الانتخابات البلديه .. بين الخطيئة و الصواب بقلم : عمار نزال
تاريخ النشر : 2017-02-07
بقلم : عمار نزال - قباطيه

فكرة الانتخابات للهيئات المحليه هي فكرة تراوح بين الخطيئة و الصواب ، خطيئة آلية اختيار المرشحين و الخلافات التي ينتج عنها مجلس بلدي متناحر ، و صواب الديمقراطيه و حق الناخبين باختيار ممثليهم ، ان الهيئات المحليه هي أقرب المؤسسات الحكوميه للمواطن و لذلك هي الأكثر طمعا للفوز بنفوذ و وجاهة منصب رئيس البلديه الذي يتنافس عليه كل الأعضاء ، و كون الهيئات المحليه هي المؤسسه الحكوميه الأكثر احتكاكا بالمواطن فهذا يجعلها الأكثر عرضة للانتقاد و الهجوم اللاذع على خدماتها ، انتقاد الهيئات المحليه له ثلاثة ركائز :
* أولا : اذا أردت أن تنتقد كمواطن و كناخب له دور الرقابه المجتمعيه و هذا حقك ، فانتقد دون محاباة لأحد على حساب أحد و دون مأرب شخصي .
* ثانيا : اذا كان معيار الانتقاد هو القانون فلا داعي للانتقاد ، فالقانون أشبه برجل حكيم يرى بعين واحده ، و لكن فليكن المعيار هو عدم التمييز .
* ثالثا : اجعل مواقع التواصل الاجتماعي الالكترونيه هي آخر وسيله لطرح و مناقشة انتقاداتك ، راجع المجلس البلدي و رئيسه أولا .

ان الانتخابات بحد ذاتها لا يمكن أن ينتج عنها مجلس بلدي منسجم متناغم ، و الحل الأفضل هو التعيين ، تعيين كفاءات بدل الانتخاب ، و لعل هذا طرح مثالي لا يمكن تطبيقه ، و لكن ما دامت الانتخابات هي وسيلتنا ، فعلينا أن نفكر جديا في أولويات الانتخابات ، الأجدى بنا أن نذهب للوعاء الأكبر ثم الأصغر ، المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره السلطه التشريعيه العليا لكل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده و باعتباره مرجعية منظمة التحرير الفلسطينيه هو الأحوج لانجاز انتخاباته ثم انتخابات رئاسيه و تشريعيه للسلطه الوطنيه الفلسطينيه ، هذه السلطه التي تعتبر حكم ذاتي مؤقت حسب اتفاقيه أوسلو لحين الحصول على دوله كاملة السياده و كاملة العضويه في الأمم المتحده ، و السلطه باعتبارها أحد أذرع منظمة التحرير فهي بحاجه لانتخابات عاجله من الأكبر فالأصغر ، فمن غير المنطقي أن نبدأ بانتخابات الهيئات المحليه في ظل تعطل المجلس التشريعي الذي يفترض بأنه هو من يحدد نظام الانتخابات و آليتها ، واذا كانت الانتخابات هي الوسيله لانهاء الانقسام فقد أصبحت تعزز الانقسام و تضاعفه ، و أتفهم أن انتخابات المجالس المحليه هي مطلب الدول المانحه كمعيار للنزاهة و الشفافيه ، و لكن ماذا عن الانقسام ؟ و اذا كانت انتخابات المجالس المحليه ستجري بالضفة الغربيه دون قطاع غزه بسبب عدم موافقة حماس فان اجرائها في الضفة فقط هو اعتراف ضمني بانفصال قطاع غزه ، و اذا كنا معترفين بهذه الحقيقة المره فلماذا نؤجل الانتخابات التشريعيه و الرئاسيه لحين موافقة حماس عليها في قطاع غزه ؟ قطاع غزه جزء أصيل من فلسطين القضية و الهويه ، و لكن الى متى سيبقى هذا الحال في ظل تعطل المجلس التشريعي الذي يضعنا في رهن حكومات متعاقبه بعيدة عن هموم المواطن .

