كتاب الآثار الفلسطينية للمؤرخ الفلسطيني إبراهيم فؤاد عباس
صدر حديثاً عن مؤسسة الدار للنشر والتوزيع كتاب "الآثار الفلسطينية إثبات لعروبة فلسطين تاريخا وجغرافيا وحضارة " للكاتب والمؤرخ الفلسطيني الدكتور إبراهيم فؤاد عباس ، الذي أثبت بالأدلة والبراهين عروبة فلسطين في ملحمة تاريخية وجغرافية وحضارية موثقة بالصور و الوثائق النادرة التي لم يتم التطرق لها من قبل.
وتناول الكاتب آثار فلسطين بأسلوب ومنهجية جديدة جمعت بين علوم ثلاثة هي الآثار والتاريخ والجغرافيا حيث فند تاريخ فلسطين واستخرج منه محطات تاريخية لم يتم الإشارة إليها من قبل، وانتقل إلى جغرافية فلسطين من خلال الشعوب والأمم التي سكنت هذه الأرض على مر العصور ومن أين انحدرت أصولها ومواطنها الأصلية وحضارتها.
وجاء الكتاب في اثني عشر فصلاً تضمن الفصل الأول موقع فلسطين الجغرافي ، وأثره على التاريخ والحضارة ، والفصل الثاني قدم لمحة تاريخية عن فلسطين ، وجاء الفصل الثالث بالتقنيات الأثرية في فلسطين من خلال الدوافع والأسباب.
أما الفصل الرابع تطرق لأهمية فلسطين الجغرافية والآثار الفلسطينية التي تثبت عروبة فلسطين حيث وثق الفصل الخامس الحقائق التي لا تحتاج إلي إثبات وعرج الفصل السادس إلى التوراة وما جاء بها لإثبات عروبة فلسطين.
وشرح الفصل السابع والثامن كيف صنع الفلسطينيون القدماء الحضارة والدور الحضاري للكنعانيين العرب في فلسطين،وذخر الفصل التاسع بالآثار الفلسطينية الموجودة في المتحف البريطاني ، ودخل بنا الفصل العاشر إلى مدينة اريحا ليصور لنا عراقتها وعراقة الفلسطيني داخلها وبصمته العربية على هذه المدينة التاريخية التي تنطق بعروبة فلسطين.
وأخيرا الفصلين الحادي عشر والثاني عشر قدما لنا حصر تقريبي للمتاحف الفلسطينية وكيف تم سرقة الآثار منها.
وقد اهتم الكاتب بشكل خاص بقضية "جغرافيا التوراة" التي أثيرت للمرة الأولى منذ أواسط الثمانينيات بكتاب كمال الصليبي "التوراة جاءت من جزيرة العرب"، حيث ألقى الضوء على نظرية لم ينجح أنصارها حتى الآن في إثباتها، وحذر من خطورة تبني هكذا طروحات من شأنها تثبيت المقولات التي يرددها الصهاينة. فبعد أن عجز علماء الآثار التوراتيون في اكتشاف أي آثار يهودية تتطابق مع ما جاء في التوراة، بدأوا يشككون في عروبة فلسطين جغرافيًا من خلال المقابلة اللغوية بين أسماء الأماكن الواردة في التوراة، وتلك الموجودة في جنوبي الحجاز وعسير واليمن، ومحاولة إثبات عدم وجود صلة بين بني إسرائيل وفلسطين، فيما يبدو للوهلة الأولى بأنه يخدم قضية الحق التاريخي للعرب في فلسطين، وليس ذلك صحيحًا البتة. فأسماء المدن العبرية التي وردت في التوراة أصلها كنعاني، والمدن الكنعانية في فلسطين موجودة منذ آلاف السنين.
وأنصار هذه المدرسة يشككون في مواقع القدس وجبل الطور ومصر نفسها!.. وعندهم أن أورشالايم تقع في منطقة آل شريم في عسير، وعند د. يوسف زيدان المسجد الأقصى في الجعرانة بالقرب من الطائف..الخ. وهذا القول سبق وأن ردده باحث يهودي يدعى مردخاي كيدار الأستاذ في جامعة بار إيلان، وقاله في الكنيست في يوليو 2009، وكرره مرة أخرى في اللقاء الذي أجرته معه قناة فرنسا 24 الفضائية في 27/10/2016 بمناسبة صدور قرارات اليونسكو في أكتوبر 2016 التي أكدت على انه لا يوجد علاقة بين اليهود وكل من المسجد الأقصى وحائط البراق، وقوله إن المسجد الأقصى مكانه الجعرانة بين مكة والطائف وليس القدس.
ويمكن دحض هذه المعلومة السامة إذا ما تأملنا في سورة الإسراء، تحديدًا قوله تعالى: "وقضينا إلي بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا * فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددنا لكم الكره عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا *إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مره وليتبروا ما علوا تتبيرا. ونستطيع أن نفهم أن ثمة صراع بين بني إسرائيل وقوم من عباد الله وصفوا بأنهم أولي بأس شديد، وهم نفس القوم الذين وصفوا في موضع آخر من القرآن الكريم بأنهم "قوم جبارين"، والمعني بهم سكان البلاد الأصليين (أي العرب الكنعانيين)، وأن هذا الصراع هدفه السيطرة على المسجد الأقصى، وسينتهي – حسب الوعد الإلهي بأن يدخل أولئك القوم (أصحاب الأقصى الأصلاء) إلى مسجدهم كما دخلوه أول مرة.ونحن لا نشاهد أي مظهر من مظاهر هذا الصراع حول المسجد الأقصى (الطايفي) لا قديمًا ولا حديثًا ولا نشاهد أي مظهر من مظاهر التسلسل التاريخي والزماني والآثاري الذي تخلله وفق ما يدعيه د. زيدان. وخطورة مقولة زيدان بأن الأقصى مكانه الطائف يدعم حجة الصهاينة بأن القدس هي موضع الهيكل المزعوم بلا منازع.
