الحق في التعليم في ضوء المواثيق الدولية بقلم:د. فادي علاونه
تاريخ النشر : 2016-06-25
يعتبر الحق في التعليم من الحقوق الأساسية التي كفلتها جميع المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية، وقد وردت في ذلك عدة مواد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وغيرها من مصادر القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان. ولعل أهمية الحق في التعليم تكمن في دور الحق في التعليم في تمكين وتقوية الحقوق الأخرى. فبدون التعليم الكافي والمناسب لا يستطيع الإنسان أن يعرف حقوقه الأخرى ولا أن يميز حالات انتهاك حقوق الإنسان، ولا يمكنه أن يدافع عن تلك الحقوق . هذا الى أن خصوصية الحق في التعليم تتيح للشخص أو لأولياء أمره الحرية في اختيار نوع التعليم الذي يلائمه، وتتيح للأفراد والجماعات إنشاء مؤسسات تعليمية خاصة تتوافق مع توجهاتهم الدينية والفكرية على أن تخضع لمعايير دنيا من الرقابة والمتابعة من قبل أجهزة الدولة. ومن هذا الأساس ومن هذه القضايا اعتبر الحق في التعليم موضوعا عاما وخاصا في آن واحد، وجعلت من أمر رصد مؤشرات الحق في التعليم أمرا حساسا وبالغ الأهمية لأنه ينظر للخاص والعام ويرصد الالتزامات الرسمية في ظل وجود خيارات شخصية.
ويعرف الحق بالتعليم بأنه حق الافراد في التعليم وتعليم غيرهم بما يعرفون أو يعتقدون ويشكل الحق في تعليم الآخر مظهرا من مظاهر حق الافراد في نقل آرائهم والتعبير عنهم ، بحيث يشمل الحق في التعليم مجالات حرية التعليم والحريات الأكاديمية التي اصبحت تشكل جزءاً هاما من قانون حقوق الانسان المعاصر . ويكتسب الحق في التعليم اهميه كذلك باعتباره تمرين لحقوق الانسان، فالتمتع واستخدام الحقوق الاخرى وحتى التعرف على حقوق الانسان المختلفه السياسيه والمدنيه مثل الحق في الحصول على المعرفه وحق التعبير عن الرأي والتجمع وحق التصويت والانتخاب وغيرها من الحقوق السياسية الاخرى يتطلب حدودا دنيا من التعليم للاستفادة منها . أي بلغه اخرى لا يمكن ممارسة هذه الحقوق من قبل المواطنين دون معرفه دنيا من القراءة والكتابه. وهذا الحال نفسه ينطبق على الحقوق الاقتصاديه والاجتماعيه والثقافيه مثل حق اختيار العمل وتشكيل النقابات والمشاركه في الحياه الثقافيه والوصول للتعليم العالي على اساس الامكانيات المتاحه, وهذا كله بحاجه الى حدود معينه من التحصيل العلمي الاساسي .

ولقد شغل الحق في التعليم اجماعا كبيرا بين الدول الاعضاء في الامم المتحده , بحيث أن غالبيه النصوص والمواد التي تتعلق في هذا الحق لم تلقى معارضه او تحفظ من الدول المصادقه على المواثيق والاتفاقات الدوليه المختلفه التي تطرقت لهذا الحق . اما النصوص الوارده في المواثيق والمعاهدات الاخرى المتعلقه بحقوق اخرى غير التعليم فقد تم التحفظ عليها او على بعض نصوصها من قبل بعض الدول بحجج ومبررات مختلفه مثل الخصوصيه الثقافيه والظروف السياسيه او ضعف الامكانات البشريه والماديه . ويعود هذا الاجماع الدولي بأعتبار الحق في التعليم حق انساني ملازم مع تطور شخصية الفرد في المجتمع بحيث لا يمكن فصل التعليم عن مراحل تطوره الفكريه , لأرتباط هذا التطور بالتقدم العلمي المتسارع , وأن ممارسة الحق في التعليم في المحصله النهائيه تعود بالمنفعه المباشره على الدوله ككل ولا تضر بمصالح النظام السياسي بشكل مباشر . كما أن الحق بالتعليم اذا ما م تعميمه على المستوى الدولي فأنه سيشكل بالضروره وسيله مهمه لتعليم حقوق الانسان على مختلف المستويات الاقتصاديه والاجتماعيه والثقافيه والسياسيه ، وبالتالي خلق ثقافه عالميه لحقوق الانسان تتمتع بتباين اقل بين الشعوب على مستوى المعرفه والتطور المرتبط بها .
