بسم الله الرحمن الرحيم
كيف اجيب على اسئلة ابنتي
هي ابنتي الحبية ..ثمرة الحب وسر حياتي .. هي وحدها التي لا استطيع إلا ان اجيب على كل اسئلتها...وكم كثرت مع كل عام وكم هي صعبة ، ليس لأنها صعبة ..بل لان الواقع صعب ومشوش ، تختلط فيه الامور على البالغين والراشدين ...
لم اخبر سابقا الاجابة على اسئلة الاطفال او نقاشهم ..وكنت اظنها سهلة .. يا للمفاجأة .. الاجابة على اسئلة الكبار والشرح لهم ونقاشهم اسهل بكثير ، اعود مرة اخرى .. هل الاسئلة هي الصعبة ؟؟ ام واقعنا هو الصعب ؟؟
تسألني ابنتي عن الشرطي والجيش الذي تراه في رام الله وهي تحب زيهم وسياراتهم ، فأقول هؤلاء شرطة وجيش فلسطين ... وتسألني ماذا يفعل ؟؟ اجيب يساعد الناس يا ابنتي ويحمينا ويحمي ارضنا ...
نسير عائدين رغم معاناة العودة باتجاه بلدة الرام حيث اسكن..نصل ما يسمى " معبر قلنديا " لترى هناك جيشا وشرطة اخرون تتشابه ازياءهم بما رأينا في رام الله لكن هؤلاء يطلقون الغاز والرصاص المطاطي على الناس وهم يهربون... ارى ملامح الدهشة على وجهها الجميل الغض .. وتسأل كمن يلومني على انني كذبت عليها ،لماذا يهرب الناس من الجيش والشرطة .. انت قلت لي انهم يساعدون الناس ويحموننا وأرضنا.. ولماذا "يطخوا على الناس "....
اجيب يا ابنتي هؤلاء الشرطة والجيش ليسوا جيدون ... تختلط عليها الامور وارى الحيرة في عينيها .. فاستطرد هؤلاء يا ابنتي جيش وشرطة الاحتلال ، وهو جاؤوا لضرب الناس وإطلاق الغاز والرصاص عليهم .. تزداد حيرتها وتسأل لماذا هو هنا اليست هذه فلسطين؟؟ نعم فلسطين .. وأين شرطة وجيش فلسطين اللذين رأيتهم في رام الله ؟؟ لماذا لا يأتون هنا وتطرد جيش وشرطة الاحتلال الذي يضرب الناس " الشرطة والجيش اللي مش كويسين".. ماذا أجيب ؟؟!!
لو كانت بالغة راشدة .. كنت شرحت لها اتفاق اوسلو ومناطق ( أ ، ب ، ج ) والمطاردة الساخنة ، والتنسيق الامني ، والارتباط الاقتصادي ، والمفاوضات، ومهام الجندي والشرطي الفلسطيني و....و... ، ولكن كيف عساني اجيب طفلة في الرابعة ؟؟ وماذا سيحتمل دماغها ؟؟
وتسأل مرة اخرى لماذا جيشنا لا يطرد جيش الاحتلال ( الاسرائيلي ) الذي سرق ارضنا ويضرب الناس ويقتلهم ؟؟؟
وجود الجيش الوطني يدل على سلطة وسيادة تستطيع ان تحمي الناس والأرض وتنفي وجود لجنود جيش اخر على ارضنا .. هذا التعريف البسيط والواضح لوجود الجيش الوطني ، طيب كيف جيشنا موجود والجيش الاخر يدخل كل مناطقنا ويعتقل من يريد في أي وقت يريد ، ويهدم أي بيت ويغلق أي شارع ويصادر أي ارض يريد ... ماذا بقي من تعريف الجيش الوطني او مهماته. كيف سأفهما معادلة انا لا أفهمها ؟؟؟!!!
اذكر انني في صغري كنت اسأل ذات الاسئلة لوالدي ، وكانت مهمته اسهل بالتاكيد، وكانت اجاباته واضحة لا لبس فيها لطفل بمثل سن ابنتي ( اربعة اعوام) لا تتناقض مع فطرتي كطفل ولا براءتي ولا مقدرتي البسيطة على فهم الامور، وبذات الوقت كانت واضحة للبالغ الراشد العاقل..
كل شيء واضح في تلك الحقبة وضوح الشمس في ايام الصيف ، زينا واضح ، اكلنا واضح ، قصة شعرنا واضحة ، دبكتنا واهازيجنا واضحة ، ثقافتنا وقيمنا واضحة لا لبس فيها .. كما عدونا كان واضحا ...
كان يقول لي والدي ،كل الجنود والشرطة اللذين تراهم بزيهم الرسمي وأسلحتهم اعداؤنا ، واحتلوا ارضنا وسرقوها ، كل من يتعاون معهم من ابناء جلدتنا هو ليس منا ..
كان يحدثني عن الفدائي البطل الذي يحمل السلاح لمقاومة الاحتلال وجنوده وشرطته والمتعاونين معهم..هذا الفدائي الذي لا يظهر سلاحه إلا وقت قتال العدو .. ولا يرفعه في وجه اهله وابناء وطنه .. هذا الفدائي البطل الذي يرعب كتيبة من الجنود بالزي الرسمي من جنود الاحتلال ..
قال لي مقابل جنود الاحتلال على ارضنا .. يكون الفدائي البطل المقدام الذي يستعد دوما للموت او الاسر .. والذي يحتضن سلاحه كجزء منه لانه يمثل شرفه الذي لا يتنازل عنه ابدا وكرامته التي لا يساوم عليها ... الفدائي لا يلبس زيا رسميا ولا يحمل رتبا .. بل يحمل روحه على كفه ويروي الارض بدمائه .. الفدائي لم يصافح اعداءه ولن يصافحهم.. الفدائي يتحول لجندي للوطن بزي رسمي بعد ان يطرد كل الجنود الغرباء من ارضنا .
كم هي واضحة وسهلة كانت بالنسبة لي ، كم كنت مرتاح مع وضوح الاشياء رغم صعوبة الحياة، كم كانت كلمات ابي سلسة وواضحة وكم كان مرتاح رغم جبال الهموم التي يحملها على اكتافه وتجاعيد وجهه التي تدل على قسوة الحياة .
حملني ابي مسطرة اقيس بها كل الاشياء في حياتي حتى اعرف حجمها وخيرها وشرها وأميز الغث من السمين، حتى لا اتوه وتختلط علي الامور في أي وقت وأي مكان وأي ظرف .
تلك المسطرة لا يمكن ان تقيس شرطيان وجنديان تتشابه ازياؤهم تقريبا وسياراتهم احدهما عدو وسيء والآخر لنا وجيد المسطرة تقول بوضوح لا يمكن ان يجتمع الاثنان على ذات الارض في ذات الوقت.. اما لنا وجيد ولحمايتنا او عدو وسيء وسارق لأرضنا .
هكذا استطيع ان اجيب على اسئلة ابنتي ذات الاربعة اعوام مستريحا ومريحا لها ولبرائتها وفطرتها التي لن الوثها لها لتستسيغ واقع ملوث ومختلط فالمشهد ليس كما يبدو في وجود الضباب والشمس حتما موجودة خلف الغيوم الملبدة السوداء
كيف لي ان اشرح وضعا مخنثا لا هو ذكر ولا هو انثى ، وكيف لي ان اصف شباط لا هو صيف ولا هو شتاء.
عبدالله سلمان الخطيب
فلسطين المحتلة
كيف اجيب على أسئلة ابنتي ؟!بقلم: عبدالله سلمان الخطيب
تاريخ النشر : 2016-10-20