اللسانيات في المفهوم الغربي والعربي بقلم:حسام مصلح
تاريخ النشر : 2016-06-11
اللسانيات في المفهوم الغربي والعربي

         علم اللغة ويسمى ايضا باللسانيات وهو علم يدرس لغة الانسان و خصائصها وتراكيبها ودرجة التشابه والاختلاف فيما بينها. اللسانيات كعلم تعد علما قديما قدم الانسان اما اللسانيات الحديثة فقد ظهرت في القرن التاسع عشر بفكرة رئيسة من العالم الفرنسي دو سوسيور الذي أراد علمنة اللغة أيضا مع علمنة الثورة الصناعية في كتابه (محاضرات في اللسانيات العامة) فاللغة عنده تحمل هويات من القيم، الدين، المحيط، الثقافة، الفكر الفلسفي.

         تنقسم اللسانيات إلى قسمين رئيسينة وهما : دراسة شكل اللغة أو ما يعرف ببنية اللغة، ودراسة معنى اللغة أو ما يعرف بعلم الدلالة.

- بنية اللغة 1

         هذا القسم يهتم بدراسة تركيب اللغة؛ أي القواعد، و يتكون من المورفولوجيا (دراسة مكونات الكلمة) والسينتاكس (دراسة مكونات الجملة)  وعلم الاصوات (دراسة أصوات الكلام وكيفية نطقها وملاحظتها) والفونولوجيا (دراسة خصائص المقاطع وترتيب الأصوات).

2- المعنى

         القسم الثاني يهتم بشرح كيفية استخدام اللغة لبعض التراكيب والكلمات للتعبيرعن معنى معين، وذلك بهدف إزالة الغموض المحتمل من استخدام تراكيب أخرى. وهذا القسم يتكون من السيمانتكس (شرح معنى الكلمات والمفاهيم) والبراغماتيكس (شرح اختلاف معنى الكلمات من سياق لآخر)[1].

        يجمع اللسانيون اليوم على أن علم اللسانيات، علم معياري (Prescriptive) أي أنه يبحث في جوانب الصواب و الخطأ في استعمال المفردات من حيث الدلالة و البنية ، وليس علما وصفيا (Discriptive) يصف المادة اللغوية في ذاتها دون البحث عن الصواب و الخطأ في الاستعمال .

    أما الموضوعـات التي كانـت تدل عليها مصطلحات ” اللسانيات“ أو ” علم اللغة“ أو ” علم اللغات “ فتتمثل فيما يلي :

 
                                 1 –  جمع المادة اللغوية المتمثلة في المفردات و ترتيبها

                                 2 –  عمل المعاجم و بعض الرسائل اللغوية في تنظيم المادة.

                                 3 –  دراسة نص الجوانب (صوتية، صرفية ، إشتقاقية).

                                 4 – معرفة اللهجات العربية القديمة و الفروق بينهما.

                                5 – البحث في نشأة اللغة .

اللسـانيات في المفهوم العربي :

         يعد هذا المصطلـح من المصطلحـات النادرة الإستخدام في الدلالة على الدراسة اللغة في التراث اللغوي العربي، و يعـد ” الفارابي“ (ت 339 هـ) أقدم من إستخدمه في كتابة ” إحصاء العلوم “ و الذي قسمه إلى خمسة فصول و هي :

                   1 – في علم اللسان و أجزائه

                   2 – علم المنطق و أجزائه

                   3 – في علوم التعاليم (العدد ، الهندسة ، علم المناظر ...) .

                   4 – في العلم  الطبيعي و أجزائه .

                   5 – في العلم المدني و أجزائه و في علم الفقه و علم الكلام .[2]

        نلاحظ أن الفارابي قد وضع في مقدمة هذه العلوم ” علم اللسان “ كأنما هذا العلم عنده هو مفتاح العلوم الأخرى واهمها.

