المفهوم القانوني لمبدأ سلطان الإرادة، والقيود الواردة عليه بقلم:ماجد حسين
تاريخ النشر : 2017-02-06
"المفهوم القانوني لمبدأ سلطان الإرادة، والقيود الواردة عليه"

الباحث القانوني/ ماجد حسين

يُعد مبدأ سلطان الإرادة من نتائج المذهب الفردي الذي يقدس حرية الفرد،[1] والذي يَعتبر أن الهدف من تنظيم المجتمع هو حماية حرية الفرد وتحقيق مصلحته الخاصة، ويرى أنه طالما كان الفرد حراً في تحقيق مصلحته الخاصة فإن إرادته يجب أن تكون كذلك، وأن هذه الإرادة الحرة وحدها هي التي تملك إنشاء العقد وتحديد آثاره، فليس لأي جهة أن تتدخل لتفرض عليه ما يخالف إرادته.[2]

ولاحقا، سارت أنظمة وقوانين الدول نحو الاشتراكية التي ترى الاعتداد بمصلحة الجماعة قبل مصلحة الفرد، فظهر المذهب الجماعي،[3] وهو الذي يقتضي منع تسلط الطرف القوي في التعاقد على الطرف الضعيف، ومنع الأفراد من الإتفاق أو التعاقد على ما يخالف النظام العام والآداب العامة، أو مقتضيات الخطة الاقتصادية أو الاتجاه العام للمجتمع، وذلك من منطلق أن الصالح العام يعلو المصلحة الفردية.[4]

وقد أقر كل من الفقه والقوانين المدنية المعاصرة بمبدأ سلطان الإرادة في إنشاء التصرفات القانونية، ولكن ضمن حدود معقولة؛ لغايات تحقيق التوازن ما بين الإرادة والعدالة والصالح العام، أي أنه تم إقرار حرية الإرادة في التعاقد وعدم التعاقد، وفي تحديد مضمون العقد وآثاره، وفقاً للحدود التي يرسمها القانون استناداً إلى معايير المصلحة العامة والنظام العام والسياسة الاقتصادية العليا للدولة.

وقد أصبح مبدأ سلطان الإرادة وما ینتج عنه من حریة التعاقد مبدأ ثابت في غالبیة النظم القانونیة وخاصة ذات النزعة الفردية، ولم یقتصر الإعتراف بهذا المبدأ على القوانین الوطنیة، بل تبنته العدید من الاتفاقیات الدولیة،[5] وكرسته الجهات التحكيمیة الدولیة كقاعدة هامة من قواعد التجارة الدولیة.[6]

وإذا كان العقد[7] يُبنى أساسا على الإرادة وما تتمتع به من سلطان، فإن ذلك يعد ترجمة لمبدأ سلطان الإرادة الذي يعني أن الإرادة هي صاحبة السلطان الأكبر في إنشاء العقود وفي تحديد آثارها.[8] إن مقتضى مبدأ سلطان الإرادة في إطار القانون المدني هو أن إرادة الفرد تشرع بذاتها لذاتها وتنشئ بذاتها لذاتها التزامها، فللإرادة الحق في إنشاء ما تشاء من العقود غير متقيدة في ذلك بأنواع العقود التي نظمها المشرع في القانون المدني.[9] كما أن للإرادة الحرية في تحديد آثار العقد، فلا تتقيد بالآثار التي يرتبها المشرع على عقد من العقود فقط، وإنما يكون لها الحرية في تضييق هذه الآثار أو توسيعها أو حذفها، كما يكون لها الحرية في تعديل هذه الآثار بعد قيامها، وكذلك في إنهاء العقد بعد إبرامه.[10]

وللأهمية، نشير إلى أن مبدأ سلطان الإرادة عرف على مستوى العقود الدولیة رواجاً أكثر بالمقارنة مع العقود الوطنية، إذ إلى جانب الإعتراف للأطراف بحریة إبرام مختلف العقود وتنظیمها  في كافة مراحل التفاوض و انعقاد العقد وتنفیذه، فإنه اعترف لهم في إطار العقود الدولیة باختیار القانون الذي یحكم العقد، سواء بإخضاعه إلى حكم قانون وطني معین أو لأكثر من قانون، أو إستبعاد أي قانون وطني وإخضاع العقد لحكم المبادئ العامة أو العادات والأعراف التجاریة الدولیة، كما اعترف للأطراف بحرية الاتفاق على تحدید الجهة القضائیة المختصة.[11]

ويقوم مبدأ سلطان الإرادة على أساسين، هما: الحرية والمساواة.

