خلط المفاهيم بتمرير المصطلحات بقلم محمد أبو ناموس
تاريخ النشر : 2016-10-15
خلط المفاهيم بتمرير المصطلحات  

بقلم / محمد أبو ناموس

منذ أن تعلم الانسان أن يتكلم تعلم تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية ومعروفة جميع الاشياء التي إذا ما ذكرت بعد ذلك تعرف عليها دون أن يراها, فلكل اسم مصطلح يعبر عن مفهوم ومضمون وإذا ما تشابهت المصطلحات إلتبس على الإنسان المفهوم, و وقع في خلط المقصود والغير مقصود وعجز عن تفسير الاشياء إذا ما لم يكن قادراً على التمييز بينهم , لذلك كان خلط المفاهيم بتمرير المصطلحات كلمة حق يراد بها باطل , يثيرها مستهزأ أو منافق أو عدو ليظل الفكر ويحرف المنطق , مستغلاً بذلك العاطفة وحمية الصدر ليشعل غضب يعمي القلوب و الابصار, والحقيقة ان مجتمعاتنا العربية تمر بهذه التجربة بأساليب متدرجة و متنوعة تبدأ من الخاص لتنتهي إلى العام , وليكن لسان حال الجميع بعد الضياع و التشرذم  اكلنا يوم أُكل الثور الأبيض   .

فهنالك خلط متعمد و غير مبرر في المفاهيم , وذلك بتمرير المصطلحات التي  يتم تداولها في الاعلام العربي و خاصة الفضائيات الاخبارية , فتجدهم يصفون جيوش دول لها من التاريخ العسكري العريق والتضحيات الجمة بعصابات أو مليشيات أو جماعات فلان أو قوات النظام , وتصنيف يشنع ويشيطن الموصوف به حتي تتدرج الصفات لتخرج الموصوف به من الملة ,إن استراتيجية خلط المفاهيم وتمرير المصطلحات خطة تكتيكية أمنية بامتياز, تتلاعب بالعقل الباطني لأفراد المجتمع ولا يختلف دورها عن دور الطابور الخامس سابقاً, بل تطورت الأدوار والأساليب مع التقدم التكنولوجي والرقي البشري ليصبح للطابور الخامس منابر إعلامية تدخل كل بيت وتخاطب كل أذن و لها من المصداقية ما يفوق حديث النفس .

لقد قال العالم باسكال مقولته المشهورة ( البربرية تخلط و المدنية تميز ) ولقد سعت فطريات التضليل بإدخال المجتمعات في مستنقعهم الموحل , وذلك عن طريق خلط المفاهيم و تمرير المصطلحات لتعميم منهج الاستحواذ والسيطرة الذهنية , لتصبح السطحية و السذاجة و الانتقائية منطلق الاعمال , وليمر المجتمع بكل أطيافه في أخطر مراحل الفكر التي تتجلى بمقولة ( أخطر المراحل الفكرية عندما يُكن عدوك هو من يتحكم في عقلك ويوجه تفكيرك ويُكن هو المرسل وأنت المستقبل دون ان تدرك ).

إن هذه الجريمة الفكرية أفقدت أفراد المجتمع حرية الاختيار و تقدير الامور , ليختلط عليهم الحابل بالنابل و لتتساوى السلبية بالإيجابية , فما تراه صواباً ربما يراه الآخرون باطلا وما تراه عدلاً قد يراه الآخرون ظلماً, فالمجتمع يجمع من الفروق الفردية بين افراده ما يجعل لكل شخص مفهومة الخاص و العام  الذي يحدد موقفه من القضايا .

لم يسلم أي مجتمع عربي من هذه التجربة , وعلى صعيد الوضع و المجتمع الفلسطيني المعقد بكل تفاصيله , تعمدت بعض وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية مقارنة السلطة الفلسطينية المنبثقة من منظمة التحرير الفلسطيني الملتزمة باتفاقيات دولية بفصائل المقاومة التي تمثل حركات تحرر وطني , سواء من الناحية العسكرية أو من الايدولوجية الفكرية فتجد هنالك تعمد بحرف المفاهيم وتمرير مصطلحات خطيرة سواء على مستوي مقارنة السياسيين بالسلطة بالعسكرين من الفصائل او بالقدرات العسكرية ما بين السلطة و الفصائل , فهذا الخلط المتعمد ممنهج ليرجح الكفة السياسية و الفكرية لصالح فئة معينة دون غيرها وترجيح الكفة حسب إلتقاء المصالح , إن  الخلط يساعد على تشتت الفكر و زعزعة الانتماء لدى المواطن ولدى المؤسسات ويكبح أي تطور اقتصادي أو سياسي على أرض الواقع .