           يبين الفارابي ان علم اللسان عند كل أمة ينقسم سبعة أجزاء عظمى: علم الألفاظ المفردة، علم الألفاظ المركبة، علم قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة، وقوانين الألفاظ عندما تركّب, وقوانين تصحيح الكتابة، وقوانين تصحيح القراءة وقوانين تصحيح الأشعار.
          لعل هذا من النصوص النادرة في التراث العربي، التي تعرض بصورة صريحة مصطلح ” علم اللسان”، بهذا التفصيل. وقبل أن يتناول الفارابي أقسام علم اللسان، يحدّد مـجاليْه الواسعين اللذين تنطوي تحتهما كل الأقسام التي يفصلها بعد ذلك؛ فعلم اللسان قسمان واسعان:
1- حفظ الألفاظ الدالة عند أمة ما وما يدل عليه شيء منها؛ أي معرفة الجانب المادّي للغة والإحاطة بثروتها اللفظية، دوالها ومدلولاتها. ويمكن أن نجمل هذا القسم الأول في دراسة اللغة، في: مادة اللغة أو بنيتها.
2- معرفة قوانين الألفاظ في لغة ما؛ أي الإحاطة بنظام اللغة وقوانينها الصوتية، الصرفية، النحوية والدلالية. ويلخّص هذان القسمان طبيعة اللغة البشرية في أنها مادّة ونظام، وعلى عالم اللسان الإحاطة بمعرفة المادّة (الدّوالّ والمدلولات) ومعرفة النظام (القواعد والقوانين).[3]
         هذا من حيث طبيعة العلم (علم اللسان)، وما الذي ينبغي أن يحيط به. ثم ينتقل الفارابي بعد ذلك إلى تحديد العلوم الفرعية التي تُدرَج ضمن علم اللسان، بقسميه المذكورين، ويجعلها سبعة علوم عظمى.
وقبل تفصيل هذه العلوم، ينبغي الإشارة إلى ما في قوله (وعلم اللسان عند كل أمة) من دلالة على عالمية العلم وشموله كلّ ما يميز اللغة البشرية، وهو في هذا المنطلق لا يختلف عما قامت عليه اللسانيات
الحديثة من تعميم أسسها العلمية على مختلف اللغات البشرية، وبذلك كانت اللسانيات علما عامّا لا يخصّ لغةً بعينها، بقدر ما تقوم مفاهيمه على خصائص اللغة الإنسانية (البنية، النظام، العلامة، الدال والمدلول، الاستبدال والتوزيع...). وكذلك، لا يجعل الفارابي أقسام علم اللسان المذكورة مقتصرة على لغة ما ولكنها أقسام (علمية) لا تخلو منها أي لغة :
أ – علم الألفاظ المفردة : هو علم يتناول دراسة الألفاظ مفردةً، فيقف على تحديد دلالتها الإفرادية ومجال استعمالها. ويمكن أنه يُصنّف –بحسب القسمين المذكورين- في القسم الأول، كما أنه يمكن أن يقابل حديثا ما يعرف بـ علم المفردات Lexicology))
ب – علم الألفاظ المركبة : يتناول دراسة الألفاظ مركبةً، فيقف على تحديد دلالتها التركيبية ومجالات استعمالها، وهو أيضا يتبع للقسم الأول المتعلق بمعرفة الجانب المادّي للغة.
ويمكن أن يمثل مجموعُ القسم الأول (علم الألفاظ المفردة وعلم الألفاظ المركبة) ما يُعرف حديثا بـ علم الدلالة semantics))؛ حيث إنه يتناول دراسة المعنى دون تمييز بين معنى إفراديّ أو معنى تركيبي.
هذا فيما يتعلق بالأقسام التي تتبع للقسم الأول، أما بقية الأقسام، فيبدو أنها ضمن القسم الثاني جميعا، لاحتوائها على لفظ (قوانين)، نحو:
جـ – علم قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة : والاختلاف بين هذا القسم والقسم السابق، في لفظ (قوانين)؛ حيث يجعلها ضمن معرفة النظام لا معرفة المادة، ويتناول هذا العلم قوانين بنية اللفظ المفرد وقواعده، ويقابله حديثا علم الصرف الذي يدرس بنية الكلمة دراسة إفرادية، فيقف على خصائصها الصرفية  (Morphology).
