هل سيجرؤ الرئيس الامريكي الجديد ترامب
على نقل السفارة الامريكية الى القدس ويتحمل تداعياتها ؟؟
بقلم : أكرم عبيد
قد يغامر الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب المحتلة الى غرب القدس بعدما اطلق بعض الرؤساء الأمريكيين من قبله هذا الوعد لكنهم لم يجرؤوا على تنفيذه لأسباب كثيرة قد تنعكس تداعياتها على مصالح الشعب الامريكي وادارته في العالمين العربي والاسلامي .
بالرغم ان هذا القرار يتعارض بشكل صارخ مع قرار مجلس الامن الدولي رقم 478 الصادر بتاريخ 20 / 8 / 1980 وهذا ما يشكل نوعاً من الحرج للديبلوماسية الأمريكية خصوصاً أن كافة دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان واللجنة الرباعية لا تميل لقرار النقل دون تسوية الموضوع الفلسطيني.
ومع ذلك تعمد الرئيس الامريكي الجديد ترامب اطلاق العنان لمغامرته بعدما قال " ان يمينه لن تنساه ولن يلتصق لسانه في حلقه اذا لم يحقق نقل سفارة بلاده الى القدس "
ولكن الى اين سيتم نقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة عام 1948؟ ام الى القدس الشرقية المحتلة عام 1967 ليوحدها ويعترف بها عاصمة للدولة اليهودية الموعودة ؟؟
مع العلم ان الكنغرس الامريكي اصدر قانونا بتاريخ 23 / 10 / 1995 عُرف باسم "قانون سفارة القدس والذي نصّ وبأغلبية كبيرة (93 مقابل 5 في الشيوخ، 374 مقابل 37 في النواب) على الشروع بتمويل عملية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس على أن يتم ذلك في حدّ أقصى هو 1999/5/31، والتأكيد على بقاء القدس مدينة موحدة كعاصمة مزعومة لـ "إسرائيل " مع الإشارة أن الأمر متروك للرئيس لتقدير الموقف ما إذا كان ذلك يضر المصالح العليا للولايات المتحدة أم لا إذ إن الأمر يقع ضمن صلاحيات الرئيس كأعلى سلطة تنفيذية.
لكن هذا القانون لم ينتقل إلى حيّز التنفيذ لسببين، هما أن المستشار القانوني لوزارة العدل الأمريكية رأى أن هذا القانون غير دستوري وينتهك صلاحيات الرئيس في مجال السياسة الخارجية من ناحية وأن الرؤساء الأمريكيين منذ تلك الفترة وحتى الآن رفضوا التخلي عن مسؤوليتهم الدستورية في هذا الجانب لهذا السبب امتنع كل من الرئيسين بيل كلينتون وجورج بوش عن تنفيذه وعمل باراك أوباما على تناسيه على الرغم من أن الأول والثاني وعدا بذلك خلال الحملات الانتخابية .
وقد حذر العديد من الخبراء والديبلوماسيين الأمريكيين من أن نقل السفارة سيقود لردات فعل عربية وإسلامية مقاومة نظراً للقيمة الدينية للقدس ناهيك عن أن البعض يرى أن القرار سيعزز “أدبيات” التيارات السياسية العربية والإسلامية المشككة في النوايا الأمريكية وجديتها في مساعي التسوية السلمية.
مع العلم ان هذا الموقف سينعكس بشكل سلبي على المصالح الامريكية في المنطقة وخاصة على صعيد التسوية السياسية للصراع العربي الصهيوني مما سيعزز رؤية التيارات المقاومة المناهضة للاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل خاص والاراضي العربية المحتلة بشكل عام .