ومن هنا اتفقت 171 دوله شاركت في المؤتمر الدولي لحقوق الانسان الذي عقد في فينا عام 1993 على ان تشمل مناهج التدريس الخاصه بكل دوله مبادئ القانون الدولي الأنساني والديمقراطيه وحقوق الانسان ليس فقط في المؤسسات الحكوميه وأنما الاهليه على حد سواء .
أولا:- الحق في التعليم وفق الاعلان العالمي لحقوق الانسان .
بتاريخ 10 كانون الاول 1948م اقرت الجمعيه العامه للأمم المتحده الاعلان العالمي لحقوق الانسان , والذي اصبح يشكل احد اهم الوثائق الدوليه المتعلقه بحقوق الانسان بشكل عام ، فقد اعتبر الفقهاء وخبراء القانون الدولي هذا الاعلان يشكل قانونا عرفيا ومرجعيه قانونيه في اجهزة ومنظمات الامم المتحده , على اعتبار ان كثير من الاتفاقات والمعاهدات الدوليه اللاحقه والصادره عن الجمعيه العامه قد تبنت مضامين وروح الاعلان العالمي لحقوق الانسان في نصوصها وموادها المختلفه .
وبطبيعة الحال اولى الاعلان العالمي لحقوق الانسان الحق في التعليم اهتماما واضحا في مواده حيث اشار في المادة السادسة والعشرين منه الى ( لكل شخص الحق في التعليم , ويجب ان يوفر التعليم مجانا على الاقل في مرحلته الابتدائيه والاساسيه ويكون التعليم الاساسي الزاميا . وأن يكون التعليم الفني والمهني متاحا للعموم(ويؤكد الاعلان العالمي على ان حق التعليم يجب ان يستهدف التنميه الكامله للفرد, وأن يعزز التفاهم والتسامح والصداقه بين جميع الامم وجميع الفئات العنصريه والدينيه وأن يءكد على الانشطه التي تعزز حفظ السلام ) .
كما وتضيف الفقره الثالثه من نفس الماده على ان للآباء سبيل الاولويه في اختيار نوع التعليم الذي يقدم لأولادهم وذلك باعتبار ان حرية التعليم هي حق لكل انسان يخضع لغيره من الحريات الاساسيه في الدوله التي يعيش فيها الفرد بهدف حماية حقوق الانسان وتحقيق المصلحه العامه للناس .
وعند تحليل هذه الماده يتبين بشكل واضح ان الحق في التعليم لا بد ان يتمتع به كل مواطن بصرف النظر عن امكانات المواطن الماديه , حيث اجبر الاعلان الدولي الاعضاء في الامم المتحده وبالتالي الدول المصادقه على الاعلان بأن توفر التعليم الاساسي على الاقل لمواطنيها مجانا وبالتالي ضمان حصول كافة الاطفال على حقوقهم في التعليم , ولا يوجد أي مانع ان تكون مجانية التعليم لمراحل متقدمه اخرى , ويجب ايضا ان يكون التعليم الفني والمهني متاحا للجميع بحيث يشكل هذا الحق في الحصول على التعليم المهني والتقني على ارضيه جيده لتعزيز التنميه في الدوله بالتالي رفع مستوى المعيشه للمواطن بعد اكتسابه مهارات اساسيه توفر له فرص عمل محترمه .
ومن جانب اخر , ربط الاعلان العالمي لحقوق الانسان في التعليم في قضية التنميه , أي بمعنى ان يستثمر المجتمع الدولي هذا الحق في تعزيز عملية التنميه , من خلال توفير المناخ المناسب للحصول على المعرفه والمعلومات التي تساعد الفرد على امتلاك المهارات اللازمه لخدمة بلده ومواطنيه عن طريق تطبيق المعارف التي اكتسبها في وضع الخطط والسياسات التنمويه لوطنه , وبالتالي تجسيد حقه في ادارة شؤون البلاد وهو ذات الحق الذي تم تأكيده في العديد من المواثيق والعهود الدوليه ومنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان . كما حرص الاعلان ان تقوم العمليه التربويه بأقطابها المختلفه, الادرايه والمعلمين ومنهاج التعليم , على تعزيز مبادئ التفاهم والتسامح والتعاون واحترام حقوق الانسان , وبالتالي خلق ارضيه مشتركه وعريضه متفق عليها بيتن الدول الاعضاء في المنظمه الدوله ومن هنا يكتسب المنهاج التربوي للعمليه التربويه اهميه كبيره, اما في تعزيز مبادئ الديمقراطيه وحقوق الانسان, او في الوقت نفسه ان تكون معيقه لنشوء تلك المبادئ . فالعمليه التربويه اذن ليست محايده اتجاه تعزيز مبادئ حقوق الانسان لأرتباطها بصناع القرار والسياسيين في الدوله .
