النكوص الأدبي وتراجع القيم بقلم: حسين علي الهنداوي
تاريخ النشر : 2006-03-11
النكوص الأدبي وتراجع القيم

بين الرجوع للموروث، وموالاة الثقافة الأدبية الأجنبيةوقع الاديب في حيرة عميقة وتشطت شخصيته الأدبية ومن خلال تقليد النماذج، سواء أكانت القديمة أو الحديثة رقص الأدب رقصته الأخيرة وخرّ صريعاً على حلبة السقوط.

وانطلاقاً من ضرورة التأسيس على بنى "سليمة، وأعمدة متينة، وحتى لا تبدو سماء الأدب ذات فروج واسعة أو حتى لا تُخترق طبقة الأوزون القيمية ، لابد لنا أن ننطلق من منطلقات راسخة رسوخ الجبال الراسيات باحثين عن أدب حقيقي نموذجي يغرس في أعماق شخصياتنا بعداً إنسانياً عظيماً، يلامس أرواحنا ملامسة البلبل للزهر. ملامسة الشفاة العظيمة للماء العذب. أقول ذلك لأنني أخذت ألمس من خلال ما يصدره الشعراء الشباب وجود أدب يبدو كشبكات عنكبوتية، واهية البناء، سقيمة المعنى، فارغة القيم، تعتمد على لعب بهلواني في توزيع الألفاظ والصور، أدب مقلد للموروث في سقمه، ونحن نعلم علم اليقين أن في أدبنا الموروث ما هو مصاب بالإيدز والسرطان والخمج الدماغي، وأدب مقلد للأدب الأجنبي في صياغته، وطروحاته وفي هذا الأدب ما هو مصاب بالصرع والهلوسة والنكوس القييمي، فإن كلا الأمرين يبعث في نفس المتلقي التقزز والنفور.

نحن إذاً نبحث عن أدب حقيقي، أدب غير مقلد، وذلك لا يتأتى إلا بوجود تحضّرٍ في المبادلات الاجتماعية ورقي في القيم الإنسانية وسعي نحو تعميق فكرة أنسنة الإنسان، وإبعاده عن الذئبية والثعلبية والعدوانية، ذلك أن الأدب ما وجد إلا لتهذيب الروح وصقلها وإظهار عناصر اللطف والدماثة فيها، والروح كما نعلم جزء من لطف الله وروحه وكلمة الله التي هذبت حركة الكواكب وأجرت الأنهار مطمئنة وسلخت الليل عن النهار دون أن يشعر كلاهما بوجود الآخر.

وقد يتساءل المرء في عمق ذاته عما جعله يبحر في بحر من الألغام اللاخلقية المفخخة والتي زرعها الإنسان ككمائن لاصطياد أخيه الإنسان حتى جعلت الآخر المظلوم يسوّد الآلاف والملايين من الصفحات تعبيراً عن ظلمه، وأي ظلم أبشع من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان. وما أحوج المظلوم أن يعبر عن قيمة تجاه ظالمة بأدب خالد، أدب فعال، أدب راسخ، أدب يسهم في بناء القيم.

نحن إذاً أمام توجه جديد يلغي هذا التكدس الأدبي ويحول الأديب من فنان يحقق وجوده الذاتي إلى داعية مسؤول يصرخ بأعلى صوته أمام كل نكوص قيمي.

وحتى يتحقق لأدب هذا الأديب أن يكون خالداً لابد له من:

1- نبذ النفعية الأدبية المنعكسة فقط على ذات الأديب.

2- إلغاء موضوعات شعر المدح بكافة أشكاله وإقصاء هذا الموضوع عن دائرة الأدب.

3- تبني قضايا الإنسان بكافة أجناسه على وجه الأرض ورفع شعار (الإنسان أولاً).

4- إبراز صورة المرأة ببعدها الإنساني لا ببعدها الجنسي واعتبار ذلك جزءاً مهماً من أدب النهوض والصحوة.

5- نبذ كل أدب يروج لسلطة من السلطات مهما كان هدفها.

6- تشكيل الصراع الإنساني بشكل غير عدواني ورفع قيم المحبة والخير والجمال.

7- الحرية الشخصية بمفهومها الخلقي والعدالة الإنسانية مطلبان ملحان ومن مهمة الأدب الرئيسية الدعوة لهما.

8- إبراز علاقة الإنسان بالكون والحياة علاقة محب وعاشق يسعى إلى صناعة العيش صناعة واعدة.

كل ذلك حتى ننهض بأدب يسهم في بناء الشخصية بناءً سليماً، وقد يعترض عليّ بعضهم ويسأل: أين هو الأدب الموروث المصاب بالإيدز والسرطان والخمج الدماغي؟! ناسياً أو متناسياً أن (أدب النقائض) عند جرير والفرزدق والأخطل وغيرهم لم يخرج من دائرة الإيدز العقلي وكيف بأدب يستمر حوالي ستين عاماً وهو يبرز عورته وسوأته أمام الآخرين لقد سلخ شعراء النقائض أكثر من ثلثي أعمارهم في مستنقع الشتم والسب وكشف عورات الآخرين، على أن بعض جوانب الأدب الحديث لا تخلو من الصرع والهلوسة والنكوص القييمي وما أفرزه السرياليون بزعامة أندريه بريتون لايتعدى ذلك!

ومتى كان على الأديب أن يتناول المخدرات حتى يترك لعقله الباطني العنان للحديث عما (هب ودب) مما يختزنه عمق الإنسان من الغث والسمين وهل يبقى من الأدب شيء إن كان قائله قد خرج عن طوره الإنساني إلى حالة بهيمية . إن مشكلة فصل الأدب عن الأخلاق وأقصد بالأخلاق السلوك الإنساني الفاعل الإيجابي مشكلة خطيرة إن تركت دون تقييد بحيث تترك للأديب الباب مفتوحاً على مصراعيه ليصور لنا باسم الفن للفن أو الأدب للأدب ما يسهم في جعل الأدب أرضاً يباباً وبيتاً خراباً. أنا لا أنكر أن بعض نصوص الأدب تنقل لنا صورة جميلة أو مشاعر مشدودة ولكن على أن تكون هذه الصورة الجميلة أو المشاعر المشدودة خيّرة غايتها تنمية عناصر الحب والجمال والخير والعدل والمحبة حتى تبقى (هابيليه) الإنسان عنصر تقديم لا عنصر استلاب وحتى يتمتع الإنسان بما هو خير، لا بما هو محرك لنوازع الشر، والعدوان، وبحيث لا تبرز المرأة بصورتها الجنسية بل بصورتها الجمالية الخيرة، وبالتالي حتى لا تتراجع القيم من خلال فعل النكوص الأدبي.

حسين علي الهنداوي

[email protected]