسطيني في شقي الوطن توافق على إجراء الإنتخابات فإنه لايجوز لحركة حماس كما لايجوز لحركة فتح أو أي فصيل آخر مهما علا شأنه رفض الإلتزام بقرارات حكومة الإجماع الوطني. ومن يدعي حرصه على النسيج الإجتماعي عليه أن يساعد على تحقيق ذلك. حيث أن شعبنا تواق لتحقيق الديمقراطية والعيش الكريم , فلقمة العيش مرة عند الغالبية من أبناء شعبنا في المحافظات الجنوبية.
وأنا شخصياً عملتُ في مجال المساعدات و الإغاثة من خلال موقعي كرئيس للجنة زكاة مخيم الشاطئ , ورئيساً أيضاً للجنة حي مخيم الشاطئ لمدة 12عام أو من خلال عملي التنظيمي لفترة طويلة , حيث قدمت خلال هذه الفترة الطويلة أنا وزملائي في العمل الكثير من المساعدات للناس.. وكنت أعرف موقف الناس المحتاجين للمساعدات منا عندما نتأخر في تقديم المساعدة لهم أو لا نعمل على ادراج أسماءهم فالجواب هو كيل الشتائم والإتهامات؟. فكيف بربكم سيكون موقف هؤلاء الناس عندما يتوقف عنهم دولاب العجلة الإقتصادية و تتأخر أوضاعهم المعيشية لمدة عشر سنوات ؟!.
إنني من باب النصيحة أخاطب الإخوة قادة حماس وأقول لهم بضرورة تشابك الأيدي مع الأخ الرئيس أبو مازن والسلطة الوطنية الفلسطينية قبل فوات الأوان. فالتاريخ لا يرحم ولنا عبر من تجارب محاصرة الشعوب المستضعفة من قبل قوى الإستكبار العالمي.. فلتنظروا كيف حاصرت الولايات المتحدة والعالم العراق و رئيسه صدام حسين. والذي كان يملك اقتصاداً قوياً وجيشاً عرمرماً .. وأربعين ألفاً من الحرس الجمهوري الذي كان يعتبر النواة الصلبة لصدام حسين وجيشه.. وحزباً قائداً يُقدر عدد منتسبيه بثلاثة ملايين عضو.فكيف أصبح حال هذا البلد اليوم ؟!. فما بالكم بغزة المنكوبة و الفقيرة والصغيرة بحجمها لكنها كبيرةٌ باسمها وأهلها .
إن وحدتنا وديمقراطيتنا هي صمام أمان صمودنا وبقاءنا . ولنتعظ من تجارب الشعوب ولنتقِ الله في شعبنا داخل قطاع غزة لأنه على حافة إنفجار لبركان ناري كبير سيغرق اليابس بالماء بسبب الفقر وانعدام فرص العمل ومقومات الصمود والحياة . فغزة هي ” عقب أخيل ” في جسم الوطن . وهي لوحدها لا تستطع حل مشكلة واحدة من مشاكلها أو حتى إقامة مشروعاً واحداً على نفقتها . وجميع المشاريع التي تمت في قطاع غزة على قلتها جاءت بمساعدة قطرية أو تركية أو المؤسسات والدول المانحة من خلال صندوق إقراض البلديات التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية الغير معترف بها من قبل حركة ” حماس ” . مع التذكير بأنه في عهد الإحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة كان يحول ما قيمته 40% من دخل رسوم تراخيص السيارات للبلديات بهدف صيانة أو رصف الطرق .فكم هي عدد الطرق والشوارع التي رصفتها هذه البلديات على نفقة موازناتها ؟!. وأين تذهب رسوم تراخيص السيارات؟.
إن انتفاضة الجياع قاسية وسيدنا الخليفة “علي بن أبي طالب ” رضي الله عنه قال: ( لو كان الجوع رجلاً لقتلته ) .
ويذكر التاريخ لنا بأن حشوداً من الشعب الإيطالي تظاهروا في النصف الثاني للقرن التاسع عشر في مدينة روما ضد رئيس الوزراء القوي آنذاك والموحد لإيطاليا ” كاميلو كافور ” . وقد احتشدوا أمام القصر وعندما سأل كافور أحد معاونيه عن سبب تظاهرهم ؟ فقد قال له : إنهم جياع يريدون خُبزاً فأطعمهم يا كافور .
وأذكركم أيضاً بما حدث في دولة رومانيا عام 1989 وقد كانت أفقر دولة في مجموعة دول أوروبا الشرقية الإشتراكية . وكان يحكمها الرئيس ” نيقولاي شاوسيسكو ” بالحديد والنار . فقد ثار أهالي مدينة “ديسواره”على الحكم .. وكانت الشرارة التي أشعلت الثورة في رومانيا واستطاع أفراد من الشعب أن يعتقلوا الرئيس ” شاوسيسكو” وزوجته حيث كانوا يحاولون الهرب إلى خارج البلاد. وقد تم قتلهم على الفور من قبل الحشود الغاضبة .
واخيراً أذكركم بانتفاضة الكهرباء في قطاع غزة والتي لم تكن مسيسة كما حاول البعض الإدعاء.. بل كانت اندفاعاً للتعبير عن الحاجة . فمشكلة الكهرباء ستظل قنبلة موقوتة لاينفع معها الحلول الترقيعية والآنية فهي بحاجة لحل جذري لا تستطيع غزة بمفردها معالجته . وأجزم لكم بأنكم تعرفون أن انتفاضة الكهرباء غير مسيسة ولكنكم كنتم تخشونها خوفاً أن تتحول إلى غير ذلك .
ومن هنا ومن أجل تلاشي كل ذلك وما قد يخبأه المستقبل لنا جميعاً .. أقول بأنه : يتوجب عليكم وعلى السلطة أيضاً فتح المجال أكثر أمام تحقيق مزيداً من الشراكة والتقارب على الأرض عملاً لا قولاً بين المحافظات الشمالية والجنوبية .. وكذلك فسح المجال أمام تحقيق الخيار الديمقراطي وإجراء انتخابات المجالس المحلية في موعدها ووقتها المحدد حتى يتسنى لدولاب المصالحة الوطنية أن يسير إلى الأمام بسواعد الرجال الشرفاء إن شاء الله . علماً بأنكم كنتم قد وافقتم في السابق على إجرائها والمشاركة فيها عندما بدأ التحضير لها قبل عدة أشهر . ولكن جاءت الرياح بما لا تشهتهي السفن. وإن شاء الله ستكون السفينة هذه المرة جاهزة للإبحار في مياه هادئة و بشراعٍ واحد .

عبد الحق شحادة
غزة / معسكر الشاطئ
5/2/2017