د- علم قوانين الألفاظ عندما تركّب: يتناول قواعد التراكيب ونظام ائتلاف الوحدات اللغوية فيما بينها، ويقابل حديثا علم التراكيب (syntax).
هـ- علم قوانين تصحيح الكتابة: موضوعه الكتابة ورسم الحروف والكلمات ونظام الخطّ في اللغة، وهو علم زهد فيه الناس اليوم، ولم يعد ذا أهمية ضمن مدوّنة العلوم اللغوية التي يُعنَون بها، و إن كانت الحاجة إلى معرفة قواعده لا تزال قائمة. ولعل من نتائج هذا الزهد في علم نظام الكتابة/ علم نظام الخطّ، ما نعيشه يوميا من هِنات كثيرة في رسم الهمز والتاء، ومواضع الألف، وحالات رسم بعض الكلمات،… و يشكو كثيرٌ من الناس –في العربية مثلا- قصورا في هذه المواضع، ولو كان هذا العلم قائما إلى جانب علم الصّرف والنحو، لزالت معظم هذه المشكلات.
و- علم قوانين تصحيح القراءة: تشمل (القراءة) مختلف نواحي الأداء اللغوي والنطق بالأصوات. ولذلك يُقترح هذا العلم ليكون مقابلا لـ علم الأصواتphonetics)) حديثا، على ما في تسمية (قوانين تصحيح القراءة) من تجاوز للأداء الصوتي الموضوعي، إلى الأداء الفني والوظيفي للغة؛ فليس النطق مقصورا على الصوت وحده، بقدر ما هو نطق للغة وتمـثُّـلٌ لحالات دلالاتها المتعددة. و بذلك فالتسمية (قراءة) تكون أكثر إحالة على نطق اللغة وأدائها.
ز- قوانين تصحيح الأشعار: هو سابع أقسام علم اللسان عند الفارابي، وموضوعه تصحيح الأشعار وأقترح لهذا القسم تسمية علم (الصناعة الأدبية)، ويمكن أن يشمل علم العروض مثلا (في الشعر)، وعلم البلاغة بمختلف أقسامها، وكل ماله علاقة بقواعد صناعة الأدب.
          إذا ما نظرنا إلى هذه الأقسام السبعة نظرة رأسية، يمكن أن نحدد منها أربعة أقسام، هي (علم الدلالة، علم التراكيب، علم الصرف، علم الصوت ) وهي مرتبة من الكل إلى الجزء أو من العامّ إلى الخاصّ – وهذا موافق لمنهجٍ من مناهج البحث في العلوم عند القدماء- والعلوم الأربعة هذه، هي ما يشكّلُ مفهوم (علم اللسان) الحديث عند (دي سوسير).
و يُضاف إليها في مفهوم (علم اللسان) عند الفارابي قسمان آخران، هما: علم قوانين الكتابة وعلم قوانين الصناعة الأدبية.

        عند مقارنة هذا المفهوم بـ (علم اللّسان) في مفهومه الحديث اتضح الاتفاق في أنّ كلا من المفهوم العربي و المفهوم الغربي الحديث يقوم على مبدإ أن علم اللسان علمٌ شاملٌ لا يخصّ لغة بعينها، ويجتهد في تقديم مفاهيم عامة لمجموع أشكال اللغة البشريّة.
أما من حيث نقاط التباين فإن المفهوم العربي لـ (علم اللسان) أشمل وأوسع من المفهوم الحديث والمتمثل في فكرة العالم اللغوي دي سوسيور.


[1] فردينان دي سوسير: علم اللغة العام، ترجمة الدكتور يوئيل يوسف عزيز، مراجعة النص العربي د مالك يوسف المطلبي، العراق، بيت الموصل، 1988، ص 21.

[2] الفارابي (أبو نصر محمد بن طرخان): إحصاء العلوم، تحقيق عثمان أمين، القاهرة، 1931، ص18.

[3] الفارابي (أبو نصر محمد بن طرخان): إحصاء العلوم، تحقيق عثمان أمين، القاهرة، 1931، ص18.