وبناء على ما سبق فأن الدوله لها الحق الكامل ومن خلال وضع تشريعات خاصه ان تفرض رقابتها على العمليه التربويه والقائمين عليها, حتى تضمن عدم الاعتداء على حرية الافراد الماديه والمعنويه أو العقليه ، ولكن هذا لا يعني بأي شكل من الاشكال ان تقوم الدوله بفرض مناهج تدريس تعادي فيه مذهب معين او جماعه سياسيه او عرقيه معينه لان واجبها كما سبق وذكر ان تعمل للمصلحه العامه واحترام حقوق الانسان وتعزيز مبادئ التسامح والصداقه والسلم , وبصرف النظر عن العرق او اللون او الاصل او الجنس .
ثانيا:- الحق في التعليم وفق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
اما العهد الدول الخاص بالحقوق الاقتصاديه والثقافيه والاجتماعيه الصادر عن الجمعيه العامه للأمم المتحده لعام 1966م , فقد اكد على الحق في التعليم كما ورد في الاعلان العالمي لحقوق الانسان مع اعطاء أهمية لربط عملية التعليم في التنميه، فقد طلب الاعلان من الدول الاطراف فيه تبني الحق في التعليم حيث ورد في المادة "13" منه على :-
1. تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم. وهي متفقة علي وجوب توجيه التربية والتعليم إلي الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية والحس بكرامتها وإلي توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وهي متفقة كذلك علي وجوب استهداف التربية والتعليم تمكين كل شخص من الإسهام بدور نافع في مجتمع حر، وتوثيق أواصر التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الأمم ومختلف الفئات السلالية أو الإثنية أو الدينية، ودعم الأنشطة التي تقوم بها الأمم المتحدة من أجل صيانة السلم .
2. وتقر الدول الأطراف في هذا العهد بأن ضمان الممارسة التامة لهذا الحق يتطلب:
أ. جعل التعليم الابتدائي إلزامياً وإتاحته مجاناً للجميع .
ب. تعميم التعليم الثانوي بمختلف أنواعه، بما في ذلك التعليم الثانوي التقني والمهني، وجعله متاحاً للجميع بكافة الوسائل المناسبة ولاسيما بالأخذ تدريجياً بمجانية التعليم.
ج. جعل التعليم العالي متاحاً للجميع علي قدم المساواة، تبعاً للكفاءة، بكافة الوسائل المناسبة ولاسيما بالأخذ تدريجياً بمجانية التعليم .
د. تشجيع التربية الأساسية أو تكثيفها، إلي أبعد مدى ممكن، من أجل الأشخاص الذين لم يتلقوا أو لم يستكملوا الدراسة الابتدائية .
هـ. العمل بنشاط علي إنماء شبكة مدرسية علي جميع المستويات، وإنشاء نظام واف بالغرض، ومواصلة تحسين الأوضاع المادية للعاملين في التدريس.
3. تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في اختيار مدارس لأولادهم غير المدارس الحكومية، شريطة تقيد المدارس المختارة بمعايير التعليم الدنيا التي قد تفرضها أو تقرها الدولة، وبتأمين تربية أولئك الأولاد دينياً وخلقياً وفقاً لقناعاتهم الخاصة.
4. ليس في أي من أحكام هذه المادة ما يجوز تأويله علي نحو يفيد مساسه بحرية الأفراد والهيئات في إنشاء وإدارة مؤسسات تعليمية، شريطة التقيد دائماً بالمبادئ المنصوص عليها في الفقرة 1 من هذه المادة ورهناً بخضوع التعليم الذي توفره هذه المؤسسات لما قد تفرضه الدولة من معايير دنيا".
وتجدر الإشارة في هذا السياق الى ان العهد الدول الخاص بالحقوق المدنيه والسياسيه والعهد الدولي الخاص بإزالة جميع اشكال التمييز العنصري , والعهد الدولي الخاص بإزالة جميع اشكال التمييز ضد المرأه , واتفاقية حقوق الطفل اكدت في نصوصها على الحقوق الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصاديه والاجتماعيه والثقافيه ونعني هنا الحقوق في التعليم .
