إن أكبر سرقة تمت للممتلكات الخاصة والعامة الفلسطينية جرت عام 1948م، وحاولت العصابات الصهيونية بعدها أن تسرق ممتلكات الفلسطينيين بطرق أكثر تنظيما، فسنت قوانين لسلب (أملاك المغيبين) وهم من قتلتهم أو هجرتهم تلك العصابات من أرضهم، وبعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م تم تفعيل قانون استملاك عقارات المغيبين عن أرضهم في القدس وقرى اللطرون الثلاث المهجرة، وتمت أيضا مصادرة الأملاك (الميري) واستخدامها لصالح الاستيطان، ولم يكتف الاحتلال بسلب الممتلكات العامة وأملاك المغيبين الخاصة، فاتجه لسلب الأملاك الخاصة التي لم يتم تهجير أهلها منها لصالح الاستيطان.
إن أول تشريع عالمي لقوننة السرقة كان الاعتراف بالدولة العبرية، ويعتبر القانون الذي يشرع سرقة ممتلكات الفلسطينيين في الضفة الغربية استمرارا لهذه الخطيئة، ولذلك فإن الذهاب باتجاه سحب الاعتراف بدولة الاحتلال يعتبر الخطوة الأولى نحو إسقاط هذا القانون، وخطوة نحو دفع العالم إلى وقف هذا الانفلات العنصري الإحلالي تجاه حقوق الفلسطينيين، وبالرغم من أنه يبدو وكأنه مغامرة ومخاطرة بواقع وتشابكات وتعقيدات مصلحية وسياسية بنيت خلال العقدين الماضيين، إلا أن هذه هي الخطوة الأعمق تأثيرا على مصير هذا القانون، ولذلك فإن مستقبل الشعب والقضية الفلسطينية يستحقان مجازفة كتلك.
بالرغم من أن جيش الاحتلال سرق أرضا لمغيبين فلسطينيين ومنحها للمستوطنين الذين أمرت محكمة الاحتلال بنقلهم من مغتصبة "عمونا" التي أقيمت على أملاك خاصة لفلسطينيين يعيشون تحت الاحتلال ، إلا أن هذا القانون يعبر عن ضيق صدر من يديرون دولة الاحتلال من لعب دور الدولة الطبيعية، ويظهر حنينا وسلوكا واضحين للعودة إلى ممارسات العصابات التي تسرق ما تريد وتقتل من يقاومها.
يخرق هذا (القانون) بدهيات المنطق من خلال اعتباره السرقة شيئا مقبولا وقانونيا، وهذا يعطي بعدا أخلاقيا واضحا لصالح الفلسطينيين، ولكن الأمور لن تنتهي هنا، والمطلوب هنا أن يكون هناك جهد إعلامي ودبلوماسي يقدم للعالم خطابا يظهر حجم هذه الخطيئة بخطاب قانوني ومنطقي سلس، بالإضافة إلى إظهار جزئية اعتبار سلب الأراضي المحتلة مخالفا للقانون الدولي، فما يجري عبارة عن سطو مسلح لا يمكن لأي قانون مزعوم أن يجعله شرعيا.
يحتاج التصدي لهذا القانون إلى جهد شعبي وفصائلي وأهلي ورسمي وقانوني ودبلوماسي وإعلامي كبير، جهد يستشعر حجم خطورة هذا القانون، فتنفيذ هذا القانون سيضع كل ممتلكات الفلسطينيين رهنا لغريزة وللمزاج المريض لأي مستوطن ، وسيدفع بمستقبل الفلسطينين وقضيتهم نحو المجهول، كما أن تطبيق هذا القانون سيعيد الصراع مع الاحتلال إلى معادلته الطبيعية وسيضع الشارع الفلسطيني أمام خيار واحد فقط؛ وهو خيار الدفاع عن حقوقه الطبيعية في التصرف بممتلكاته بالطريقة التي يريدها، ولذلك قد تكون هذه السياسة هي القشة التي ستقصم ظهير بعير الهدوء الجزئي الذي تعيشه الضفة الغربية.