التخطيط الاستراتيجي أداة الوصول للاستقلال الاقتصادي. بقلم: أ. باســم يونـس أبو جــريّ.
يساهم علم الإدارة في نهضة المجتمعات ويؤمن مستقبل الأجيال في التنمية والاستقلال، فالاستغلال الأمثل للموارد وإنجاز الأعمال وتحقيق الأهداف هي منطلقات هذا العلم الذي أفرز التخطيط الاستراتيجي كوصفة علاجية فعالة للمشكلات المعقدة ذات الأبعاد المتعددة، عبر تحليل نقاط القوة والضعف في البيئة الداخلية، والفرص والتحديات في البيئة الخارجية، ليشكل بوصلة لسفينة النجاح والفلاح، فما أحوجنا كفلسطينيين للتخطيط الاستراتيجي خاصة في القطاع الاقتصادي لتحقيق رؤيتنا في التحرر والخلاص الذي ندفع ثمنه شلالات من الدم وقوافل من الشهداء.
فالاستقلال الاقتصادي يتطلب منهج علمي يستند إلى التخطيط الاستراتيجي، حيث لم يعد الترف الفكري والابتكار كافيين لتحويل الطموح إلى واقع ملموس.
وعند تحليل البيئة الكلية في فلسطين سنجد عقبتين تعرقل جريان المياه لشجرة الاستقلال الاقتصادي، أولهما الاحتلال الإسرائيلي الذي يستهدف بشكل منظم المنشآت التجارية والصناعية والسياحية، وبالتالي يتوجب أن نأخذ بالحسبان هذا المتغير كون تفتيت وإنهاء الاحتلال يقصر المسافة للوصول إلى الاستقلال الاقتصادي.
والعقبة الثانية هي الانقسام السياسي الفلسطيني! وإن بدت أخف لكنها لا تقل خطورة من سابقاتها وتستوجب خطوات جدية بين طرفي الانقسام، لفك القيود عن الاقتصاد، فالاستقلال نقيض الانقسام وبينهما عداوة عمياء، وعند مراجعة المؤشرات، والإجراءات، والقرارات الاقتصادية التي ظهرت مؤخراً وخلال العقد الأخير وهي المسافة الزمنية للانقسام، سنكتشف مستوى التعقيدات التي أفرزت هيكل اقتصادي شبه مشوه.
مما سبق يتضح أن السياسة والاقتصاد توأمان لا ينفصلان، فلا بد من محق الاحتلال وتقييده، والتحرر من التفاهمات والاتفاقيات الموقعة معه، هذا من جهة، وتوحيد الأطراف الفلسطينية من خلال الاتفاق بين الفاعلين في الحياة السياسية لعقد انتخابات محلية ورئاسية وبرلمانية ووضع دستور متين يعالج كافة القضايا العالقة من جهة أخرى، وهذا سيفتح الباب واسعاً أمام شعبنا ليتحرر من ربقة القرارات والإجراءات العشوائية، وبذلك يشكل إحدى متطلبات النجاح، كي يتفرغ للتحديات الأخرى.
وبموازاة التحديات سنجد في البيئة الكلية فرصاً يستوجب استثمارها، خاصة بعد الاعتراف بدولة فلسطين عضو مراقب في الأمم المتحدة، وزيادة حجم التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية، والمقاطعة الاقتصادية والأكاديمية (لإسرائيل) التي تتعاظم من خلال الحملات الدولية.
وبالانتقال إلى تحليل البيئة الخاصة نجد أن مؤشرات التجارة الخارجية بلغت فيها نسبة الواردات أعلى وبكثير من نسبة الصادرات. ولقراءة مفاصل العمود الفقري للاقتصاد وهو البنية التحتية التي تتمثل في الموانئ والمطارات، وشبكات الطرق، والكهرباء والمياه، والمدن الصناعية والمناطق الحرة، وشبكة الاتصالات والخدمات الإلكترونية، وقطاع الخدمات، نكتشف أنها من نقاط الضعف الواجب وضع استراتيجية علاجية لها، خاصة بعد عقد ونصف من المنع والتدمير والاستهداف والاحتكار.
والمصادر الطبيعية التي نمتلكها تسهل معالجة بعض مكونات البنية التحتية، كوننا نمتلك ساحل في قطاع غزة يمتد من الشمال الى الجنوب مسافة (37) كم، لإنشاء ميناء بحري، ولدينا عدد من الطائرات التابعة للخطوط الجوية الفلسطينية، وهيئة وطواقم مدربة لإعادة بناء المطار، وهذا من نقاط القوة حال واصلت السلطات الحكومية استغلاله كونه يحمل الصبغة السيادية ويتطلب ضغوط سياسية.
وفي نفس السياق تشجيع الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة مثل الشمس، والرياح، والحرارة، لا يقل أهمية فسكان فلسطين عانوا من نقص الكهرباء والتحكم في كمية وأسعار المحروقات، ليصبح إيجاد مصادر بديلة للطاقة ليس ضرورة اقتصادية فحسب بل إنسانية ووطنية، فاستغلال الطاقة الشمسية في فلسطين يستخدم وبنجاح في الحصول على المياه الساخنة لأنها تتمتع ب (300) يوم مشمس في العام، فيمكن استغلالها وتحويلها إلى طاقة كهربائية بشكل أوسع وأكثر مما عليه الآن.
ومن الإجراءات المطلوب معالجتها هو إطلاق المنافسة في مجال الاتصالات والطاقة لتحسين الكفاءة، وخفض التكاليف في كافة الأعمال. والنجاح في هذا الجانب ذو جدوى اقتصادية، وجسر ضروري باتجاه التنمية.