ولعل تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التي اكد خلالها قبل ايام أن نقل السفارة سيقود إلى انفجار قد يتجاوز حدود على المنطقة للإقليم بشكل عام وبالرغم من ذلك هناك بعض العوامل التي تؤكد دعم احتمالات نقل السفارة وأهمها:
اولا : أن الفريق السياسي الذي اختاره ترامب لإدارته يتبنى في معظمه قرار نقل السفارة وفي مقدمتهم وزير الخارجية ريكس تيليرسون الذي يعتبر الكيان الصهيوني الحليف الأكثر أهمية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط على الرغم من ارتباطه بالأنظمة العربية والاسلامية النفطية.
أما السفير المقترح للإدارة الجديدة في الكيان الصهيوني ديفيد فريدمان فهو الأكثر انحيازاً لـهذا الكيان المصطنع وهو من أكثر الشخصيات الأمريكية المساندة لنقل السفارة بل وله علاقاته بالمستوطنين والمستوطنات .
وهو من الداعين لضم الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة لـلكيان الصهيوني ناهيك عن عدم اقتناعه بحل الدولتين المزعوم وقد قال في أحد تصريحاته بعد ترشيحه للسفارة إن ترامب سينفذ قرار نقل السفارة وإنه يأمل أن يقوم بمهمته من سفارة الولايات المتحدة في عاصمة " إسرائيل الأبدية " المزعومة .
ثانيا : أن ظروف معظم الانظمة العربية بشكل خاص والإسلامية لا تملك القدرة على التأثير على القرار الامريكي خارج نطاق الاحتجاجات اللفظية أو اللجوء للمنظمات الدولية للحصول على قرارات جديدة خصوصاً أن أغلب هذه الدول متورطة في مشكلات دولية أو داخلية تضعف من تدخلها الجدي لمصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة وبالذات في ظلّ ظروف الاضطرابات الداخلية أو الاختناق الاقتصادي المتزايد بعد انهيار أسعار النفط الذي يشكل العمود الفقري لاقتصاديات الكثير من الدول العربية أو الإسلامية الأهم.
ثالثاً: هناك عدة خيارات محتملة لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس
من اهمها :
السيناريو الصهيوني : وهو أن يقوم ترامب بتنفيذ وعده باعتبار نقل السفارة أولوية قصوى كما ردد بعض مستشاريه لكن هذا السيناريو قد يأخذ مسارين: أحدهما تنفيذ الوعد خلال فترة قصيرة بعد توليه المسؤولية والآخر أن يؤكد على قرار النقل تاركاً موضوع الموعد "إلى حين الوقت المناسب" وقد قال جاسون ميللر الناطق بلسان الرئيس المنتخب في منتصف كانون الأول/ 2016 إن تحديد موعد تنفيذ النقل هو “أمر سابق لأوانه”.
وكلنا يعلم ان سلطات الاحتلال الصهيونية طالبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بنقل السفارة الأمريكية من تل ابيب إلى القدس ليمثل ذلك اعترافا بضم سلطات الاحتلال الصهيوني غير المقبول دوليا للقدس الشرقية إلى الكيان الصهيوني المحتل.
الخيار الثاني: إبقاء الوضع على حاله بعدما تعهدت بعض الإدارات الأمريكية بضمان توصل المفاوضات الفلسطينية الصهيونية إلى اتفاق بشأن مستقبل المدينة الذي وافقت علية سلطة الحكم الاداري الذاتي الفلسطيني على قاعدة تسريع المفاوضات للتوصل إلى حل.
الخيار الثالث: نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الغربية المحتلة وإبقاء القنصلية في القدس الشرقية المحتلة
ويطرح مراقبون إمكانية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الغربية مع الإبقاء على القنصلية الأمريكية العامة في القدس الشرقية.
ومنذ العام 1948 تتولى السفارة الأمريكية في تل ابيب مسؤولية العلاقة مع الكيان الصهيوني فيما تقوم القنصلية الأمريكية العامة في القدس بمسؤولية العلاقة مع الفلسطينيين.
ولا توجد صلة إدارية بين القنصلية والسفارة حيث يرتبط كلامهما بشكل منفصل مع وزارة الخارجية الأمريكية.