فالحرية هي أساس النشاط الذي مظهره الإرادة، فإن المصلحة العامة تتحقق عندما يتم التوفيق بين إرادتين كل منهما تقرر مصلحة قائمة، على اعتبار أن المصلحة العامة ليست إلا مجموع من المصالح الفردية.

أما الأساس الأخر وهو المساواة، فلا يقصد بها المساواة الفعلية، إذ هذه لا يمكن تحقيقها، بل يقصد بها المساواة القانونية التي تكفل في النهاية تحقيق المصلحة العامة؛ لأن المصلحة الخاصة – وهي أساس المصلحة العامة – لن تتحقق إلا إذا اعتبر الأفراد متساوين أمام القانون في مظاهر نشاطهم.[12]

المبادئ المتفرعة عن مبدأ سلطان الإرادة

يتفرع عن مبدأ سلطان الإرادة المبادئ الآتية:

أولا: الالتزامات الإرادية هي الأصل

طبقا للنظرية العامة لمبدأ سلطان الإرادة، فإنه لا يقوم أي التزام على شخص إلا إذا ارتضاه، وأنه في حال فرض أي التزامات لا إرادية على الشخص تحقيقا لمصلحة العامة أو حفاظاً على النظام العام والآداب العامة فإنها يجب أن تكون في أضيق الحدود.[13]

ثانيا: مبدأ الرضائية (حرية الشخص في التعاقد وعدم التعاقد)

ويقصد به أن إرادة الفرد تكفي وحدها للتعاقد دون أي قيد إلا ما يتطلبه القانون من نظام عام أو مصلحة عامة، ولذلك فإن الشكلية وفقا لهذا المبدأ تعتبر تقييدا للحرية التعاقدية القائمة على الرضائية.[14]  

ثالثا: حرية المتعاقدين في تحديد آثار العقد

أي حرية الأطراف المتعاقدة في تحديد الالتزامات العقدية ومكانها ومداها. ففي عقد الإيجار مثلاً لإرادة الأطراف الحرية في تحديد مدة العقد وكذلك في تحديد الأجرة التي يُلزم بها المستأجر وهكذا الشأن في سائر العقود.[15]

رابعا: مبدأ العقد شريعة المتعاقدين

ويقصد به أن يعادل الالتزام الناشئ من العقد في قوته الالتزام الناشئ من القانون، فيكون للعقد قوة ملزمة بحيث لا يجوز لأحد المتعاقدين أن ينفرد بنقضه أو تعديله، فيتعين على المتعاقديْن أن يخضعا لما اشترعاه كخضوعهما لما شرعه القانون، كما يتعين على القاضي رعاية تلك العقود وحمايتها كرعايته للنصوص القانونية، بمعنى أنه إذا طُرح عليه نزاع بشأنها، فإنه يجب عليه تطبيق ذلك الحكم الخاص الذي وضعه المتعاقدان فيما بينهما.[16]

الانتقادات التي وجهت لمبدأ سلطان الإرادة

سبق القول، أن مبدأ سلطان الإرادة  تكرس في التشريعات المدنية التي ظهرت خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لكن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الجديدة التي شهدها العالم بعد ذلك وخصوصا المد الذي عرفه المذهب الاشتراكي وبروز عيوب إطلاق العنان للحرية الفردية، أدت إلى تقلص هذا المبدأ واشتداد الإنتقادات التي وجهت له، وهكذا ظهرت آراء تنادي بضرورة تقييد حرية الفرد وعدم إطلاق إرادته لأنه يعيش داخل الجماعة ويجب أن تخضع إرادته للقانون الذي يحد من سلطانها، حيث توجه لمبدأ سلطان الارادة كثير من الانتقادات وأهمها: أن هذا المبدأ يتجاهل فكرة التضامن الاجتماعي، فهو ينظر إلى مصلحة الفرد وحدها دون مصلحة الجماعة. وأنه كثيراً ما تقتضي العدالة عند تنفيذ العقد أن يتدخل القاضي بل والمشرع نفسه في حياة العقد، وخاصة إذا ما أدت الأزمات الاقتصادية إلى اختلال التوازن بين التزامات طرفي العقد مما يقتضي التدخل لتعديلها.