والناظر بعين المتفحص لاستراتيجية خلط المفاهيم وتمرير المصطلحات إعلامياً الموجهة للقضية الفلسطينية يدرك جيداً أن أهداف هذه الاستراتيجية متعددة, تسعي سعى حثيث لتأجيج الصراع الداخلي الذي ينصب ويساعد في تهرب الجانب الاسرائيلي من الاستحقاق الفلسطيني وعدم إحراجه دولياً ليضع اللوم والادانة على فصائلنا المقاومة , الذي يستطيع العدو استفزازها لإدخالها في مربع الكمائن السياسة و العسكرية لتكن هي المهاجم وليست المدافع دولياً, وليظهر المحتل دولياً هشاشة وضعف السلطة التي يتعمد المحتل إضعاف قوتها وسيطرتها , فلقد لعب المحتل و أعوانه من الخونة على التدرج  بأضعاف الكل الفلسطيني , وخلق فجوات تجلت في عدم القدرة على خلق حوار حقيقي وبناء بين أبناء الوطن الواحد , وعدم قدرة السلطة الفلسطينية التنسيق مع الفصائل الفلسطينية بسبب خلط المفاهيم وتمرير المصطلحات ,الذي ساعد كعامل محفز لحرف البوصلة السياسية للقضية مما أدى لخلط السلطات و النفوذ , فكانت النتيجة تخوين داخلي و تقديم قرابين لأجندات خارجية تنصب مصالحها مع مصلحة الاحتلال في تارة و بسط نفوذها السياسي بالمنطقة الدولية تارة أخرى على حساب القضية الفلسطينية و جميع أطياف شعبنا  وحقه  في تقرير مصيره .

إن هذا الخلط الممنهج أفقد الشعب الثقل السياسي و قدسية القضية و القيمة الرمزية الوطنية  فكل قائد لم يستطيع العدو إسقاطه أو مساومته استطاع العدو باختلافنا على المسميات أن يجد الثغرة لتخوينه بأيدي فلسطينية إما رخيصة أو عميلة أو مشوهة الافكار , و أدخُل الشعب في جدل بيزنطي عقيم, علماً أن كلا الطرفين يحملون وجهة نظر صحيحة في التعامل مع العدو, إلا ان هذا الخلط أفقد الشعب الآلية في مواجهة العدو داخليا ودولياً, و سقط الجميع في وحل من هو المتحدث الرسمي باسم الشعب الفلسطيني داخليا وخارجيا ومن يلتف حوله الجماهير , نحن نعرف واقعنا و حلفائنا و قوتنا و قوة عدونا العسكرية و النووية و الدولية ,و موقف الدول العربية و الاسلامية من قضيتنا , بل جعل البعض من انقسام الشعب الفلسطيني شماعة و مفتاح يفتح باب التطبيع مع المحتل على مصرعيه , ليكن التطبيع مع المحتل لسان حال ساسة بعض الدول بل وتجرأ البعض لينكر الحق التاريخي للشعب الفلسطيني .

وأضطر المواطن أن يخير بين  المقاومة أو السلطة إلا ان المواطن مع السلطة ومع المقاومة فليس فيهم حق وباطل فكلاهم جسد واحد لوطن واحد وكلاهم يحتاجه الوطن دون خلط , وقد طرأت على مجتمعنا مصطلحات لم نعهدها من قبل مثل ( مستنكفين و منسقين و غير شرعيين ومقبورين و هالك و مفرط و كارتري و دايتوني)  ومصطلحات لم ينزل الله بها من سلطان, وتم ترديدها من أجل المناكفة مع تفاقم الصراعات الحزبية الداخلية , بل وتطورت بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي, وتجلي الابداع في الخلط و التقزيم و التشويه سواء من صفحات للمحتل  بمسميات وطنية او بانسياق ابناء الشعب في طواحين هذا الهراء دون تفكير عميق بحال القضية والواقع المحيط بها قديماً وحديثاً , ولو فكر أحدهم استخدام نظرية SWOT ذات التحليل الرباعي لصالح قضيتنا لما كان حالنا هكذا .

فاختلطت المفاهيم السياسية بالحزبية بالعسكرية بالدينية بالعلمية , لتجد واقع مشوه ومصير مجهول ومواطن حيران وسياسي عاجز وبندقية موجهة  لصدور ابناء الوطن و وطن ضائع و قضية منسية  وحقوق مجهولة.

