قرر مجلس الوزراء الفلسطيني في جلسته التي عقدها يوم الثلاثاء الموافق 31-1-2017 إجراء الإنتخابات البلديّة في كافة أرجاء الوطن في 13 مايو من هذا العام ، لكن حماس رفضت القرار ، واتّهمت فتح بإتّخاذه من طرف واحد ، وقالت إنه يعمّق الإنقسام ويدعم إستمراره .
إنه لأمر غريب حقا لأن حماس كانت متحمّسة للمشاركة في الإنتخابات البلديّة التي تمّ الإتفاق بين الفصائل على إجرائها في الثامن من شهر أكتوبر عام 2016 ، والتي كان من المقرّر أن تتبعها إنتخابات تشريعيّة ورئاسيّة توحّد القرار السياسي الفلسطيني وتنهي الإنقسام ، ولكن للأسف إستمرّت الخلافات بينها وبين فتح على الإجراءات الضرورية للتنفيذ وأدّت إلى إعلان السلطة عن تأجليلها لمدة أربعة أشهر ، فتبادل الطرفان الإتهامات بتعطيلها ، وحمّل كل منهما الآخر مسؤولية فشلها واستمرار الإنقسام .
تمسّك حماس بالإنقسام ورفضها إجراء الإنتخابات البلديّة في مايو القادم من هذا العام دليل على تخبّطها ، وعلى فشل قيادتها في قراءة الوضع الفلسطيني والدولي قراءة واقعيّة صحيحة . يبدو أنها وافقت على إجراء الإنتخابات العام الماضي لأنها كانت تعتقد بأنها ستحقّق فوزا مؤكّدا في غزة وربما في الضفة الغربية أيضا يعزّز وجودها في الساحة السياسية ، وقد يوصلها إلى حكم فلسطين وهو ما تطمح إليه كحزب سياسي بغض النظر عن الشعارات التي تطلقها للإستهلاك المحلي .
حماس كانت تصرّ أيضا على إجراء الإنتخابات قبل إنهاء الإنقسام ، والآن تطالب ... بإنهاء الإنقسام قبل إجرائها ..! إنّها تعلم بأن الإنقسام إستمرّ طيلة هذه السنين بسبب عدم إجرائها ، وإنّه لا يمكن إنهائه إلا بناء على ما تسفر عنه نتائجها . أي إن القيادات التي سيختارها الشعب الفلسطيني عن طريق صناديق الإقتراع هي التي ستنهي الإنقسام وتعيد الوحدة إلى شطري الوطن الممزّق .
حماس فشلت فشلا ذريعا في إدارة غزة ، وتواجه عزلة عربيّة ومقاطعة دولية خانقة . إنها تشعر أنها فقدت الكثير من شعبيّتها ، وتشكّ في قدرتها على الفوز في الإنتخابات حتّى في غزة ، ولهذا فإنّها ترفضها لإعتقادها أن موقفها ضعيف ، وإن فشلها فيها سيكون ضربة قويّة لنفوذها السياسي يقلّل من فرصها في الفوز في الإتتخابات الرئاسية والتشريعية ويفقدها الكثير من نفوذها السياسي على الساحة الفلسطينية .
لهذا يمكن القول إن هدف حماس الآن هو التوصل إلى ترتيبات مع فتح والفصائل الأخرى لتقاسم السلطة في غزة والضفة ، والمشاركة في المجلس الوطني الفلسطيني بحصّة ترضيها وتمكّنها من لعب دور مهم في قيادة منظمة التحرير قبل إجراء الإنتخابات وإنهاء الإنقسام . أي إنها تبحث عن ضمان استمرارها في الحكم إذا لم تحقّق نجاحا مهما في الإنتخابات .
ولنكون منصفين لا بد من القول أيضا أن هناك شخصيّات في فتح لا تريد أن ترى نهاية قريبة للإنقسام لسببين . الأول هو خوف هذه الشخصيات القياديّة الفتحاويّة من فقدان مناصبهم في حالة إجراء إنتخابات تشريعيّة ورئاسيّة . والسبب الثاني هو عدم ثقة بعض قياديي الحركة بتحقيق إنتصار فتحاوي فيها مما قد يؤدي إلى تغيير مهم في التركيبة السياسية الفلسطينية ينتج عنه تقليم أجنحة الفصيلين المتصارعين فتح وحماس ، ويمكّن عناصر من المستقلين والأحزاب الأخرى من إكتساح الإنتخابات والسيطرة على المراكز القيادية في السلطة الوطنية الفلسطينية !
ان مصدر التعقيد في الحوارات الحمساوية الفتحاوية منذ عشر سنوات ينبع من أن المنظمتين لا تتعاملان مع مسالة إنهاء الإنقسام من واقع دورهما الهام في توجيه السياسة الفلسطينية ، أو كحركتي تحرّر وطني . للأسف إنهما يتعاملان معه من خلال فلسفتيهما السياسيتين المختلفتين ، وحيزيهما الجغرافيين ، ومصالحهما الشخصيّة والتنظيميّة الضيّقة التي تتناقض مع متطلبات هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني وقضيّته .
فلسطين بحاجة إلى قيادات سياسية تتنافس في خدمتها ، وتختلف من أجلها ، وتعمل على تحريرها . الأحزاب السياسية التي نحتاج إليها وندعمها هي تلك التي تؤمن بالتعدديّة السياسيّة وحرّية الرأي والمعتقد ، وتقبل التبادل السلمي الدستوري للسلطة ، وتحترم إرادة الشعب . الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة ودول المهجر يرفض الإنقسام البغيض ، ويزدري من يحمونه ، ويؤمن أن كل من يبرّر استمراره لا يحرص على مستقبله ، ويخدم مخطّطات إسرائيل !
حماس ورفض المشاركة في الإنتخابات البلديّة الفلسطينيّة بقلم:د. كاظم ناصر
تاريخ النشر : 2017-02-05
