توسع الجريمة في غزة بين الدوافع والمسئولية الأخلاقية والقانونية بقلم:د. عمرو أبو جبر
تاريخ النشر : 2016-05-17
الجريمة في المجتمع الفلسطيني بين الدوافع والمسئولية

تشترك الجريمة مع العنف في أنها أعمال غير أخلاقية وغير اجتماعية ويحاسب عليها القانون، وتنتشر بين المواطنين وتكون أسبابها اقتصادية بالدرجة الأولى وتزيد مستويات الجريمة لدى المواطن الذي لا يستطيع أن يسد احتياجاته ويلبيها فيصاب وقتها بالاضطراب النفسي، ويصبح غير قادر على التفكير السليم، ويسعى إلى الإنتقام والبحث عن وسائل لتأمين حوائجه من خلال الجريمة خاصة في المجتمعات النامية ومن بينها فلسطين.
وزدادت أعمال العنف والجريمة في المجتمع الفلسطيني خاصة بين شريحة الشباب في السنوات الأخيرة، فالبطالة والفقر يوفران الموطن والبيئة المناسبة التي تسمح بالجريمة، ويشترك الفقر مع الجريمة بمجموعة من الخصائص أهمها أنهما منتج اقتصادي، واجتماعي، وسياسي، وثقافي، ونفسي، فالعلاقة بين الجريمة والفقر علاقة توليد، حيث يوجد الفقر تولد الجريمة.
ومن العوامل الرئيسية لإنتشار الجريمة في المجتمع الفلسطيني ممارسات الاحتلال الإسرائيلي عن طريق فرض سلوك غير إنساني وعنف المستوطنين مع المواطنين الفلسطينيين خاصة الشباب في الوقت الذي يتراجع فيه الاقتصاد الفلسطيني الأمر الذي أدى إلى حالة من الغضب والإحباط لدى الشباب. ناهيك عن ضعف أداء السلطة في الضفة وغزة في توفير أبسط حقوق الشباب في المعيشة الكريمة الأمر الذي يجعلنا أمام مستقبل مخيف وبشع وملئ بحالات الانتحار أو حالات الاعدامات.
ويخشى من إرتفاع في نسبة الجريمة في فلسطين في الوقت الذي تتزايد فيه الاحتجاجات الشعبية، حيث زادت حالات الإنتحار خلال الفترة الأخيرة، ولجأ عدد من المواطنين إلى التعبير عن سخطهم بمحاولة إضرام النار في أجسادهم. ويمكن فهم توسع الجريمة في المجتمع الفلسطيني وإرتفاع وتيرتها في السنوات الأخيرة كنتاج لتوسع وتعمق الفقر نفسه، والجرائم لا تحصل في المجتمع الفلسطيني بصفتها فعلاً فردياً، بل هى تعبير الفرد عن أزمة إجتماعية.
كما يمكن اعتبار الجريمة وتصاعدها في المجتمع الفلسطيني شكلاً من أشكال التعبير المنحرف عن الاحتقان العام الذي يعيشونه المواطنين خاصة فئة الشباب وذلك لأسباب تتعلق بالبطالة والفقر والتي يعدا بمثابة رفض من المجتمع لهم، ويمكن أن ينتقل التعبير عن الرأي إلى العنف السياسي، فليس بالضرورة يبقى اتجاه التعبير فقط في الجريمة الجنائية لأنه من الممكن أن ينتقل إلى حقن المعارضة أو العنف السياسي.
والجدير بالذكر أن بيانات الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان أوضحت في تقريرها السنوي عام 2014 أن عدد القتلى في المجتمع الفلسطيني وصل إلى(168) حالة سجل معظمها لفئة الشباب وجاء أغلبها على خلفية الشجار بسبب الوضع الاقتصادي خاصة في ظل إنتشار البطالة والفقر وجاء في الترتيب الثاني قتل النساء على خلفية الشرف، وأن هذه النسب سوف تزداد بشكل كبير إذا ما تم وضع حلول تكفل مواجهة البطالة والفقر بالطرق العلمية وليس بالطرق القانونية فحسب عن طريق محاسبتهم بعد الجريمة بل المطلوب معاقبة من ولد الدافع والظروف المتردية لهؤلاء الأشخاص الذين أصبحوا كثر في هذه الآونة نتيجة إخفاقات الحكومة في الإدارة فهؤلاء الشباب يمكن أن يكونوا قدوة في مجتمع أخر آمن يحفظ لهم حقوقهم وكرماتهم.
الأمر الذي يدعونا إلى توجيه الاتهام إلى المؤسسات في موقع السلطة في الضفة وغزة وهيئاتها وأجهزتها التي لا تسعى لإيجاد حلول لمشكلات الفقر والجريمة والعنف فالمطلوب دراسة هذه المشكلات بشكل متعمق، وضرورة أن تعمل المؤسسات على استيراتيجية للتنمية وذلك لإيجاد حلول جدية وجذرية عن طريق العدالة الاجتماعية ووضع حد للفساد، والمساواة أمام القانون، وتتبع الفقر، والتثقيف والتربية، وإرساء العدالة الاجتماعية، والمساواة في الفرص والحظوظ، وضرورة أن تعمل الجهات ذات الاختصاص ببذل جهد أكبر لتخفيف العبء على كاهل المواطنين خاصة الشباب، ودعم السلع الأساسية، وإيجاد فرص عمل لهم.