قصة الشهيدين لؤي وعايد بقلم: نصير أحمد الريماوي
تاريخ النشر : 2017-02-02
قصة الشهيدين لؤي وعايد  بقلم: نصير أحمد الريماوي


تركوا الشهيدين في العراء وتحت المطر
الشهيد" لؤي" أصيب بما يزيد عن (27) رصاصة ووضعوا حبة حلو، وأكامول على صدره
وتناثر دماغ الشهيد "عايد" على الأشجار الشوكية والصخور،وكان يجهز نفسه للزواج


الكاتب: نصير أحمد الريماوي


كان يوما ماطرا وباردا،وبدأ المواطنون في بلدة بني زيد الغربية يلتفون حول موائد الإفطار في منازلهم بانتظار موعد أذان المغرب في شهر رمضان المبارك،وقلّت حركة المواطنين من الشوارع عند الساعة(4,30) مساء يوم الجمعة 7/12/2001 في اللحظات التي كانت فيها تلاوة آيات من القرآن الكريم تسمع من مكبرات الصوت في المساجد ويترقب المواطنون مقرئ القرآن من الانتهاء بعد يوم من الجوع والعطش والجهاد في سبيل نيل مرضاة الله سبحانه وتعالى، وقبل الأذان بدقائق اغتالت قوات الاحتلال وفرقه الخاصة بطريقة بشعة ووحشية الشابين :عايد عبود عليان غيث البالغ من العمر 26عاما، ولؤي سليم سليمان مسحل 24 عاما من بلدة "دير غسانة" بعد أن نصبوا الكمائن، والمصائد لهما بمحاذاة الشارع الشمالي الذي يربط بلدة بني زيد بقرية كفر الديك،والذي تم شقه قبل اكثر من سنتين.
ترك جنود الاحتلال جثتيهما في العراء عمدا، وتحت المطر في مكان استشهادهما في منطقة "جبل العين" والتي تبعد عن بلدة دير غسانة قرابة (200) متر وهي جزء من أراضي البلدة الخاضعة للسيطرة الفلسطينية، وعثر المواطنون على جثتيهما بعد عملية بحث ليلية بين الصخور، والأشجار الحرجية بعد انسحاب قوات الاحتلال من المنطقة.. وكانت آثار الجريمة مؤلمة. فكان الشهيد"عائد" مصابا بعدة رصاصات نارية في رأسه وتهتك جمجمته وتناثر دماغه على أشجار"النتش"و"القنديل" الشوكية،وكذلك على الصخور في مكان استشهاده، بالإضافة إلى ثلاث رصاصات في القلب والعنق وتحت إبطه الأيمن وإصابة أخرى كانت مخترقة جبينه من الناحية اليمنى وخارجة من الناحية اليسرى،بينما كان الشهيد "لؤي" مصابا بما يزيد عن (27) رصاصة في ساقه اليمنى والصدر، وكان منكفئا على وجهه، ونصف جسمه السفلي على ظهر سلسلة قليلة العلو،ومهدمة وتحت شجرة زيتون، والنصف العلوي من جسده كان تحت السلسلة ،وكانت الجثتين قريبتين من بعضهما البعض والمسافة بينهما خمسة أمتار فقط.
وبعد سماع المواطنين الخبر تركوا إفطارهم وهبّوا للمشاركة في البحث، وخيم الحزن على جميع أهالي البلدة.
مكان الاستشهاد يقع بمحاذاة الشارع العام من ناحيته الشرقية، وهذا الشارع غير المسفلت بدأ يسلكه مئات المواطنين من قرى محافظة سلفيت بعد إغلاق الطرق والشوارع أثناء الحصار العسكري الإسرائيلي منذ بداية انتفاضة الأقصى ودبت فيه الحركة لكونه منفذا يؤدي إلى مدينة رام الله.