إلا أن هذه الانتقادات التي قوبل بها مبدأ سلطان الإرادة والعيوب التي تعتريه لم تكن لتقوضه من أساسه، وهو ما يتضح باستقراء التشريعات والقوانين المعاصرة التي أخذت به مع ملائمة ذلك لقواعد العدالة والصالح العام.[17]

القيود المفروضة على مبدأ سلطان الإرادة

أولا: القيود الواردة على حرية التعاقد

إذا كان الأصل هو حرية التعاقد، إلا انه في المجال الواقعي قد اتسعت دائرة النصوص الآمرة والتي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وهي التي حصرت هذه الحرية في حدود ضيقة،  إذ أن هذه النصوص تحمي النظام العام والآداب العامة، ومن ثم فهي تخرج عن الدائرة التي تنطلق فيها حرية الإرادة ،[18] فإذا تجاوز المتعاقدان هذه الحدود التي رسمها النظام العام والآداب يكونا قد عرضا عقدهما للبطلان.[19]

إذا،ً هنالك عوامل مختلفة تؤدي إلى قيام المشرع بفرض قيود على الإرادة التعاقدية، وإن هذه القيود، إما ستمنع الأفراد من الدخول بالعملية التعاقدية كمثال ذلك، عندما تمنع الدول استيراد سلع معينة، فتحرم بذلك أي تصرف قانوني عليها. أو أن تتدخل الدولة في تحديد مضمون العقد قبل إبرام العقد، كمثال ذلك عندما تحدد الحكومة أسعاراً رسمية لبعض السلع، بحيث تحد من حرية الثمن في عقود البيع، وهو يحدث أيضاً في حالة الاستيلاء، حينما تستولي الدولة على كمية من القمح أو الأرز مقابل سعر محدد سلفاً. بمعنى أن سياسة الدولة في توجيه الاقتصاد الوطني ستنعكس آثاره على العقود، فضلاً عن ذلك، سيتدخل المشرع في حالة الضرورة إلى مراعاة العدالة وتحقيق المساواة القانونية.[20]

وأمام كل هذه الأمور قد لا تقتصر هذه القيود على منع التعاقد أو تحديد مضمونه، بل قد تصل إلى حد تدخل القانون لإنشاء علاقات قانونية لم تكن لتنشأ إلا بتوافق إرادتي طرفيها، فحرية الفرد في ألا يتعاقد ليست بدورها مطلقة بل ترد عليها قيود.[21]

ومن التطبيقات التي توضح القيود التي يفرضها المشرع على المتعاقدين أثناء إبرام العقد، والتي لا يكون فيها المتعاقد حراً في اختيار العاقد الأخر، بل أنه يُلزم بالتعاقد مع شخص أخر أو جهة معينة من السلطة العامة، هي حكم الشفعة، والتي تخص تملك الشفيع العقار بالشفعة، حيث يجبر مالك العقار المشفوع على إبرام عقد البيع مع الشفيع بقوة القانون. وهكذا يقوم مقام المتعاقد الذي اختاره المالك متعاقد أخر مفروض من السلطة العامة.[22]

وفي بعض الأحيان يرى القضاء الفرنسي أن هناك التزاماً بالتعاقد على عاتق الفرد، إذا كانت السلع التي ينتجها أو يبيعها تعد من البضائع التي تعتبر من السلع الضرورية للفرد – كالخبز مثلاً – فقد صدر قرار عن محكمة النقض الفرنسية – الغرفة الجنائية – بصدد رفض خباز بيع منتجاته، وأعلنت المحكمة بأنه "ليس للخباز الذي يبيع مواد غذائية ضرورية التمسك بحرية التجارة، فهو على العكس من الباعة الآخرين الذين يستطيعون باسم حرية التجارة أو الصناعة أن يرفضوا بيع السلع التي يتاجرون بها، لا يستطيع أن يرفض التعاقد".[23]

وأيضاً، يعتبر البيع بناءاً على حجز الدائن من تطبيقات الإلزام القانوني، حيث تنتقل ملكية هذه الأموال إلى من ترسو عليه المزايدة العلنية بعد دفع الثمن، فالمدين المحجوز عليه يتمتع بصفة البائع لكونه يملك الأموال المحجوزة، كما أن البيع هو نقل جبري للملكية يحل فيه تدخل القضاء محل رضاء المدين. [24]

ثانيا: القيود الواردة على حرية تحديد آثار العقد

إن تدخل المشرع  في تحديد مضمون العقد – استثناءا لقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين- قد يكون مباشراً، عندما يصدر نصوصاً آمرة يحتم على المتعاقدين مراعاتها. وقد يكون غير مباشر، عندما يخول المشرع القاضي صلاحية التدخل في العقد بالتعديل، أو بإلغاء بعض الشروط والالتزامات أو إعادة التوازن الاقتصادي بين المتعاقدين.