في كل مرّه يتم بها الاعلان عن موعد للانتخابات البلديه تبدأ مباريات " الكولسات " و الاصطفافات و ما يليها من تفسخ في المجتمع يصل لدرجة القطيعه المؤقته بين أوساطه ، و السبب أننا لم نرتقي لمفهوم الديمقراطيه حتى الآن ، الانتخابات عندنا تعني الاقصاء و تهميش الآخر و ليس الشراكه ، الدعايه الانتخابيه عندنا ترتكز على الاشاعة و التشهير و الاتهام و الذم و القدح و التحقير والتحريض ، لم ندرك حتى الآن أنها معركه انتخابيه .. نعم معركه .. و لكنها معركه انتخابيه ، التحدي فيها في صندوق الاقتراع ، في قدرتك على الاستقطاب و التأثير و الاقناع ببرنامجك الانتخابي و شخوص مرشحيك .
حتى نشكل مجلس بلدي ناجح يجب تطبيق نظام الانتخاب الفردي و ليس القوائم بغض النظر عن كونها قوائم مفتوحه أو مغلقه ، و يجب انتخاب رئيس البلدية مباشرة من الناخب ، و يجب منع نهج التقاسم الزمني لرئاسة البلديه " سنتين - سنتين " لأن رئيس البلديه يحتاج لفتره حتى يتعمق بالعمل و ما أن ينسجم حتى يتغير و يأتي جديد يعيد الدرس ، فتنتهي فترة المجلس دون أن يكمل كل رئيس رؤيته ، ناهيك عن الحساسية و الخلافات التي تحصل نتيجة نهج تقاسم الرئاسه .
في النهايه لا يمكن لهيئاتنا المحليه أن تكون أفلاطونية في خدماتها و مشاريعها و ادارتها ، و ندرك الواقع ، و ملاحظه على سبيل الواقع : أنا موظف بلديه تقدمت بامتحان توظيف و حصلت على الترتيب الثاني في امتحان أولوية التوظيف وقتها ، لكن لم يكن الامتحان سبب وظيفتي في مجلس الخدمات ثم الانتقال للبلديه ، علينا أن نعترف بالواقع و بالأخطاء دون مثاليه و شعارات ، و يحق للجميع أن يطالب و يحلم بوجود مجالس بلديه تنهض بمدننا و بلداتنا و مخيماتنا و قرانا نحو أفضل المشاريع و أفضل الخدمات على صعيد الكهرباء و المياه و هندسة البنى التحتيه و شبكات الصرف الصحي و خدمات النفايات و المرافق العامه و القطاع الصحي و التعليمي و المنشآت الصناعيه و التجاريه و أسواق الخضار و المواشي ، و لكن في ذات الوقت علينا أن نقيم واقعنا و أنفسنا و أخطائنا و دور كل منا للنهوض بمجتمعه ، و آلية اختيار المرشحين المبنيه على أسس عشائريه و تنظيميه و جغرافيه دون مراعاة الكفاءة و الخبره ، و علينا أن ندرك ان المجالس المحليه تقوم بأضعاف مهامها فهي العنوان في كل مدينة و بلده و تتحمل مصاريف العديد من مباني المؤسسات الحكوميه في نطاقها الجغرافي .
نتمنى أن ننهض ببلدياتنا بمجالس منتخبه تحافظ على النسيج الاجتماعي أولا و قبل أي شيء ، فنحن شعب محتل أوجعه ظلم و جبروت الاحتلال ، و أنهكه الانقسام و تأتي الانتخابات لتزيدنا فرقة و تشرذم ، و تزيدنا بعدا عن جوهر قضيتنا المتمثل بأرضنا المسلوبة لتكون مستوطنات للغرباء .