استيقظت فجأة بعد منتصف الليل وأنا أفكر في أحلامي الأفلاطونية وطموحاتي التي لم تتحقق بعد والتي تراودني بين الحين واللحظة وفي اليقظة والمنام، سألت نفسي سؤالا وأنا في فراشي الدافئ ماذا أريد، وما الذي أريده؟!! حيّرني هذا السّؤال بصيغتيه وأرهق تفكيري، لم أجد له إجابة جامعة مانعة فكلّما حاولت الاجابة عنه أجد نفسي أفكّر وأغوص في جزئيات أخرى لمحاولتي الجاهدة لتحقيق الارادة الانسانية فيّ، الجزئيات محيّرة تجعلني أملّ وأحبط في لحظات، وأشعر بالأمل والطّاقة الايجابية في لحظات أخرى.
ماذا أريد وما الذي أريده؟ ما الذي أريده من نفسي أم من أصدقائي أم من مجتمعي أم من السّاسة أم من رجال الدين أم من الفلاسفة أم من الموت أم من الحياة أم من الحبّ أم من ـ الله عز وجلّ ـ ؟! سؤال متشعبّ ومتداخل وشائك لا أظنّ أنّ مثلي يجيب عنه بسهولة وخصوصاً في وقتنا الحالي، لكن لابأس أن أجاهد نفسي لأفهم السّؤال حتى يتسنى لي الاجابة عندما يحين الوقت.
فقديماً قيل : أنّ فهم السّؤال نصف الجواب، ومحاولتي لفهم هذا السّؤال الذي أطرحه على نفسي وعقلي وروحي يجعلني أطرح أسئلة وتساؤلات وجودية وفلسفية أخرى ستدخلني في صراع شامل مع الذات ومع الأفكار ومع المجتمع والتقاليد والعادات، أعترف مرّة اخرى أنّ فهم السّؤال نفسه كبير وعظيم، أخذ من تفكيري نصيبا وافيا حتى أذهب عنّي النوم وأدخلني في سهر ليلي، وما هدأ من حيرتي و روعي سوى كوب قهوة سوداء، وموسيقى هادئة، وأصوات فنية وردية : كفيروز وماجدة.
وأنا حيران في هذا الجوّ الهادئ الرومانسي في محاولة جدية لفهم ماذا أريد تبادر لذهني سؤال آخر لفهم السّؤال، هل طرح السّؤال مثل هذا يدل على الحيرة والتخبّط في مساري الحياتي كلّه وأنّ حياتي صارت مبعثرة؟ احتمال نسبيّ أن تكون الاجابة بنعم، لكن أنا أدرى بنفسي من غيري ولهذا أزعم أنّ طرح السّؤال لفهم ماذا تريد بعد من أنت ولماذا وجدت وكيف وجدت ومن أوجدك ومن أوجد من أوجدك..
هي بداية حقيقيّة على خطى الانسانيّة، فلن تحقّق الفهم العقلانيّ إلا بطرح الأسئلة و التساؤلات الواعية على ماهيتك الثلاثة : من نفس وروح وذات، بلغة العقل والانسان، متجرّدا عن جميع العوامل التراثية والبيئية والثقافية وما إلى ذلك من العوامل السّلبية في تكوين تصوّراتك بالاجبار والارهاب اللاشعوري.
وأنا في هذه الحيرة والدوامة النورانية الانسانيّة الربانية توقفت عن طرح الأسئلة إلى مستوى آخر من تحقيق الارادة الانسانيّة وهو طرح التساؤلات، فالسّؤال هو الاستفسار العابر تطرحه على شخص معين لمعرفة الجواب وكفى، وأمّا التسائل فهو سؤال تطرحه على ماهيّتك الثلاثة في حالة من الحيرة والاستغراب وقد لا ينتهي بمعرفة الجواب.
وقصص الأنبياء تبدأ دائماً بتساؤلات عقلانية عظيمة حتى يعرفوا أجوبتها بأنفسهم فيقتنعوا بها ولا يتنازلون عنها (وَاللَّهِ يَا عَمِّ، لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرَ فِي شِمَالِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ مَا ترَكْتُهُ).. كان نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يتساءل في غار حراء حتى سمع من جبريل إجابات توصل لبعضها بنفسه.. وكان إبراهيم عليه السلام في حالة تساؤل دائم واتخذ من الشمس والقمر إلهين قبل أن يكتشف ربه في قمة حيرته : "لئِن لمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُوننَّ مِنَ القوْم الضَّالِّين"!!
كبار العباقرة والفلاسفة والأدباء طرحوا أسئلة وتساؤلات منهم أرسطو وأفلاطون وغيرهما من العظماء والأذكياء، حتى أنّ الفيلسوف الكبير الذي يلقب بفيلسوف الأدباء أبو حيان التوحيدي كان يشرك القارئ لكتباته في تساؤلات كثيرة حول النّفس والروح وأسرار الوجود وخفايا اللغة وأخلاق النّاس ومناهج التفكير وعلاقة الفلسفة بالدين، خصوصا في كتاب ـ الهوامل والشوامل ـ الذي تضمن 175 تساؤلا من هذا النّوع!
يقول الكاتب فهد عامر : تبدو كتب التوحيدي مقنعة أكثر من غيرها، لأنّه يشرك القارئ في طرح تساؤلات تشغل بال الجميع فيتبنى في النهاية موقفه بلا تردد.
ما يهمّني من هذا هو فهم وادراك مفهوم السّؤال للانتقال الى مرحلة متقدّمة وهي الاجابة على السّؤال، ثم إلى مرحلة أعظم وهي طرح التساؤلات، ثم المحاولة في إيجاد اجابات متجرّدة عن الخلفيات يكون الاعتماد فيها على العقل والانسان ولا شيء غيرهما.
أعلم أنّي بهذا سأدخل في صراع يطول مع الذات والفكر والتراث، ومع العقليات التقليدية التي تخاف من السّؤال فضلا عن التساؤل، بل التساؤل جرم مجرّم عندهم في شريعة الغاب، لكن قررت أن أخوض هذه التجربة الارادية لتحقيق الانسانية فيّ، وسيضلّ السّؤال والتساؤل قائما ما الذي أريده، وماذا أريد؟!
الكاتب والباحث: حمزة اليوسفي.
ما الذي أريده، وماذا أريد؟!بقلم : حمزة اليوسفي
تاريخ النشر : 2016-04-19