ومن حالات التدخل المباشر ما أصدره المشرع في كثير من الدول، قوانين خاصة تعطي الحق للمستأجر بالبقاء في المأجور بعد انتهاء المدة المحددة لعقد الإيجار رغم إرادة المؤجر، ولم تجيز للأخير طلب التخلية إلا لأسباب محددة في القانون على سبيل الحصر، وهو ما يسمى بالامتداد القانوني لعقد الإيجار.[25]

أما التدخل غير المباشر، فيكون عندما يخول المشرع القاضي صلاحية تعديل أو إلغاء بعض الشروط التعسفية أو إعادة التوازن الاقتصادي بين طرفي العقد. [26]

فالقاضي يستطيع أن يغير ويحد من أثر الإرادة الفعلية للأفراد، فتارة يوسع من مضمون العقد، ليضيف إليه التزاماً لم يفكر فيه الطرفان، وتارة ينتقص مما اتفق عليه العاقدان، وعلى القضاء أن يوازن ما بين مبدأ سلطان  الإرادة، وما بين أن تكون هذه الإرادة حرة وغير خاضعة لعوامل النفوذ الاقتصادي والاستغلال الأحادي من قبل أحد الأطراف. أي إجبار أطراف العقد على الالتزام بموضوعية الإرادة التعاقدية. [27]

 
قائمة المصادر المراجع

أولاً: المصادر:

1.      المبادئ المتعلقة بالعقود التجارية الدولية لعام 2014.

2.      مجلة الأحكام العدلية العثمانية.

3.      القانون المدني المصري رقم (131) لسنة 1948م المعدل.

4.      القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951م المعدل.

5.      قانون المالكين والمستأجرين رقم (62) لسنة 1953.

6.      قانون رقم (51) لسنة 1958 معدل للأحكام المتعلقة بالأموال غير المنقولة.

7.      القانون المدني الأردني رقم (43) لسنة 1976م المعدل.

8.      قانون التنفيذ الفلسطيني رقم (23) لسنة 2005.

9.      القانون المدني الجزائري لسنة 2007.

 

ثانياً: المراجع:

·        الكتب القانونية

1.      دواس، أمين، المصادر الإرادية (العقد والإرادة المنفردة)، ج1، ط1، دار الشروق للنشر والتوزيع، رام الله، 2004.

2.      دواس، أمين ومحمود دودين، عقد البيع في مجلة الأحكام العدلية دراسة مقارنة، 2013.

3.      سلطان، أنور، مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني - دراسة مقارنة بالفقه الاسلامي، ط1، منشورات الجامعة الاردنية، عمان، 1987.

4.      سليمان، بسام وأكرم حسين، موضوعية الإرادة (دراسة تحليلية مقارنة في ضوء ادارة المخاطر والتشريعات القانونية )، العراق: جامعة الموصل.

5.      السنهوري، عبد الرزاق أحمد، الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة، 1952.

6.      العتيبي، جهاد، القواعد القضائية في شرح القانون المدني - آثار العقد الإرادة المنفردة، ج3، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2014.

7.      العتيبي، جهاد، القواعد القضائية في شرح القانون المدني العقد، ج2، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2014.

8.      الفضل، منذر، الوسيط في شرح القانون المدني، دار ئاراس للطباعة والنشر، العراق، 2006.

9.      منصور، أمجد، النظرية العامة للالتزامات مصادر الالتزام، ط7، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2015.

 

·        الرسائل والأطاريح الجامعية

1.      الطحان، عبد الرحمن، "العقد في ظل النظام الاشتراكي"، (رسالة ماجستير، بغداد: كلية القانون والسياسة،1981).

2.      عتيق، حنان، "مبدأ سلطان الإرادة في العقود الالكترونية" (أطروحة دكتوراه، المركز الجامعي العقيد أكلي محند أولحاج: الجزائر، 2012).

ثالثاً: المواقع الالكترونية:

1.      المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص UNIDROIT: ()18/10/2016).

2.      جامعة بابل العراقية، كلية القانون: (20/10/206).