ويبدأ الشارع من الجهة الشمالية لـ"دير غسانة"- توأم بلدة بيت ريما والتي تشكل معا "بلدة بني زيد" منذ عام 1966 - وينزل باتجاه كفر الديك بشكل متعرج ومنحدر في بدايته وتترامى على جوانبه جبال عالية وبعض القمم أشبه ما تكون بالتلال، و مليئة بالصخور الوعرة وأشجار حرجية بالإضافة إلى أشجار الزيتون التي تحيط بالشارع على الجانبين. ويركب الشارع جبل عال يدعى "القلاع" من الناحية الغربية له قمة صخرية في غاية الوعورة ومسيطرة على الشارع، ويقع مقابل مكان الاستشهاد في "جبل العين" الذي ينخفض عن الشارع من الناحية الشرقية ب(30) مترا، مما جعل هذه المنطقة محط أنظار جنود الاحتلال ونصب الكمائن فيها للمارة.




تفاصيل الجريمة


أحد المزارعين من قرية كفر الديك وهو دائما يتوجه صباح كل يوم إلى أرضه الواقعة قرب "عين الفوارة" في الوادي الفاصل بين بلدة "بني زيد" وقرية "كفر الديك" وذلك لقطف ثمار ليمونه في هذه الفترة لتسويقها، وأفاد بأنه شاهد في صبيحة هذا اليوم أثناء توجهه إلى هناك مجموعتين من قوات الاحتلال، وكان أفراد واحدة منهما يرتدون الزي المدني مع أقنعة سوداء على وجوههم ونزلت هذه الفرقة من ناحية قرية "بروقين" الواقعة قبالة "دير غسانه" من الشمال، وصعدت "جبل العين" باتجاه مكان الاستشهاد.
وكانت فرقة بزيها العسكري تنصب الكمائن بين الصخور على قمة جبل" القلاع" المسيطرة على الشارع من الناحية الغربية، ومجموعة مشاة ثالثة كانت في الجانب الشرقي من الشارع،وفي عصر نفس اليوم اعترضت هذه المجموعة سائق سيارة كان متوجها باتجاه "كفر الديك" لشراء بعض المنتجات الزراعية منها قبل وقوع الجريمة بساعة تقريبا وفتشت السيارة،ودققت في بطاقة هوية سائقها، وأرهقه الجنود بأسئلتهم لدرجة أنه آثر العودة من وسط الطريق.
الطفل" عبد الله فارس" من نفس سكان "دير غسانه" هو أول من شاهد الأجسام المشبوهة التي كانت مزروعة بمحاذاة الشارع من الناحية الشرقية قرب مكان الاستشهاد وقال:كنت سارحا إلى جبل العين قبل موعد الإفطار لإعادة حمارتنا إلى المنزل والتي كانت مربوطة وترعى العشب الأخضر في الأرض "الحبلة" التي كان فيها أحد الجسمين المشبوهين،وأثناء ذهابي إلى هناك صادفني طفلان من نفس البلدة وقالا لي: بأنه يوجد جيش إسرائيلي على قمة"جبل القلاع"،ونظرت باتجاه القمة فلم أرَ أحدا،ولكن شاهدت الجيش على "عين الفوارة" في الواد ثم عاد الجيش من ناحية كفر الديك وفكرت بأنهم "روحوا"،وبعدها عدت إلى حمارتنا وأثناء سيري نحوها رأيت جسما مشبوها، وهو عبارة عن علبة زيت ذرة من سعة 3 لتر، وكان سلك في أسفلها مربوطا،وعليه لاصق مكتوب عليه بالعبرية، و كان السلك ممدودا باتجاه مكان الاستشهاد.. خفت وتركت الحمارة مكانها وناديت على الأطفال بألا يقتربوا من المكان، وقلت لهم لازم تبليغ الشرطة. فقالوا لي: لازم نشوف آخر السلك إلى أين يمتد ..وبدأنا نسير مع السلك حتى وصلنا منتصفه تقريبا، وفجأة انفجر جسم آخر إثر مرور كلب من ناحيته وتدعثر به .. خفنا.. ثم أخذت حمارتنا إلى المنزل..ونقلنا الخبر للشبان الذين توجهوا إلى مخفر الشرطة لإبلاغه بالأمر.
وبعد الانفجار انتشر الخبر مثل النار في الهشيم وبدأ الأطفال والمواطنون يتوجهون إلى المكان دون معرفة مدى الخطر المحدق بهم والكمائن غير المرئية لهم بمن فيهم الشهيدان خاصة بعد السماع عن وجود عبوات ناسفة.
