العراق و الاستثمار القذر بقلم:عزيز الخزرجي
تاريخ النشر : 2016-12-03
ألعراق و آلأستثمار ألقذر

لا أعني بآلأستثمار القذر (تجارة المخدرات و الدّعارة و المواد الممنوعة"القجق")؛ بل (الاستثمار القذر) الذي نعنيه هنا هو نوع جديد, يمكن أن يطلق عليه (رأسمالية الكوارث) التي تعنى باستغلال أزمات الدّول و احتياجات الشعوب من قبل البنك الدولي و القوى الحامية له لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح و المكاسب على حساب حقوق ألأمم و الشعوب المنهوبة التي أنهكتها الصراعات و الحروب و الأرهاب و الأفلاس, بعد ما وقعت تحت وطأة الديون الضخمة بسبب غباء الحكومات و المتحاصصين و جشعهم, حين إستقرضوا من البنك الدولي عشرات المليارات, بجانب الصفقات و العقود الآجلة التي سببت و ستُسبّب دمار الشعوب و الاوطان .. خصوصا مستقبل الأجيال التي لم تلد بعد .. و كما بينا تفاصيل ذلك في بحثنا الموسوم بـ:
[الأسوء الذي سيواجه العراق بعد الأرهاب].

إن هذا النوع من الاستثمارات القذرة التي سببها السياسيون المتحاصصين الذين لم يعقلوا و مستشاريهم أبسط القواعد و المناهج الأقتصادية الأستكبارية؛ لا يحتاج إلى تسهيلات الاستثمار التقليدية، و حوافز الأنشطة الاستثمارية، و خفض الضرائب، و الإعفاءات الجغرافية و الكمركية... و غيرها ممّا يهتم به الاستثمار التقليدي، فهو لا يهتم بقياس العائد و المخاطرة في الأوقات الطبيعية كما هو في الاستثمار التقليدي.

هذا النوع من الاستثمار يبحث عن أزمة اقتصادية أو دولة مفلسة أو دولة دمرتها الحرب و الأرهاب أو سوء توزيع الحقوق ليبدأ عمله, فهو يهدف إلى استغلال الأزمة أو أوضاع ما بعد الحرب لتنفيذ سياسة خاصة تجعل البلد ليس فقط مستعمرة كما المستعمرات المعروفة؛ بل بلداً رهيناً أسيراً بيد أصحاب المال و الشركات الكبرى في العالم, بحيث تستطيع أن تفرض أيّ رأي أو شرط على الحكومة من دون أي إعتراض أو مناقشة, حتى إن أحد مديري الشركات العالمية صرّح بقوله:
[إن أفضل وقت نستثمر فيه هو حين لا تزال الدّماء على الأرض لم تجف بعد, أو أن تستثمر في وقت اجتاحت فيه أزمة اقتصاديّة البلاد أدت بها إلى الإفلاس، ففي هذه الأثناء يخرج الاستثمار التقليدي، و لكن يحلّ محله استثمار آخر يجد أن هذه هي فرصته لمضاعفة الأرباح، فقد يحصل على عقود امتياز وتخصيص وتوزيع الطاقة أو التنقيب عن الثروات الطبيعية بأسعار زهيدة لا تقارن بما كان سيدفعه في الأوضاع الطبيعية].
 
هذا النوع من الاستثمار يُحقّق أرباحاً غير عادية؛ لاعتماده على المخاطرة المرتفعة، و لكنها مخاطرة محسوبة بدقة و إن بدت لك و لمن يفكر بأسلوب الاستثمار التقليدي مخاطرة غير محسوبة.

لقد تعرضت عدّة بلاد لقرصنة الاستثمار القذر و كما بيّنا في مقالات سابقة و بشكل مؤسف؛ منها العراق كأوضح مثال في الوقت الحاضر على أعقاب الغزو الأميركي 2003، و كذلك تشيلي في السبعينات في أعقاب انقلاب (أوغستو بينوشيه)، و كذلك المكسيك و البرازيل, و أندونيسيا خلال الستينات في عهد (سوهارتو), و مصر تعرّضت أيضا في السّابق لنفس القضية إثر دخول الاحتلال الإنجليزي عام 1882 و أعقب ذلك موجة من تدفق الشركات الأوروبية و بيوت المال و بيوت الرهن العقاري التي توسعت في إقراض الفلاحين المصريين الذين تراكمت عليهم الديون، ثم بعد ذلك نُزعت ملكية ربع الأراضي الزراعية بمساعدة المحاكم المختلطة .. و حتى إذا وصلنا إلى عام 1914، كان الاقتصاد المصري يسيطر عليه رأس المال الأجنبي بنسبة 92% من حجم رأس المال في الاقتصاد المصري, و إن سوريا و لبنان و حتى دول الخليج ستمرّ بنفس تلك المحن خلال السنوات القليلة القادمة.

و يمكن القول إن الفترة الحالية و القادمة سيتعرض فيهما العراق لدخول جديد لهذا النوع من الاستثمار ليشتري الامتيازات و عقود التخصيص و الأراضي بأسعار لا تقارن مع قيمتها الحقيقية، مستغلاً بذلك حاجة الشعب خصوصا المحاصصين و الضعف الذي أصابهم و الظروف العصيبة التي تشهدها بسبب انهيار الموارد و إزدياد عدد السكان و تراكم الديون الخارجية و آلعجز و الفقر و البطالة, و عدم وجود إستثمار حقيقي بجانب الحرب التي إستنزفت الكثير من الطاقات والأموال و الأمكانات, بجانب هبوط أسعار النفط كمورد رئيسي الى أدنى مستوياتها, و قد أعلنت الحكومة العراقية الحالية للأسف حالة تشبه الأستسلام الكامل للأرادة الأستعمارية تعدّت الأطر التقليدية, و ذلك بقبول أيّ عرض أو توصية أو أمر يصدر لها, بل وصل الحال لئن تعرض الأراضي و البنايات الحكومية و كل ما هو ثمين للبيع في المزاد العلني, بجانب خصصة الكثير من المؤسسات و الشركات و الأستثمارات, عبر إعلان كئيب قبل أكثر من شهر لدرأ الوضع المالي و الأقتصادي المنهار الذي بدأ يُهدد مستقبل العراق و الأجيال القادمة و آلذي سيتفاقم بشكل مخيف بعد إنتهاء الحرب مع داعش و تحرير الموصل من براثن الأرهاب.

كل هذا جرى و يجري و الشعب العراقي المسكين المنهوب في غيبوبة كاملة بسبب الجّهل الذي خيّم عليه كنتيجة لثقافة الأحزاب و الشخصيات المهيمنة التي تحاصصت و تقاسمت أموال العراق على مدى أكثر من 13 عاماً, و كأنّها أقسمت بعد ما وصلت للحكم؛ أن تنهي و تسلب العراق بجشعها و رواتبها و مخصصاتها و فسادها الذي لم نشهد له مثيلاً في كلّ التأريخ, حتى لدى اسوء الأنظمة الحاكمة, و لا حول و لا قوة إلا بآلله العلي العظيم.

عزيز الخزرجي

باحث و مفكر كونيّ