والحقيقة أن الأعداء والمتسلقين الدوليين المتربصين للقضية وللشعب استطاعوا صناعة هذا الخلط و تعزيزه في المصطلحات و المفاهيم  المتداولة , وخلق فجوة بين الشعب و بين الفصائل و بين السلطة و إدخالنا جميعاً في زوبعة الصراع , وذلك لأننا لم نحدد الصلاحيات ولم نقم بتعريف دور كل من المنظمة والسلطة والفصائل وأدوارهم الحقيقية داخل المجتمع الفلسطيني و القضية برمتها , ومتي يحتاج الوطن لدور كل واحد منهم , فمن يكن في المقدمة ومتي يتأخر لمصلحة الشعب حتي انشغلت مؤسسات الوطن و الفصائل في صراع  فكري و دموي وإعلامي و استبدادية , مستغلاً بعضهم سفسطائية المصطلحات والمشادات الكلامية و التقزيم لزيادة الفجوة و لتقديم نفسه أنه المخلص الحقيقي للشعب, دون انجاز حقيقي للوطن من حيث الاعمار والتطوير والانتشار على مستوي العالم  والرقي , وما زاد الامر تعقيداً هو الاجنحة السياسية لفصائل المقاومة التي ادخلت سلطات داخل السلطات , فتاهت البرامج و المفاهيم وعمت الشوفينية الحزبية , وأصبحت برامج إعلامية لقنوات فضائية اخبارية ليست محلية هي التي تقدم شهادات تزكية و تعريف لمؤسسات الوطن بل وتحدد مصلحة الشعب حسب رؤية الجهة الممولة للبرنامج  .

ولعل المتصفح للتاريخ سواء القديم أو الحديث يستغرب كيف تدمرت دول وشعوب بسبب الخلط في المفاهيم وتمرير مصطلحات جوفاء و عقيمة إنساق الجميع في ترديدها بلا وعى لتكن حقبة فكرية مغلوطة مرت كما يمر الماء تحت القش , ولتسقط هذه الحقبة الزمنية من تاريخ الشعب رغم أنها كانت القاسمة والسبب الحقيقي لضياع  اجيال متعاقبة .

وحتى نحدد المفاهيم السليمة ونضعها في مواقعها الصحيحة سواء للأشخاص أو المواقف فأننا يجب علينا أن ننظر للأمور نظرة متجردة من العواطف والمصالح , وعلينا أن لا نقارن الساسة بالعسكر فالساسة يرسمون الابتسامات و يتحكمون بعواطفهم ودائماً لهم نظرة برجماتية في التعامل مع القضايا وينظرون من منطلق دولي , أما العسكريون صارمون ليس لهم إلا وجه واحد ونظرة واحدة للقضايا وخططهم لا تفهم لغة الحوار أو السلام .

فنحن كشعب محتل لدينا حكومات متعددة تتحكم بكل مواطن وسياسي فلسطيني داخل الوطن وخارجه, وتتحكم بسقف تطلعاتنا ومطالبنا وقوتنا السياسية و العسكرية ومواردنا الاقتصادية , أستوجب علينا إن كنا فعلاً صادقين مع أنفسنا ونحترم قضيتنا وتاريخ شعبنا وشهدائنا ونحلم بتحرير أسرانا وبناء وطن وجيل سليم فكرياً واقتصاد وسياسة داخلية وخارجية و خطة للتعامل مع المحتل , علينا بالتدرج و توزيع المهام واحترام الانسان الفلسطيني اولاً و احترام قادتنا و تاريخهم دون مزاودة فكل حقبة لها ظروفها, وعلينا احترام جميع احزابنا و لجم المتسلقين و المتطاولين, وأن نحدد ونعرف دور كل مؤسسة و حزب داخل الوطن و مهامه و وظيفته الحقيقية دون خلط بالمفاهيم أو استغلال الانانية الحزبية , وحتي يكن ذلك علينا وضع برنامج او دستور يراعي وضعنا الفلسطيني كشعب محتل نادر الموارد و يراعي الظروف الداخلية للدول العربية و الاسلامية دون التعويل عليهم , و يلزم جميع أطياف الشعب ومؤسساته ويتيح للساسة القدرة على المناورة وايضا لا ينكر حق فصائل المقاومة ويليق بحجم تضحيات شعبنا , وذلك بالحوار الهادف و البناء للوصول للنضج الفكري و الابداع و الجرأة الذي يجلي الحقيقة كالشمس الناصعة في رابعة النهار و تفضح غربال المحتل .


محمد أبو ناموس

ايميل

[email protected]