يوسف سمير الذي كان من بين المتواجدين وشاهد اللحظات الأخيرة روى لي ما شاهده قائلا:وصلنا أول جسم مشبوه،فكان في الأرض الواقعة فوق شجرة الزيتون التي استشهد تحتها "لؤي"، ورأيت الجسم المشبوه الذي كان عبارة عن علبة زيت ذرة وبداخلها جسم يشبه المحول صغير الحجم وتحته توجد أسلاك، بعضها يصل إلى الجسم الذي انفجر أولا، والبعض الآخر منها يتجه إلى السفل باتجاه مكان الاستشهاد، ومشينا مع السلك باتجاه الأسفل حتى وصلنا الزيتونة،وكان الشهيدان"لؤي"و"عائد"متقدمين عنا..وفجأة بدأ الرصاص يرتطم بالصخور من أمامنا وحولنا ويتصاعد منها دخان؟ وكان الرصاص يأتي من خلفنا من الناحية الغربية وكأنه من كاتم صوت في بادئ الأمر..أنا وبعض الشبان والأطفال هربنا إلى أعلى الشارع، وقلنا للشهيدين الحقونا..واختفينا عن بعضنا البعض.. نحن أصبحنا في منطقة مرتفعة.. واختبأنا خلف الصخور في منطقة مخفية عن مكان الشهيدين اللذين بقيا في منطقة منخفضة عن الشارع على بعد (30)مترا تقريبا..ثم سمعنا صوت رصاص كثيف قرب مكان الشهيدين ولم نعرف ماذا حل بهما..اتصلنا بهاتفيهما النقالين للاطمئنان عليهما.. فلم يجيبا..وكان ذلك مع غروب الشمس..وبعد الانتهاء من إطلاق الرصاص عدنا واقتربنا من المكان بحذر وشاهدت ملثما يرتدي قناعا أسودا كان يختبئ خلف صخرة تقع فوق مكان الشهيدين وأطلق الرصاص نحونا.
ويضيف فائد عبود شقيق الشهيد "عائد" الذي كان هو الآخر من بين المتواجدين هناك:كان أخي قريبا من الشهيد "لؤي" الذي كان ملثما ويحمل سلاحه الخاص،وبدأ لؤي بطرد الأطفال وإبعادهم عن المكان خوفا على حياتهم..وناديت على شقيقي"عايد" وطلبت منه العودة خوفا عليه إلا أنه استمر في التقدم،وكان إطلاق الرصاص من مسافات بعيدة، وقريبة..وبعد الجريمة النكراء مباشرة قدمت سيارة من ناحية قرية "كفر الديك" باتجاه بلدتنا،وفكرنا يمكن أن يكون فيها وحدات خاصة..فاختبأنا ثانية، وما زال الشهيدان تحت الشارع، ولم نعرف مصيرهما، وعندما وصلتنا السيارة المذكورة، أوقفناها، وسألنا الرُّكاب إذا شاهدوا شابا ملثما وآخر عاديا..فردوا علينا بأنهم شاهدوا مجموعة من جنود الاحتلال مكونة من سبعة أفراد في مكان الاستشهاد..وأعدنا السؤال إذا كان معهم معتقلين أم لا؟ فقالوا :لا..فقط جيش ..وبعدها حاولنا الاقتراب من المكان وشاهدت ملثما يطل برأسه من خلف صخرة ويختبئ وفكرت بأنه قد يكون الشهيد "لؤي" حاولنا النزول إلا أنه فتح النار نحونا،وقد ظهرت مجموعة الجنود التي كانت تنصب الكمين في جبل "القلاع" للعيان بعد الانتهاء من تنفيذ الجريمة..وبعدها عدنا إلى البلدة.
طبعا استشهد الإثنان في مكانيهما، وتركهما جنود الاحتلال تحت المطر، وهما ينزفان لعدة ساعات حتى فاضت روحيهما الطاهرتين، إلى خالقها، ولم يدر أحد ممن كان قريبا منهما ماذا حصل .








