منحنى الخطر بقلم: محمد محمود عمارة
تاريخ النشر : 2016-05-05
منحنى الخطر بقلم: محمد محمود عمارة


هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه و يفهمه ، سواء من الحكومة أو المعارضة أو من الثوار ، أو ممن يسمون أنفسهم ثواراً. إختلفت كل الأطياف و تصارعت على المكاسب السياسية ، لكنهم توحدوا على اتهام الشعب بمختلف الاتهامات حسب منظور كل فريق ، فهو الشعب الجاهل ، و هو عبيد و لاحسي البيادة وهو حزب الكنبة ، لكن لم يبذل أيهم جهداً يذكر لفهم أسباب أفعال و ردود أفعال هذا الشعب .
في يقيني ، الشعب هو رمانة الميزان التي حسمت الصراع السياسي في المراحل السابقة ، و بدون انحيازه لأي فريق فلا قيمة لهذا الفريق ، و لم يكن يصل لمبتغاه دون سند الظهير الشعبي . ظن البعض أنه السبب في نجاح ثورة 25 يناير ، و أخذه الوهم إلى اكتفائه الذاتي و عدم حاجته لأي طيف أخر للتأثير في العملية السياسية ، و ظن أنه بكوادره وحدهم قادر على التحكم في مفاتيح اللعبة و تغييرها ، لكن الأيام أثبتت عكس ذلك ، و وجد نفسه وحيداً مكشوف الظهر يتلقى الضربات من كل اتجاه ، لأن حساباته كانت خاطئة و أعماه غروره و غبائه عن تقدير حجم القوى الموجودة على الساحة و إغفال دور الشعب . و ظن الفريق الآخر أن مساندة الشعب له أعطته صكاً أبدياً على بياض يسوغ له فعل ما يحلو له حتى و لو كان على حساب هذا الشعب الذي وقف وراءه و سانده. الكل أخطأ الحساب ، و الكل تجاهل الشعب في لحظات انتصاره ، و الكل لم ينظر إلى احتياجات الناس الحقيقية و لم يراع ظروفهم و أدخل نفسه و البلد في موجة جدل سفسطائي فارغة لا علاقة لها بمشاكل الناس و احتياجاتهم و متطلباتهم من الغذاء و الكساء و الدواء و السكن و الكرامة المحفوظة و تكافؤ الفرص و العدالة الاجتماعية فكانت المحصلة أن تجاهلهم الشعب و تخلى عنهم في أشد لحظات احتياجهم إليه ، و كالعادة تكون رسائل هذا الشعب على شكلين : إما سورة غضب أو رسالة تخلي صامتة و لامبالاة. و الغضب عند الشعب بحساب ، إذا كان الغضب لن يصل بالبلاد و العباد حد الضرر فإنهم يثورون ، و يثورون بعد صبر و تحمل و إعطاء الفرصة تلو الفرصة ، أما إذا وصلت الأمور حد الخطر و منحناه فإن الناس يفضلون درء المفاسد على تقديم المصالح ، لذا لا تعجب إذا رأيت الشعب يثور و يغضب في يوم ثم لا يفعل في اليوم الذي يليه ، فهي رسالة بعثها إلى من يهمه الأمر أن احذرنا فنحن لم نمت أو نتبلد ، و في اليوم التالي حين يهدأ فهي رسالة لمن ظن أنه ملك مفاتحه أن اهدأ فنحن لسنا أداة في لعبتك لتصل لمبتغاك فنواياك مكشوفة و خطرك داهم و من يركبون موجتك وصلوا بنا لمنحنى الخطر ، فاهدأ فالسفينة تكاد تغرق بالجميع ، و هذا هو منحنى الخطر الذي يستشعره ذلك المواطن البسيط فيقف قبل أن يسقط فيه و يسقط الوطن معه. هذا المنحنى هو من جعل الشعب يقف خلف عبد الناصر حين قاد البلاد إلى أقسى هزيمة عسكرية عرفتها مصر في يونيو 67 بتركه قواتنا المسلحة في يد قيادات غير كفء و تقديمه الصداقة و العلاقة الشخصية على مصلحة البلاد. كان الشعب يعرف أن المطلوب سقوط البلاد و إدخالها في موجة الفوضى و هو الهدف الذي وضعته إسرائيل كنتيجة حتمية للهزيمة ، لكنها فوجئت بتماسك الشعب و تجاوزه المحنة على الرغم من مرارتها ، و وقوفه خلف قيادته ، وقف خلف القيادة لأنه وازن بين ضرر هزيمة و ضرر تفكك و انهيار وطن ، فاختار أن يعبر الهزيمة و يفوت الفرصة على عدوه ، و يعبر في الوقت نفسه عن غضبه لقيادته بطريقته ،محافظاً على بقايا الوطن .
يا سادة قبل أن تسبوا الشعب و تتهموه ، انزلوا من عليائكم و حاولوا أن تفهموه ، قدموا مصالحه على مصالحكم قبل أن تدعوا أنكم تتحدثون باسمه ، حافظوا على الوطن قبل أن تقامروا به في سيرككم السياسي فهو كل ما تبقى لهذا الشعب ، فلا يوجد شعب بلا أرض ، فشعب بلا أرض هم مجموعة من اللاجئين تتقاذفهم أمواج الهجرة و يلفظهم البشر و يقسو عليه من البشر أكثر مما يشفقون عليه.