العبثية السياسية ... والتدخلات الإيرانية في التظاهرات العراقية بقلم: احمد الملا
تاريخ النشر : 2016-03-07
العبثية السياسية, نظرية سياسية معروفة تستخدمها الأنظمة الدولية والحكام مع خصومهم, وذلك بصناعة العديد من الأحداث المتناقضة والمتداخلة وغير المفهومة, مما يسبب تشتيت العقول والأفكار وإدخالها في دوامة من التيه, فلا تقدر على فهم الأحداث أو تفسيرها, ولا تقدر كذلك على وضع خطة إستراتيجية صحيحة, وذلك لأنها لا تستطيع قراءة الواقع جيداً ولا تستطيع توقع المستقبل بصورة سليمة, وكل ذلك بسبب العبثية المتعمدة للأحداث, وبشكل مبسط العبثية السياسية تعني خلق فوضى سياسية توحي بأنها غير منتظمة لكنها في حقيقة الأمر هي عبثية منتظمة وفق خطة وإعداد مدروس يؤدي إلى النتائج التي ينشدها من أوجد هذه العبثية.
وما يحدث اليوم في الساحة السياسية العراقية من تجاذبات وموجات مد وجزر ومظاهرات خرجت بتوجه سياسي ديني مؤخراً هي من أوضح المصاديق لهذه النظرية التي اتبعتها إيران في العراق, فلا يخفى على الجميع إن إيران كانت تراهن على نوري المالكي كورقة رابحة, لكن بسبب احتراق هذه الورقة إعلامياً ولم يعد تحركها السياسي يجدي نفعاً فاعتمدت عليه كشخصية تقود المليشيات – الحشد – وترعاها بشكل أو بآخر, لذلك لجأت لطرح شخصية بديلة تكون ذات مقبولية في الشارع من خلال افتعال نوع من الأزمة السياسية تتناغم ورغبة الشارع العراقي.
فالتظاهرات العراقية التي خرجت منذ عدة شهور رفعت شعار المدنية ورفض الحكم الديني " اللاديني " وتدخله بالسياسية, وهذا ما لم يعجب إيران وزبانيتها من ساسة وقيادات حزبية ودينية, فحاولت جاهدة ولأكثر من مرة ضرب تلك التظاهرات وبشتى الوسائل القمعية والإعلامية لكن كل محاولاتها باءت بالفشل, يضاف لذلك محاولات التسويف والتمييع لمطالب المتظاهرين, لكن عزيمة وإصرار المتظاهرين من جهة والخوف من دخول الجانب الآخر والخصم التقليدي لإيران وهو أمريكا من استغلال التظاهرات والمتظاهرين ومطالبهم بما يخدم المشروع الأمريكي تغيرت الخطة الإيرانية, خصوصاً بعدما صدرت قرارات من البيت الأبيض تحث العبادي على تغيير كابينته الوزارية وكذلك محاسبة المتهمين بالفساد, وهذا يعني شمول كل سياسي موالي لإيران بعملية الاجتثاث والتغيير تلك.
وهنا أدخلت إيران إحدى الجهات المعروفة بالولاء لها كجهة مطالبة بالتغيير ومحاربة الفساد, وتدعو لتغيير وزاري قائم على أساس التكنوقراط, وان لم يمتثل العبادي والبرلمان لتلك المطالب سيكون هناك تغيير ظاهره جماهيري شعبي لكن باطنه إيراني بحت, وان جنح العبادي والبرلمان لتلك المطالب فان التغيير سيكون لصالح إيران بنفس الوقت, فمن منا لا يعلم بان الكفاءات العراقية والمفكرين والأساتذة والمهنيين تمت تصفية الكثير منهم منذ سنوات والقسم الآخر فضل الهجرة على البقاء داخل الوطن والموت مغدوراً, ومن بقي من تلك الكفاءات فقد أصبح موالياً لهذا الحزب أو ذاك وإلا فمصيره الموت أو التهجير, بمعنى إن الكفاءات التي ستمثل الحكومة المرتقبة هي عبارة عن أشخاص موالين للأحزاب الإيرانية سواء برغبتهم أو بالإكراه, وبهذا ستكون التغييرات الجديدة هي لصالح إيران سواء كانت التغيير حصل سياسياً أو عن طريق الضغط الجماهيري الحاصل الآن, وعندما أقول " جماهيري " لأنه اخذ الصبغة الجماهيرية لكنه في الواقع تحرك سياسي إيراني بحت.