كيفية العثور عليهما
استشهد الإثنان معا ، وهما صائمان، و بعد مرور (42) يوما على مجزرة بيت ريما


انتهت تلاوة الآيات القرآنية وتوقفت مكبرات الصوت في المساجد لحظة، وحان موعد الأذان، وكانت عائلتا الشهيدين تستعدان لتناول طعام الإفطار..ويقول "رائد عبود" شقيق الشهيد "عائد":من عادة عائلتنا أن يكون أفرادها جالسين على مائدة الإفطار مع اقتراب موعد الأذان،إلا أن هذه المرة كنت أنا ووالداي وإخوتي الصغار..وانتهت تلاوة القرآن الكريم وبانتظار الأذان..سألتني أمي أين أخوتك؟ فقلت لها سمعت عن وجود جيش إسرائيلي في أطراف البلدة وذهبوا لرؤيتهم..ثم بدأ المؤذن بالأذان عندئذ خرجت من المنزل بدون تناول طعام الإفطار وذهبت للبحث عنهم،وفي الطريق صادفني شبان وقالوا لي أن جنود الاحتلال أطلقوا رصاص وكان الشهيدان معا ولم يعودا.وعندما حاولت الذهاب إلى مكان الحادث منعني الشبان خوفا من القصف العشوائي..ثم بدأنا التفكير ما العمل؟ والشمس غابت..وقررنا إحضار مصابيح يدوية والذهاب للبحث عنهما..وأحضرناها، إلا أن الشرطة وأفراد الأمن الوطني حضروا إلى المكان ومنعونا من الذهاب خوفا علينا من وجود متفجرات أو كمائن أخرى،وعندما عدت إلى منزلنا لإحضار المصباح سألتني الوالدة نفس السؤال السابق فقلت لها بأن إخوتي يفطرون عند خالتي"عدالة" وأخفيت عنها الخبر لعدم معرفتي بوضع الشهيدين..انتظرنا لمدة ساعتين وكان الاعتقاد السائد إما أنهما اعتقلا أو استشهدا..وتوجهت إلى مخفر الشرطة فوجدت شرطيا هناك يتلقى مكالمة هاتفية من الارتباط العسكري في محافظة سلفيت ويبلغه فيها باستشهاد شابين ولم يعرف أسميهما بعد وتكرر الاتصال مع الارتباط وأبلغنا باسميهما الحقيقيين علما أن الشهيدين لم يحملا بطاقتي هويتهما أثناء الجريمة؟ وأبلغنا أن الجثتين في سلفيت ويجب الحضور لاستلامهما علما أن الجثتين بقيتا في العراء.
وأما سليم مسحل والد الشهيد "لؤي" فقد كان في لحظة موعد الإفطار جالسا في دكانه بانتظار الأذان، وقال: حضرت سيارات للأمن الوطني من سلفيت وتوقفت أمام الدكان..وسألتهم ماذا جرى؟ فلم يجيبوا،وبعدها أقفلت الدكان وذهبت إلى مخفر الشرطة للاستفسار،وهناك أبلغوني بوجود شابين جريحين غير معروفين..ثم قالوا يوجد شهيدان في سلفيت ويجب إحضارهما..فحملت نفسي وأخي "سالم" وجمال خضر خال الشهيد عائد وذهبنا إلى هناك، فلم نجد الجثتين هناك وقالوا لنا هناك،خذوا سيارة إسعاف معكم وعدنا ثانية إلى البلدة وكانت سيارة الإسعاف تسير أمامنا ووجدنا الشهيدين في مسجد البلدة وحال رؤيتي الإصابات الفظيعة في جسد نجلي فقدت الوعي وأغمي علي.