ولا نتخيل أن الاستراتيجية الفعالة والمطلوبة سوف تسقط من حساباتها قطاع الإسكان واستصلاح الأرض والمياه كونهما حجر الزاوية في معادلة الصراع، ومن الضروري تثبيت العنصر البشري على المساحة الجغرافية المتبقية للفلسطينيين. خاصة بعد أن أصبحت الحقول والاراضي والمنازل والأبراج السكنية لقمة سائغة لجرافات وطائرات الاحتلال الإسرائيلي.
وبخصوص الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات، لإنتاج البرامج والتطبيقات والمنتجات الرقمية، وتفعيل التجارة الإلكترونية، لا يزال المستوى أقل من الطموح، وأمام القطاع الخاص فرصة جدية للابتكار واستغلال التطور التكنلوجي، حيث يعد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات محركاً رئيسياً تجاه نمو الأنشطة الاقتصادية والحياتية كافة، ويشكل نافذة حرة للشعب الفلسطيني على العالم الخارجي، والاستثمار في هذا المجال يساهم في ممارسة الحق في التعليم ومواكبة التطورات العلمية في العالم، ويساعد على تطوير الخدمات الطبية كونها من أهم المجالات، خاصة وأن الحق في الصحة حق أصيل من حقوق الإنسان وحصول المواطن على خدمات طبية متطورة وحديثة وفعالة مطلب وطني وانساني، وأيضاً ضرورة اقتصادية، فقيمة فاتورة العلاج بالخارج تكلفنا مبالغ طائلة، وتشكل فكرة انشاء مركز خالد الحسن لعلاج السرطان وزراعة النخاع من أبرز التكتيكات الهجومية في المجال الصحي والاقتصادي، وهذه المشاريع الصحية الضخمة والضرورية، ينقصها أن يتم في اختيارها وتنفيذها مراعاة البعد الجغرافي وأن يحصل قطاع غزة على نصيبه ليس على صعيد صياغة الاستراتيجيات فحسب، بل وفي تنفيذ وترجمة المشاريع بشكل منطقي ومتوازن.
مما سبق يتضح أن الاستراتيجية العلاجية الموجهة للبنية التحتية والمصادر الطبيعية وتطوير الإسكان والأراضي، تأتي على سلم الأولويات، كونها ستخلق الميزة التنافسية للمنتجات بفعل تقليل تكاليف الإنتاج والنقل والمواصلات، وستزيد من حجم الاستثمار، وهذا سيقود إلى زيادة الصادرات وتقليل الواردات.
وأمام هذا الواقع تبرز اهمية صياغة الاستراتيجية الاقتصادية الفلسطينية على قاعدة تمن الأفضل، واستعد للأسوأ، لتشمل تشجيع الاستثمار في قطاع السياحية عبر بناء وتوسيع الفنادق، وتطوير واكتشاف المواقع الأثرية.
إن النجاح في الاستراتيجية العلاجية سيقود إلى الاستثمار في الصناعات الانشائية، والمشاريع الصغيرة والريادية، والصناعات الغذائية، باعتبار ذلك تحصيل حاصل حال توافرت بيئة تضمن حرية الحركة والتنقل للأفراد والبضائع، فالخبرة التي تراكمت لدى القطاع الخاص، سواء في المؤسسات الإنتاجية أو الخدماتية أو المؤسسات المالية، بالإضافة للإرادة الوطنية، هي من أبرز نقاط القوة في البيئة الداخلية.
نذكر بأن القطاع الحكومي عليه واجبات ابتداءً من مراجعة القوانين والسياسة المالية والنقدية، والمساهمة من خلال البعثات الديبلوماسية لفتح أسواق جديدة، وزيادة موازنة البحث العلمي، وتوقيع شراكة مع المراكز البحثية، وتشجيع حضور المؤتمرات العلمية الدولية. للوصول إلى منتجات قابلة وصالحة للتداول في الأسواق المحلية والعالمية، وحث الفاعلين في مجال الاقتصاد للاستناد إلى علم التسويق والتخطيط الاستراتيجي والتخطيط المالي.
ومن المسائل الهامة والمطلوبة بصورة دقيقة وسريعة هو قاعدة بيانات ومعلومات حول تفاصيل الاقتصاد ومؤشراته المختلفة ومحفظة الاستثمار، خاصة في ظل تعدد الجهات محلياً المنتجة لهذه البيانات والمعلومات. نظراً لأن القائمين على التخطيط بحاجة إلى نوعين من الإحصائيات لإعداد خطة اقتصادية واجتماعية منها المجاميع الإحصائية، والبارميترات الإحصائية، لتمكنهم من التنبؤ بأكثر دقة.
وأخيراً فإن الخطة الاستراتيجية بحاجة لقائد وهو بمثابة (المايسترو) لمتابعة ومراقبة الأنشطة أثناء تنفيذها وممارسة عملية التحكم والتوجيه الواعي والحكيم، ومتابعة الإطار الزمني وضبط الإيقاع العام، وهذا يقودنا للاعتماد على التخطيط اللامركزي التأشيري الذي يتطلب من الحكومة الفلسطينية توجيه القطاع الخاص نحو أهداف محددة من خلال التركيز على تنمية واستغلال الموارد، لتحقيق الاستقلال الاقتصادي، والتخلص من وضع التبعية، ومسايرة ركب التقدم والرقي، والوصول إلى الحياة المشرقة.
التخطيط الاستراتيجي أداة الوصول للاستقلال الاقتصادي بقلم: أ. باســم يونـس أبو جــريّ
تاريخ النشر : 2017-02-06