ويبرز الحق في التعليم بشكل اوضح من بين العهود والاتفاقات المذكوره اعلاه في اتفاقية حقوق الطفل التي اقرت من قبل الجمعيه العامه في العام 1959 م والتي تضمنت الحق في التعليم للطفل في المادة 29 فقرة ب . وقد سبق اتفاقية حقوق الطفل اعلان حقوق الطفل والذي اكد في البند السابع منه على ( ان للطفل حق في تلقي التعليم الذي يجب ان يكون مجانيا والزاميا في مراحله الابتدائيه عل الاقل , وأن يستهدف رفع ثقافة الطفل العامه وتمكينه على اساس من تكافؤ الفرص من تنمية ملكاته وشعوره بالمسؤوليه الادبيه والاجتماعيه ومن ان يصبح عضوا مفيدا في المجتمع) .
ثالثا :- الحق في التعليم وفق المنظمات الدولية والإقليمية
بالاضافه الى الاتفاقات والعهود المختلفه التي صدرت مباشره عن الامم المتحده او اجهزتها ذات العلاقه في الحق في التعليم , حاولت المنظمات الدوليه والاقليميه ان تعتمد الحق في التعليم في مواثيقها بأعتبار ان هذا الحق ليس حقا فرديا وانا احد الحقوق التي تعمل على توثيق وترسيخ العلاقه بين الدول الاعضاء في الميثاق على المستوى الحضاري والثقافي وحتى المعرفي , وعليه فأننا سنتناول المنظمات التي تتطرقت لهذا الحق كما يلي :
1- الاتفاقيه المتعلقه بمكافحة العنصريه في التعليم ،حيث تعهدت الدول الاطراف في الاتفاقيه على ما يلي :
• الغاء أي نصوص او اوامر اداريه تنطوي على التمييز في التعليم
• ان تضمن بسن قوانين وتشريعات اذا لزم الامر انه لا يوجد تمييز في قبول الطلاب في معاهد التعليم
• الا تسمح – بالنسبه لأي شكل من اشكال المساعدات التي تمنحها السلطات العامه للمؤسسات التعليميه – بأية قيود او تفصيلات تقوم فحسب على اساس انتماء الطلاب لجماعه معينه.
• ان تمنح الرعايا الاجانب نفس الحق في التعليم التي توفره للمواطنين الاصليين .
2- الميثاق الاوروبي لحقوق الانسان:
ركز الميثاق في المادة 2 من الملحق رقم 1 على حق حرية الوالدين في تعليم اولادهم المثل والمعتقدات التي ينتمون اليها . اما الميثاق الاوروبي الاجتماعي لعام 1961 والملحق الاضافي لعام 1988م قد اعتبر الحق في التعليم وبكافة مجالاته ومنها التعليم المهني لما له من اهميه في تطوير الفرد .
وبشكل متشابه فأن الاعلان الخاص بالحقوق والحريات الاساسيه الذي اقره البرلمان الاوروبي في العام 1989 قد ركز في المادة "16" منه على حرية التعليم والوالدين في تعليم اولادهم . وهذا ما ينسجم ايضا مع ميثاق المجموعه الاوروبيه الخاص بالحقوق الاجتماعيه الاساسيه للعمال في اوروبا وفق الماده 15 منه .
3- الميثاق الافريقي لحقوق الانسان :
ركز الميثاق الافريقي في المادة 17 رقم 3 منه بالاضافه الى الحق في التعليم من خلال التزام الدول الافريقيه في المواثيق والمعاهدات الدوليه على واجب الدول الاعضاء والموقعه على الميثاق في تعزيز وحماية القيم التقليديه والاخلاقيه المتعارف غليها , ذلك بالطبع من خلال العمل على توفير منهاج تربوي يرسخ هذه القيم والاخلاق .

ومن جهه اخرى كفل اعلان القاهرة لحقوق الانسان في الاسلام الذي اقرته منظمة العمل الاسلامي في العام 1999, حق كل انسان في الحصول على التعليم والتعليم الديني , وذلك في المواد "7،9" ، اضافة الى أن يعمل التعليم على تطوير شخصيه الفرد وتعزيز ايمانه بالله . كما اعتبر الاعلان مبادئ الشريعه الاسلاميه واحترام القيم والعادات الخاصه للمجموعات الأثنيه والعرقيه هي مبادئ يجب احترامها والمحافظه عليها .