ونعود إلى كيفية العثور على الجثتين يقول "رائد عبود":لقد طال انتظارنا وأصرّ الشبان على ضرورة الذهاب للبحث عنهما مهما كلفهم ذلك، فتقدمت الشبان سيارة قادها أحد الشبان لاستكشاف الشارع والمنطقة وبقينا بانتظار عودتها عند طرف البلدة وعاد الشاب وأبلغنا بخلو المنطقة من جنود الاحتلال فحملنا المصابيح وانطلقنا أنا وإخوتي وأقربائي في البحث بين الصخور والأشجار، وكانت جثة الشهيد "لؤي"أول جثة عثرنا عليها تحت زيتونه،وكانت ساقاه إلى أعلى ورأسه إلى أسفل على ظهر سلسلة صخرية مهدمة، وعلى بعد خمسة أمتار عثرنا على جثة الشهيد"عائد" على صخرة، وبين الأشجار، وكانت دماغه متناثرة على الصخور والأشجار الشوكية (كالقنديل والنتش) ورأسه كانت فارغة وبجوارهما العديد من أغلفة الرصاص الفارغة وهاتفيهما النقالين بجانبيهما،وأما سلاح الشهيد "لؤي " فقد صادره الجنود ، وكانا غارقين في دمائهما الطاهرة ..كان المشهد رهيبا للغاية، ومن هول المنظر الإجرامي البشع بدأ الشبان بالصراخ..ثم بدأنا بجمع دماغ شقيقي بالمحارم عن الأشجار الشوكية ثم لففنا رأسه بكوفية فلسطينية حتى لا تراه الوالدة ثم حملنا الشهيدين وأرسلناهما إلى مسجد البلدة وبعد صلاة العشاء تم إرسال كل جثة إلى أهلها لإلقاء نظرة الوداع عليهما لمدة نصف ساعة، ومن ثم تم إعادتهما إلى المسجد، ومكث الشبان حولهما في المسجد إلى أن تم تشييعهما بعد صلاة الظهر في اليوم التالي السبت.
سمير الشعيبي من الذي شاركوا في البحث وحمل الجثمانين أفاد بأنه شاهد على صدر الشهيد "لؤي" وهو على الأرض بعد العثور عليهما حبة حلو، وكبسولة أكامول وبداخلها حبتان فقط وأثناء حمله عن الأرض سقطت أغلفة رصاص فارغ من ياقة قميصه دلالة على أن جنود الاحتلال قاموا بإطلاق الرصاص نحوهم عن قرب وتصفيتهما بعد إصابتهما بجراح.
الشهيد لؤي شارك في العمل الوطني منذ نعومة أظفاره، واصبح مطاردا منذ بداية انتفاضة الأقصى المبارك وقد رفع العلم الفلسطيني في أول أسبوع من الانتفاضة على قبة الصخرة المشرفة، وقضى معظم أيامه في مدينة رام الله بعيدا عن أهله وذويه، ويتنقل في القرى المجاورة لبلدة بني زيد ولم يعد إلى دير غسانة مسقط رأسه إلا قبل شهرين من استشهاده، ولم يره والده ووالدته فيهما إلا ثلاث مرات فقط..وقبل استشهاده بليلة يقول والده: لقد أفطرنا معا في منزل عمه،وعلى مائدة الإفطار حدثنا الشهيد عن حلم رآه في منامه وقال لنا: رأيت في منامي طائرا يحلق في السماء فوق قطعة أرض تدعى"الدماس" تقع قرب المسجد وكان طائر آخر يتبعه من خلفه ولم أعرفه؟ فقال له عمه قرّب استشهادك ياعمي فدير بالك..وثاني يوم الجمعة، يوم الاستشهاد كان مدعوا على الإفطار عند بعض أقاربه وسمع خبر الأجسام المشبوهة قبل موعد الإفطار وذهب إلى هناك واستشهد وهو صائم.
وقبل يومين من استشهاده تناول الإفطار مع الشهيد عائد وبرفقة عدد من الشبان تحدث الشهيد عائد عن كيفية استشهاد زميل له كان يعمل معه في البنك العربي،وقال لؤي: أنا نهايتي إما السجن أو الاستشهاد.. وسأل على سبيل المزاح من يريد الاستشهاد معي ؟فرد الشهيد عائد عليه أنا أحب الشهادة وأتمناها كذلك..واستشهدا معا فعلا.