[1]. بدأ ظهور هذا المذهب في القرن السابع عشر وازدهر في القرن الثامن عشر بعد نجاح الثورة الفرنسية (1789-1799)، حيث نادى أنصار هذا المذهب بتحرير الفرد من تعسف الحاكم واستبداده في زمن اتسم بإهدار الحقوق الشخصية، ويستند هذا المذهب على أن الفرد ولد حراً ويجب أن يمارس نشاطه بحرية مطلقة ولا يجوز لأي سلطة الحد من هذه الحرية إلا بما يتعارض مع حقوق الآخرين، وعليه جاء القانون الفرنسي (تقنين نابليون الصادر عام 1804) متأثرا إلى حد كبير بمبدأ سلطان الإرداة، فالمادة (1134) منه قد جاءت عنواناً لمبدأ سلطان الإرادة في إنشاء التصرفات القانونية، حيث نصت على أن: "الاتفاق إذا تم شرعاً فإنه  يقوم مقام القانون لمن تعاقد".

[2]. أمجد منصور، النظرية العامة للالتزامات - مصادر الالتزام، دار الثقافة، عمان، ط7، 2015، ص27.

[3]. ساهم في ظهور هذا المذهب الثورة الصناعية مطلع القرن التاسع عشر والمغالاة التي نادى بها أنصار المذهب الفردي، حيث اتسعت الهوة بين الأغنياء والفقراء، وينطلق هذا المذهب على أساس أن الجماعة هي الهدف من وجود القانون وليس الفرد فما الفرد إلا أحد عناصر الجماعة، وأن الصالح العام مقدم على المصالح الفردية، وهو ما يتطلب مزيداً من تدخل الدولة باعتبار أن حقوق الأفراد ليست حقوقاً طبيعية وإنما منحة من الجماعة.

[4]. وقد تطلب ذلك أن يتدخل المشرع للأخذ بيد الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية، وهذا ما يتضح على سبيل المثال من تشريع قانون العمل الفلسطيني الذي قيد صاحب العمل في علاقته بالعامل، وقانون المالكين والمستأجرين الذي تدخل لحماية المستأجر في علاقته بالمؤجر.

للمزيد أنظر: منذر الفضل، الوسيط في شرح القانون المدني، دار ئاراس للطباعة والنشر، العراق، 2006، ص44. أمجد منصور، مرجع سابق، ص47.

[5]. نصت المادة (1/1) من المبادئ المتعلقة بالعقود التجارية الدولية (اليندروا) على أنه: "يتمتع الأطراف بالحرية في إبرام العقد وفي تحديد مضمونه"، كما نصت اتفاقية روما لسنة 1980 بخصوص القانون الواجب التطبيق على الالتزامات التعاقدية – والتي تعتبر بمثابة القانون الدولي الخاص للعقود  بالنظر إلى الثقل القانوني الذي تمثله الثقافات القانونية التي ينتمي إليها الدول الأعضاء – والتي نصت في المادة (3/1) منها على أنه: "يسري على العقد القانون الذي اختاره الأطراف"، وأيضا في القانون النموذجي لسنة 1985 الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة بشأن التحكيم التجاري الدولي، نصت المادة  (28/1) على ما يلي: "تفصل هيئة التحكيم في النزاع وفقا للقانون المختار بواسطة الأطراف".

[6]. عتيق حنان، "مبدأ سلطان الإرادة في العقود الالكترونية" (أطروحة دكتوراه، المركز الجامعي العقيد أكلي محند أولحاج: الجزائر، 2012)، ص1.

[7]. تجدر الإشارة إلى أن القانون المدني الفرنسي كرس تعريف العقد في المادة (1101) منه، حيث جاء فيها أن: "العقد هو اتفاق يلتزم بموجبه شخص أو عدة أشخاص تجاه شخص آخر أو أكثر بإعطاء شيء أو بفعل شيء أو الامتناع عن فعل شيء"، كما عرف المشرع الأردني العقد في المادة (87) من القانون المدني الأردني على أنه: "ارتباط الايجاب الصادر من أحد المتعاقدين بقبول الآخر وتوافقهما على وجه يثبت أثره في المعقود عليه ويترتب عليه التزام كل منهما بما وجب عليه للآخر"، وأضاف في المادة (90) منه: "ينعقد العقد بمجرد ارتباط الايجاب بالقبول مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة للإنعقاد"، وعلى العكس من ذلك فإن القانون المدني المصري لم يعرف العقد.