ولم يتوضح موقف سلطات الاحتلال الصهيوني من هذا الخيار وإن كان المسؤولون الصهاينة يعتبرون نقل السفارة إلى القدس اعترافاً بأن "القدس الموحدة عاصمة ابدية " لكيانهم المصطنع في فلسطين المحتلة كما يزعمون ويدعون .
الخيار الرابع: اعتبار القدس الغربية عاصمة للكيان الصهيوني والقدس والشرقية عاصمة فلسطين
وبموجب هذا الخيار تنقل الولايات المتحدة الأمريكية السفارة إلى القدس الغربية باعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني المحتل وتحوّل القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية المحتلة إلى سفارة باعتبار المدينة عاصمة الدولة الفلسطينية الموعودة .
وهذا الخيار يعتبر المفضل لرئيس سلطة الحكم الذاتي المنتهية ولايته مع العلم لم يسبق أن طرحه أي مسؤول أمريكي على الفلسطينيين وقد ترفضه سلطات الاحتلال الصهيوني بشدة.
الخيار الخامس: إبقاء السفارة في تل ابيب ولكن السفير يعمل من القدس
وقد نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية عن السفير الامريكي ديفيد فريدمان في الكيان الصهيوني قوله إنه راغب بالإقامة في القدس حتى لو لم يتم نقل السفارة إلى المدينة.
واكدت الصحيفة أن فريدمان وهو صهيوني عنصري يميني متشدد يمتلك شقة في القدس الغربية ويريد الإقامة فيها وليس في مقر إقامة السفير الأمريكي في مدينة هرتسليا كما دأب عليه سلفه من السفراء.
وقد نقلت بعض وسائل الإعلام الصهيونية في الأشهر الأخيرة عن فريدمان إنه يرغب بالعمل من القدس وليس تل ابيب ولن يكون بإمكان الفلسطينيين منعه من ذلك ولكن الأرجح إنهم سيواصلون الاحتجاج على نشاطاته.
كما لم يتضح بعد كيف سيؤثر ذلك على عمل القنصلية الأمريكية العامة والقنصل الأمريكي العام في القدس المحتلة.
الخيار السادس: إعلان الشروع في بناء السفارة
لقد اعرب دبلوماسي غربي يعمل في مدينة القدس المحتلة عن اعتقاده في حديث خاص لوكالة الأناضول أن الرئيس الأمريكي ترامب قد يصل إلى حل وسط.
ويتمثل هذا الحل بالإعلان عن إجراءات لبناء السفارة و قد يستغرق عدة سنوات يتم خلالها التوصل إلى "حل نهائي بين الفلسطينيين والصهاينة المحتلين .
وأضاف: ليس لدي معلومات من الأمريكيين ولكن قد يكون هذا خيارا مطروحا من أجل امتصاص غضب الفلسطينيين وإرضاء " الإسرائيليين".
وقد اشار رئيس البلدية الصهيونية في القدس المحتلة نير بركات لإذاعة جيش الاحتلال قبل ايام إنه بحث مع مسؤولين أمريكيين مسألة نقل السفارة وأن لديهم أراض في المدينة يمكن بناء السفارة عليها.
وكان الرئيس الأمريكي ترامب قد وعد خلال حملته الانتخابية بنقل السفارة الأمريكية من تل ابيب إلى القدس المحتلة ولكنه خلافا لسلفه من الرؤساء يبدي جدية في نقلها.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر لوسائل إعلام أمريكية إن الإدارة الأمريكية في المراحل الأولية من مناقشة نقل السفارة ورحب القادة الصهاينة بهذا الإعلان فيما انتقده الفلسطينيون .
[email protected]
هل سيجرؤ الرئيس الامريكي الجديد ترامب على نقل السفارة بقلم : أكرم عبيد
تاريخ النشر : 2017-02-04