أما بالنسبة للشهيد عائد فقد كان خاطبا منذ ثلاث سنوات على طالبة تدعى"خالدة" إحدى طالبات الصف الثني عشر بمدرسة بنات قاسم الريماوي وتكون ابنة خالته،وقام ببناء منزلا جديدا له مكونا من ثلاث غرف مع منافعها منذ سنتين وجهّزه، من كسارة، وتبليط،وتمديد الكهرباء، وخطوط المياه وبقي عليه المطبخ تحضيرا للزواج الذي كان مقررا في نهاية العام الماضي وطلب من ابن عمه النجار أن يفصّل له غرفة نوم جديدة للزواج، وكان مخبئا (130) دينارا أردنيا قبل استشهاده لشراء هدية عيد الفطر السعيد لخطيبته.ويذكر أن والدته رزقت بأول طفل لها "البكر" وأسمته "عائد" ثم توفاه الله، وعندما رزقها الله سبحانه وتعالي بالطفل الثالث -وهو الشهيد- أسمته "عائد" على اسم الطفل البكر، وعندما كبر، وترعرع، واشتد عوده، واصبح شابا استشهد هو الآخر.
وفي يوم الاستشهاد يقول شقيقه "رائد": كنت في منزلنا قبل الاستشهاد بساعة وحضر شقيقي"عائد" إلى المنزل وقال لي:لقد سددت ديوني،وخذ هذا المبلغ(1100) شيقل الذي بقي معي من الراتب وأعطه للوالد. وأخذته ..ثم سألته إلى أين ستذهب؟ فردّ عليّ: إلى خطيبتي لزيارتها.
وكان عند صلاة العصر مع شقيقه "مفيد"، وقال له بأنه يريد الذهاب لأداء صلاة العصر في المسجد وافترقا،وبعد سماعه بوجود جنود الاحتلال في أطراف البلدة ذهب إلى هناك كباقي المواطنين والتقى مع شقيقه "مفيد" هناك ثانية،ثم طلب منه مفيد بأن يعودا إلى المنزل، وفي أثناء عودتهما في الطريق سمعا صوت الانفجار الأول، وقال له مفيد بأن هذا صوت انفجار صاروخ في كفر الديك،وبعد لحظات مرت سيارة مسرعة عنهما وقام من فيها بإبلاغهما عن وجود متفجرات في طرف البلدة وأنهم ذاهبون لإبلاغ الشرطة بذلك وترددا في العودة ثانية إلى المكان إلا أن الشهيد عائد أصر على العودة و هناك التقى مع الشهيد لؤي.
ويذكر أن سلطات الاحتلال كانت تقوم بنشر مجموعات عسكرية منذ أسبوع من الاستشهاد في عدة مناطق من الجهة الشمالية للبلدة، ونصب الخيام السرية بين الصخور في جبال "راس أبو سليم"وجبل العين" و"القلاع"و"الحبايل" الواقعة بين قريتي كفر الديك وبروقين من ناحية وبلدة بني زيد(بيت ريما وديرغسانة) من ناحية أخرى.ومنذ مجزرة بيت ريما بتاريخ 24/10 وجنود الاحتلال ينتشرون وينصبون الكمائن في أطراف بني زيد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها ويترصدون حركة المواطنين ليلا نهارا.
وللدلالة على ذلك فقد قام جنود الاحتلال قبل أسبوع من الاستشهاد باحتجاز الطفلين"كفاح فاروق18سنة وهو طالب توجيهي أثناء قيامه برعي أغنامهم البالغ عددها (300) رأس في جبل أبو سليم بالإضافة إلى الطفل نسيم ميسرة الذي كان معه. وقد تفاجأ الإثنان بوجود خيمة بين الصخور وشبيهة بلونها وفيها جنود.وقام الجنود بإلقاء القبض عليهما وتقييدهما لمدة ثلاث ساعات عند الخيمة حتى لا ينكشف أمرهم وترك الأغنام تهيم على وجوهها وتركهما الجيش على هذا الحال في الجبل،واستطاعا أن يفلتا بعضهما البعض ويعودا سالمين،وقام الأهالي بالبحث عن القطيع وإعادته.
وهكذا استشهد الإثنان معا وهما صائمان في منطقة "ا" الخاضعة لسيطرة السلطة الوطنية في بلدة دير غسانة، وذلك بعد مرور (42) يوما على مجزرة بيت ريما، الأمر الذي يشير إلى أن كل أفراد شعبنا صغارا كانوا أم كبارا في ظل هذه الظروف اصبحوا مطاردين، ومستهدفين، ومهددين بالقتل، وغير آمنين حتى في منازلهم.

___________________6/1/2002

[email protected]