[8]. عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة، 1952م، ص141.

[9]. جرى العمل على تقسيم العقود إلى عقود مسماة وغير مسماة، ويقصد بالعقود المسماة: تلك التي أفرد لها المشرع تنظيما خاصا وخصها بتسمية معينة نظرا لشيوع استعمالها بين الناس وتسهيلا على المتعاملين بها، ومنا ما يرد على الملكية، مثل البيع والهبة، ومنها ما يرد على المنفعة مثل عقدي الإيجار والعارية، وغيرها، وبذات السياق نشير إلى أن المشرع الأردني وبخلاف موقفه من تعريف العقد لم يورد أية تقسيمات للعقود في القانون المدني تاركا ذلك للفقه.

   أنظر: أمين دواس ومحمود دودين، عقد البيع في مجلة الأحكام العدلية دراسة مقارنة، 2013، ص19. أمين دواس، المصادر الإرادية (العقد والإرادة المنفردة)، دار الشروق، رام الله، ج1، ط1، 2004، ص 23. أنور سلطان، مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني دراسة مقارنة بالفقه الاسلامي، منشورات الجامعة، عمان، ط1،1987، ص 18.

[10]. أنور سلطان، مرجع سابق، ص12.

[11]. على سبيل المثال، هذا ما تبناه القانون الدولي الخاص النمساوي لعام 1979 الذي ینص على أنه: "یسري على الالتزامات التعاقدیة القانون الذي یحدده الأطراف صراحة أو ضمنا"، وكذلك الأمر الذي أخذ به القانون الألماني في أحكامه المتعلقة بالقانون الدولي الخاص لسنة 1986 والذي ینص على أنه: "یخضع العقد للقانون الذي یختاره الأفراد"، والقانون الدولي السویسري لعام 1987 الذي أورد في المادة (116) ذات صيغة القانون الألماني.

   للمزيد أنظر: عتيق حنان، مرجع سابق، ص 98.

[12]. بسام سليمان وأكرم حسين، موضوعية الإرادة (دراسة تحليلية مقارنة في ضوء ادارة المخاطر والتشريعات القانونية)، العراق:جامعة الموصل، ص95. حلمي بهجت بدوي، أصول الالتزامات الكتاب الأول، في نظرية العقد، مطبعة نوري، القاهرة، 1943م، ص66.

[13]. قضت محكمة النقض المصرية في الطعن (رقم 4291 لسنة 62 ق جلسة 29/5/1996 س47ج1ص748) أن:" المقرر في قضاء محكمة النقض أن الأصل في الإرادة هو المشروعية فلا يلحقها بطلان إلا إذا كان الالتزام الناشئ عنها مخالفا للنظام العام أو الآداب أو محلا أو سببا أو كان على خلاف نص آمر أو ناه في القانون".

للمزيد أنظر: جهاد العتيبي، القواعد القضائية في شرح القانون المدني- العقد، دار الثقافة، عمان، ج2، ط1، 2014، ص31.

كما قضت محكمة التمييز الأردنية في الحكم الصادر عنها (تمييز حقوق رقم 3682/2012 تاريخ 30/1/2012) بأنه: "يعتبر العقد شريعة المتعاقدين ودستورهما الواجب التطبيق، وأن أحكام العقود تنفذ بحق عاقديها وتكون ملزمة لكل منهما بما وجب عليه للآخر وفقا للمادة 87 من القانون المدني الأردني ما لم تكن ممنوعة بقانون أو نظام أو مخلة بالآداب والنظام العام".

للمزيد أنظر: جهاد العتيبي، القواعد القضائية في شرح القانون المدني العقد، دار الثقافة، عمان، ج2، ط1، 2014، ص17.

[14]. أمجد منصور، مرجع سابق، 46.

[15]. نصت المادة (1/3) من المبادئ المتعلقة بالعقود التجارية الدولية على أن: "العقد الذي أبرم صحيحاً يلزم أطرافه، ولا يجوز تعديل العقد أو إنهاؤه إلا وفقاً لما ورد فيه من أحكام أو بالاتفاق أو بأي طريق آخر ورد بيانه في هذه المبادئ".

