انطفأ سراج أبو بكر
بعد قرابة قرن من الزمان يرحل عنا الكاتب الأكثر شهرة بين المسلمين الغربيين الذي سطر أهم كتاب عن حياة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام" حياة محمد : بالاعتماد على أقدم المصادر التاريخية" والذي يعتبر بوابة ينفذ إليها كل غربي يريد الاطلاع على حياة النبي محمد.
مارتن لينغز ـ كما يحلو للغربيين منادته ـ أو أبو بكر سراج الدين ـ كما يحلو للمسلمين الغربيين منادته ـ يعتبر من أهم الكتاب بل من أهم الأكاديممين الغربيين الذين قدموا للغرب مادة معرفية ضخمة عن التراث الإسلامي ومذاهبه العرفانية، وشهرة هذا العالم الإسلامي أو "سيد الروحانية" ـ كما وصفته شوشا غوبي في جريدة الاندبندنت ـ أتت من نواحي متعددة:
• الكاتب الأشهر للسيرة النبوية المعروفة باسم " حياة محمد : بالاعتماد على أقدم المصادر التاريخية" حيث أن كتابه هذا يعتبر دليلا لا بد لكل غربي أن يطلع عليه إذا أراد أن يعرف شيئا عن الإسلام.
• يعتبر حلقة من أهم حلقات المدرسة الإشراقية الغربية أو " الحكمة السرمدية بالمفهوم اليوناني" في بريطانيا، حيث يعتبر من أهم المنظرين لهذه المدرسة الإشراقية بعد أستاذه "فريتشه شوان" أو " عيسى نور الدين" السويسري الأصل، وهذا الأخير يعتبر أهم منظر على الإطلاق لهذه المدرسة التي لايتجاوز عمرها أكثر من قرن من الزمان ( أي مع بدايات القرن العشرين ) التي ابتدأت بمؤسسها "رينيه غينون" أو الشيخ "عبد الواحد يحيى " الفرنسي الأصل ، حيث يعتبر رينيه غينون في عرف هذه المدرسة المؤسس الحقيقي، ولكنه لم يتولى الإرشاد فيها بمعناه الصوفي؛ لانشغاله الكبير بمؤلفاته التي تربو على ثلاثين مؤلفا ، والتي تدور أغلبها حول تحطيم مذهب الحداثة الغربي، والرجوع بالناس وتنويرهم بحقائق العرفان والإشراق ، وقد ترجم له حتى الآن إلى العربية كتاب واحد بعنوان " مدخل عام إلى دراسة النظريات الهندوسية" ، ولكن تلميذه فريتشه شوان هو الذي أخذ الصيت الأكبر؛ كونه انتقد كتب أستاذه أولا، وثانيا: كونه أصبح مرشدا عرفانيا له شهرته الواسعة في الغرب ، والذي يوصف من قبل أتباع مدرسته بأنه ثلاثي البعاد مقابل شيخه الذي يوصف بأنه ثنائي الأبعاد وقد ألف أكثر من أربعين كتابا ترجمت إلى لغات عدة ،وقد ترجم له كتاب واحد إلى العربية بعنوان " الإيمان والإسلام والإحسان في مقارنة الأديان"
• تولى أمانة المخطوطات العربية في المتحف البريطاني
• مرجع الموسوعة البريطانية "بريتانيكا" الذائعة الصيت، حيث كان مرجع هذه الموسوعة في القضايا العرفانية الشرقية ، وقد كتب فيها مقالات عن التصوف الإسلامي.
• يعتبر من أهم الدعاة الذين ينادون بمرجعية الروحانية عند شكسبير، وأن شكسبير كان صاحب منحى عرفاني إسلامي ، وقد أخذت هذه المسألة أبعادا بين أوساط المثقفين الغربيين والإسلاميين في بريطانيا وخارجها
ولد مارتن لينغز في شمال انجلترا في مدينة "لانكشير" في عام 1909 ، عاش في بداية حياته مسيحيا بروتستانتيا ثم تحول إلى الماركسية وبقي هكذا خمس سنوات ، وفي سنة 1938 اعتنق الإسلام ، وقد عاش في مصر مدة أربعة عشر عاما، وحاضر في جامعة القاهرة في قسم الأدب الانكليزي، ثم أكمل بقية حياته في بريطانيا حيث حصل على دكتوراه في اللغة العربية من جامعة لندن، وعين منذ سنة 1955 مساعدا لرئيس الشؤؤن بقسم الدراسات والكتب الشرقية المطبوعة والمخطوطة في المتحف البريطاني، ثم أمينا للمخطوطات.
من أهم مؤلفاته:
الشيخ أحمد العلوي مجدد القرن العشرين: حيث يعتبر الكتاب فريدا في موضوعه، فهو الكتاب الوحيد المكتوب باللغة الانكليزية عن حياة الشيخ أحمد العلوي
المعتقدات البالية والخرافات العصرية
شكسبير في ضوء الأدب المقدس
الساعة الحادية عشر
النماذج والطراز
عجائب القرآن الكريم
بالإضافة إلى كتب ومقالات عديدة. واليوم وبعد قرابة قرن من الزمان انطفأ سراج أبو بكر مخلفا إرثا إسلاميا كبيرا. وإن كان هناك من تعليقات على رحيله فلا أهم من أن هذا الرجل يعتبر مجهولا في العالم العربي والإسلامي لا يكاد يعرفه إلا القليلون سواء على المستوى الأكاديمي أم على المستوى الإسلامي، يتضح ذلك من خلال محركات البحث العالمية على الانترنت حيث لا يجد الباحث إلا مقالة واحدة مكتوبة باللغة العربية عن حياته تناقلتها ثلاثة مواقع عربية، وإذا قارنا هذه النتيجة مع ما كتب عن مارتن لينغز باللغة الانكليزية سنجد أن هناك 12600 نتيجة مؤهلة لزيادة كبيرة بعد رحيله (كعادتنا في تعاملنا مع الأموات) ، وإن كان هذا الأمر يدل على شيء فإنه يدل على القطيعة المعرفية الكبيرة التي تراكمت بين العالمين العربي و الغرب والتي تعتبر شاهد عيان على الحالة المظلمة التي جسدها كابلينغ في مقولته المشهورة " الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا" فقد جسد في مقولته هذه حالة القطيعة في الأنظمة والمناهج المعرفية، وهنا نشاهد مصداقا محسوسا على هذه القطيعة بكل أبعادها المعرفية والاجتماعية والعرفانية
انطفأ سراج أبو بكر بقلم: محمد عصام عيدو
تاريخ النشر : 2006-03-24