وتعتبر خريطة د. كاثلين كينيون المنشورة في كتابها "أركيولوجي أوف ذا هولي لاند"، ص25، إحدى أهم ىالإثباتات على أن مواقع المدن الكنعانية القديمة في فلسطين وليست في أماكن أخرى، استنادًا إلى الشواهد الآثارية.
وهناك مقولة لفرج الله صالح إن اليمن هي أرض التوراة (كيف يصح هذا الادعاء وبلقيس ملكة سبأ اعتنقت اليهودية زمن سيدنا سليمان سنة 1000 ق.م)، أي بعد نزول التوراة بحوالى 500 عام. وهو ما يقوله أيضا فاضل الربيعي (كتابه: فلسطين المتخيلة- أرض التوراة في اليمن القديم) الصادر عام 2008. وهو يقول في كتابه (القدس ليست أورشليم- مساهمة في تصحيح تاريخ فلسطين) الصادر عام 2010 أن الإسمين القدس وأورشليم لا يدلان على المدينة نفسها، وأن التوراة لم تذكر اسم فلسطين أو الفلسطينيين قط، وأنها لم تأت على ذكر القدس بأي صورة من الصور. وليس ذلك صحيحًا بأدلة التوراة نفسها:
"وكان في الأرض جوع غير الجوع الأول الذي كان في أيام إبراهيم، فذهب اسحاق إلى أبيمالك ملك الفلسطينيين".
سفر التكوين 26-1
جاء في سفر نحميا:"وسكن رؤساء الشعب في أورشليم، وألقى سائر الشعب فرعًا ليأتوا بواحد من عشرة للسكنى في أورشليم، مدينة القدس". 11:1.
وفي سفر الأخبار الثاني: "وقفوا في القدس"35:5.
وفي سفر التثنية 33-1:2 "جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير، وتلألاً لهم من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس".
وفي المزامير: "ارفعوا أيديكم نحو القدس وباركوا الرب، يبارككم الرب من صهيون".
في سفر القضاة (19):؛ "..وفيما هم عند يبوس، وقد انحدر النهار جدًا، قال الغلام لسيده: تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها، فقال له سيده: لا نميل إلى مدينة غريبة، حيث لا أحد من بني إسرائيل هنا".
القدس عربية كنعانية
ويذكر المؤلف إن يبوس: أقدم أسماء القدس، كانت مأهولها بسكانها اليبوسيين، وهم بطن من بطون العرب الأوائل منذ 3000 سنة ق.م .
وورد اسم القدس صريحا باسمها الكنعاني (أور شاليم) في رسائل تل العمارنة (الرسالة 287) (بريتشارد، الجزء الأول، ص271 ترجمها البرايت ومندهول ترجع الى عهد امنحوتب الثالث(1411-1375 ق. م).
وتعود أول إشارة وردت عن هذه المدينة إلى الحفريات التي جرت في "تل مرديك، بشمال سوريا، حيث أسفرت الاكتشافات عن اكتشاف آثار لمملكة قديمة تسمى مملكة إيبلا أو (عبلة)، ووجد بين آثار تلك المدينة ألواح كتب عليها اسم مدينة سالم (أورشليم)وكان ذلك حوالى سنة 2500 ق.م .وتجدر الإشارة إلى أن نصوص لعنات مصرقدمت صورة واضحة عن عمران فلسطين منذ القرنين التاسع عشر والثامن عشر ق.م .
اليهود لم يكونوا أهل حضارة
كما يثبت الكاتب بالأدلة القرآنية إن اليهود لم يكونوا أهل حضارة، وإنما كانوا بدوا رحل:
-َرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ – يوسف:100
كان ذلك حال اليهود فيما كان الفلسطينيون أهل حضارة زاهرة :" كان الفلسطينيون قبل ثلاثة آلاف عام يشكلون شعبًا ذواقًا للفن، وكانوا يعيشون في القصور، ويشربون ويأكلون في أوان فخارية مزخلرفة في الوقت الذي كان فيه الإسرائيليون يعيشون في خيام بالية ويستخدمون أواني بدائية".
الافتتاحية الثالثة في "التايمز" في 1/10/1992 بمناسبة اكتشاف آثار فلسطينية جديدة في عسقلان.
كما يدلل الكاتب على عراقة فلسطين وحضاراتها من خلال تطرقه إلى الحضارات النطوفية والغسولية والكنعانية والفلستية التي تتابعت على فلسطين منذ أقدم العصور، ويثبت أيضًا أن الفلسطينيين أصولهم عربية كنعانية ، ولا ينتمون إلى الأصل اليوناني، وأن قبيلة الفلستيا لم تغزو سواحل فلسطين حوالى القرن 12 ق.م وإنما عادت إلى موطنها الأصلي.
ويعتبر الكتاب إضافة وكنز علمي لكل باحث وطالب علم في الآثار أو التاريخ ، ولكل قارئ مثقف في التاريخ العربي والفلسطيني ليثبت للعالم أن العرب من أقدم شعوب العالم تحضراً ورقياً وحضارة، وأن فلسطين عربية كنعانية قبل أن يوجد اليهود بألفي سنة. وقد ضم الكتاب صورًا لآثار فلسطينية في المتحف البريطاني تنشر لأول مرة.
كتاب الآثار الفلسطينية للمؤرخ الفلسطيني إبراهيم فؤاد عباس
تاريخ النشر : 2016-12-12