[16]. جاء في الحكم الصادر عن محكمة التمييز الاردنية (تمييز حقوق رقم 1528/1999 تاريخ 1/8/1999) أنه: "من المقرر فقها وقضاء أن العقد شريعة المتعاقدين، وأن كلا من فريقي العقد ملزم بما ألزم به نفسه في العقد الذي يعبر عن إرادة فريقيه، فيما لا يخالف القانون أو النظام والآداب العامة، وبما أن البند الحادي عشر من عقد العمل قد نص صراحة على التزام المميزة بأن تدفع للميز ضده في حال إنهاء العقد بإرادتها المنفردة (باقي الرواتب المتبقية من مدة العقد) وزيادة في توضيح هذا البند وتوكيده جاء في آخر عبارة (كما هو مذكور أعلاه في البند الثامن) الذي تضمن ما يلي: (يلتزم الموظف بالعمل لدى الشركة لمدة لا تقل عن سنتين من تاريخ هذا العقد، وفي حال إقدام الموظف على ترك العمل قبل انتهاء مدة الالتزام فإنه يلتزم بدفع عشرة الآف دينار أردني للشركة). كما جاء في حكم آخر لها (تمييز حقوق رقم 1400/2006 تاريخ 30/11/2006) أنه: "يعود تفسير العقود ووصفها الوصف القانوني للمحكمة وليس إلى إرادة الأشخاص، شريطة أن يكون هذا الوصف يتفق مع إرادة المتعاقدين الحقيقية بمقتضى المادة 239/2 من القانون المدني، وأن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للإلفاظ والمباني بمقتضى المادة 213 من القانون المدني وإعمال الكلام أولى من إهماله بمقتضى المادة 216 من ذات القانون".

     للمزيد أنظر: جهاد العتيبي، القواعد القضائية في شرح القانون المدني- آثار العقد الإرادة المنفردة، دار الثقافة، عمان، ج3، ط1، 2014، ص 27 و 365.

[18].  يصعب تحديد فكرة النظام والآداب العامة، ولذا يكتفي المشرع عادة بالنص عليها تاركا أمر تحديدها للفقه والقضاء.

    أنظر: أمجد منصور، مرجع سابق، 137.

[19]. نصت المادة (163) من القانون المدني الأردني رقم لسنة 1976 على أنه:"1. يشترط ان يكون المحل قابلا لحكم العقد 2. فإن منع الشارع التعامل في شيء او كان مخالفا للنظام العام او للاداب كان العقد باطلا 3. ويعتبر من النظام العام بوجه خاص الاحكام المتعلقة بالاحوال الشخصية كالاهلية والميراث والاحكام المتعلقة بالانتقال والاجراءات اللازمة للتصرف في الوقف وفي العقار والتصرف في مال المحجور ومال الوقف ومال الدولة وقوانين التسعير الجبري وسائر القوانين التي تصدر لحاجة المستهلكين في الظروف الاستثنائية". كما نصت المادة (130) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 على أنه "يلزم أن يكون محل الالتزام غير ممنوع قانوناً ولا مخالفاً للنظام العام والآداب، وإلا كان العقد باطلاً". وقد نص المشرعان المصري والفرنسي على نفس الحكم، المادة (135) من القانون المدني المصري رقم (131) لسنة 1948 والمادة (1133) من القانون المدني الفرنسي. وعلى سبيل المثال، وفيما يتعلق بالعقارات، قضت محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية رقم 1956/90 بتاريخ 1/1/1956  أن:"البيع الخارجي لا ينقل الملكية ولا يجوز اتخاذه حجة تجاه الغير ما لم يقترن هذا البيع بالتسجيل الرسمي".

   للمزيد أنظر: أمين دواس ومحمود دودين، مرجع سابق، ص15.

[20]. بسام سليمان وأكرم حسين، مرجع سابق، ص 15. عن شمس الدين الوكيل، دروس في الالتزامات، منشأة المعارف، الإسكندرية، بدون سنة طبع، ص32.

[21]. مرجع سابق، ص 15. عن محمد وحيد الدين سوار، الاتجاهات العامة في القانون المدني، المكتبة القانونية، عمان، 2001م، ص16.

[22]. أنظر أحكام الشفعة الواردة في مجلة الأحكام العدلية العثمانية، وما ورد عليها من تعديل في قانون رقم (51) لسنة 1958 معدل للأحكام المتعلقة بالأموال غير المنقولة.

[23].Crime. 12 Mai. 1854. D.1854. 1. 208

بسام سليمان وأكرم حسين، مرجع سابق، ص 20. نقلاً عن: عبد الرحمن الطحان، "العقد في ظل النظام الاشتراكي"، (رسالة ماجستير، بغداد: كلية القانون والسياسة،1981)، ص60.