فقد استطاعت إيران لهذه اللحظة بأن تخلق نوع من العبثية السياسية في العراق, لتكون النتائج المتوقعة وبكل أحوالها وبأي طريقة تحدث ستكون لصالحها, وما يؤكد ذلك هو إن الجهة التي ركبت موجة التظاهرات في العراق هذه الأيام هي جهة موالية لإيران وكذلك هي مشاركة فعلياً في التشكيل الحكومي والبرلماني ومنذ سنوات, ولم تدعو من خلال ممثليها الحكوميين أو البرلمانيين لمحاربة الفساد وهي قادرة على ذلك لو كانت تريد, لكن توجه الشارع العراقي اجبر إيران وهذه الجهة على إتباع هذا الإسلوب الإلتوائي الذي صدقه الكثير من العراقيين, وهذا بحد ذاته يعد مصادرة لجهود المتظاهرين العراقيين الذين يرفضون الحكم الديني " اللاديني " ويدعون لحكم مدني منصف عادل.
وهذا الأمر يجب أن يلتفت له أبناء العراق لأنه ستتم مصادرة أصواتهم وجهودهم ويجب أن تكون مطالب المتظاهرين هي التغيير الجذري الحقيقي وليس استبدال الأشكال والأسماء والشخصيات تحت عناوين ويافطات منمقة ومزوقة كالمهنية والتكنوقراط يراد منه الالتفاف على المتظاهرين, ويجب رفض أي مشروع تتبناه الجهات التي تعمل لصالح إيران وتخدم مشروعها ومن بينها تلك التي اتخذت من الدين عباءة لها, ويجب أن تكون المطالبة هي بإقامة حكم مدني عادل يكنس كل تلك القاذورات الإيرانية, وهنا اذكر الجميع بماقاله المرجع العراقي الصرخي في بيان " من حكم ديني ( لاديني ) ... إلى ... حكم مدني " ..
{{... 5ـ بعد أن انقلب السحر على إيران الساحر بفضل وعيكم وشجاعتكم وإصراركم فادعوكم ونفسي إلى الصمود في الشارع وإدامة زَخْمِ التظاهرات والحفاظ على سلميّتها وتوجّهها الإصلاحي الجذري حتى كنسِ واِزاحةِ كلِّ الفسادِ والفاسدين وتخليصِ العراق من كل التكفيريين والتحرر الكلي من قبضة عمائم السوء والجهل والفساد حتى تحقيق الحكم المدني العادل المنصف الذي يحفظ فيه كرامة العراقي وإنسانيته وتمتُّعِه بخيراته بسلامٍ واَمْنٍ وأمان.
6ـ لابدّ أن نُحذّر المؤسسةَ الدينية ومن ورائها إيران بان أيَّ محاولةٍ للانتهازية واستغلال جهود وتضحيات المتظاهرين وإرجاع الأمور إلى المربع الأول بتسليط نفس المؤسسة الدينية الكهنوتية وافرازاتها الفاسدة المُفسِدة ، نحذرهم بأننا سنغيّر توجّهات واَولَوِيات التظاهر فسنطالبُ أولاً وقَبْل كلِّ شيء بل سنؤسس حشدا مدنيا لتطهير المؤسسة الدينية من قُبْحِها الفاحش وفسادِها المُستَشري بأضعاف أضعاف قبحِ وفسادِ السياسيين ورجال السلطة ، فنحذِّرُهم من ركوبِ الموجِ ومحاولةِ الخداع والتغرير من جديد فنقول لهم عليكم تطهير أنفسِكم ومؤسساتِكم قَبْل أن تنتهزوا وتَركَبوا مَوْجَ التغيير والإصلاح والقضاء على الفساد ، فلأكثر من ثلاثة عشر عاما الأمور بأيديكم من سيئ إلى أسوأ والكوارث والمآسي في ازدياد مطّرِد ...}}.
وإلا فأنه لن يحصل التغيير المنشود الذي يأمله جميع المظلومين والمحرومين من أبناء العراق, لان الجهات المطالبة بالتغيير هي جهات موالية لإيران ومشتركة بالعملية السياسية الفاسدة والمفسدة وسيكون التغيير شكلي, صوري فقط وفقط ويبقى العراق على وضعه المأساوي بل انه سيسير نحو الأسوأ والأسوأ.

بقلم :: احمد الملا