[24]. نصت المادة (130) من قانون التنفيذ الفلسطيني رقم (23) لسنة (2005) على أنه: "1- في اليوم التالي لصدور القرار بالإحالة القطعية يبلغ المدين بورقة إخبار بما وصلت إليه المزايدات الأخيرة وبقرار الإحالة القطعية، ويخطر بأنه يترتب عليه أن يدفع أو أن يحضر إلى دائرة التسجيل لتقرير البيع والفراغ في حضور المأمور المختص وذلك خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ الإخبار، فإذا انقضت هذه المهلة ولم يسدد المدين دينه ولم يقم برضاه بمعاملة تقرير البيع أو الفراغ للمشتري يكتب لدائرة التسجيل بلزوم إجراء معاملة البيع أو الفراغ للمشتري. 2- إذا دفع المدين دينه بالإضافة إلى مصروفات التنفيذ قبل إتمام معاملة التسجيل يلغى الأمر الصادر بالتسجيل ويعتبر كأن لم يكن. 3- بعد تمام معاملة التسجيل على الوجه المذكور لا يبطل حكم البيع أو الفراغ فيما لو رغب المدين في أداء دينه".

[25]. وضعت المادة (4) من قانون المالكين والمستأجرين النافذ رقم (62) لسنة 1953 أسباب إخلاء المأجور على سبيل الحصر، حيث جاء فيها: "1- لا يجوز لأية محكمة أو مأمور إجراء أن يصدر حكماً أو أمراً بإخراج مستأجر من أي عقار بقطع النظر عن انتهاء أجل عقد إيجاره إلا في الأحوال التالية: أ- إذا كان المستأجر قد تخلف عن دفع أي بدل إيجار مستحق الأداء قانوناً أو لم يراع أي شرط من شروط عقد الإيجار ولم يدفع ذلك البدل أو يراع تلك الشروط في خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تبليغه طلباً بذلك من المالك بواسطة الكاتب العدل. ب- إذا كان المستأجر قد أضر عمداً بالعقار أو سمح عمداً بإلحاق الضرر به. ج- إذا كان المستأجر قد استعمل العقار أو سمح باستعماله لغاية غير شرعية د- إذا أجر المستأجر بدون موافقة المالك الخطية العقار أو قسماً منه أو إذا أخلاه لشخص آخر غير المالك أو سمح بشغله من قبل شريك أو شركة أو إذا كان قد تركه بدون شغل لمدة تزيد على ستة أشهر. هـ- إذا كان المالك لا يشغل عقاراً في المنطقة المبحوث عنها ورغب في شغل العقار بنفسه واقتنعت المحكمة أو اقتنع القاضي أو قاضي الصلح أو مأمور الإجراء بأن ثمة محلاً آخر ميسوراً للمستأجر يصلح استعماله إلى الحد المعقول للغاية التي كان ذلك العقار مستعملاً من أجلها ويمكن الحصول عليه تقريباً بعين الشروط التي كانت للعقار المذكور".        

[26]. بسام سليمان وأكرم حسين، مرجع سابق، ص 20. نقلا عن عبد الرحمن الطحان، مرجع سابق، ص71.

[27]. من ذلك ما نص عليه القانون المدني الجزائري لسنة 2007 من تخويل القاضي سلطة إعادة النظر في التزامات المتعاقدين إذا وقعت أثناء تنفيذ العقد ظروف طارئة غير متوقعة من شأنها جعل التزامات أحدهما مرهقة وهي نظرية الظروف الطارئة مادة (107/3) ومن ذلك أيضاً إعطاء سلطة القاضي تعديل الشروط التعسفية في عقود الإذعان مادة (110) قانون المدني. ومن التطبيقات على ما سبق، أعطى المشرع للقاضي صلاحية تعديل الشروط التعسفية التي تتضمنها عقود الإذعان، بل وحتى إعفاء الطرف المذعن منها. وبذات السياق ما عبرت عنه المادة (167) فقرة (2) من القانون المدني العراقي التي نصت على أنه "إذا تم العقد بطريق الإذعان، وكان قد تضمن شروطاً تعسفية، جاز للمحكمة أن تعدل هذه الشروط أو تعفي الطرف المذعن منها، وذلك وفقاً لما تقضي به العدالة، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك".