قصة جهينة ::::::::: محمد بكر البوجي
سمعت بل وقرأت عنها ، أعرفها جيدا ، والقلب معلق هناك ، بطريق الصدفة ذهبت إلى هناك ,جلسنا مجموعات في صالة متوسطة للعشاء ، كنت أنظر إليهن وأتفرس بنظري كل الصبايا الجالسات في الصالة علنى أجد ضالتي ، العلاقة بيننا قوية من طرفي أنا فقط هي لا تعرف شيئا عني ، ويجوز أنها لم تسمع بي أصلا ، الصالة مليئة بالضيوف رجالا ونساء ، ورغم لهفتي علي لقائها ظل قلبي منكمشا متضايقا يرغب في السؤال عنها ، وأنا بطبعي أخجل من لقاء السيدات أو السؤال عنهن ، هكذا أنا ، دخلت سمراء ممشوقة القامة كشجرة السرو رمز البقاء والمعرفة والانطلاق نحو العلا ، بخطى واثقة وشموخ جبلي دخلت الصالة وأنا أنظر إليها ، أذهلني حضورها برونقها الجذاب ، تسير منتصب القامة باعتزاز ، تهادت في مشيتها ثم جلست على كرسي الطاولة المقابلة لي ،خجلت أن أسال عنها ، وأحسست بأنها هي ، لكن ذهني غاب ولم أسال عنها ، شخصيتها آسرة لي ، لم أرفع نظري عنها طوال جلسة العشاء ، أنستني السؤال عن هدفي ، وبعد أكثر من ساعتين امتشقت نفسها وبخطى الواثقين غادرت على عجل ، ودعتها بنظري حتى تلاشى طيفها عن ناظري ، ارتاحت نفسي قليلا ثم سألت مرافقتي : لو سمحت ممكن سؤال ؟أجابت وهي تبتسم : تفضل ، هل تعرفين جهينة أبو سلام ؟ ارتفع صوتها يقهقه وضربت كفا على كف وصاحت بصوت حنون يملؤه الشفقة وقالت : من لحظة حضورها وأنت لم تفارقها بنظراتك ، توقعت أنك تعرفها ، قلت : هل تقصدين تلك السيدة التي كانت تجلس هنا وخرجت منذ قليل ، هزت رأسها وهي تبتسم ، أنها هي التي تسأل عنها ، فضربت كفي على جبيني وقلت في نفسي :كم أنا ضعيف أمام خيلاء المرأة وألقها ، هل ستعود ؟ قالت وهي تبتسم : سأهاتفها بعد ساعة تكون قد وصلت الناصرة وأخبرها بما سمعت ورأيت . ذهبت إلى غرفتي في الفندق المخصص لي ، أمشي متثاقلا بإحساس الفشل ، وقد زاد اشتياقي للقائها ، إنها ابنة أخي ، ابنة صديقي وأستاذي ، كيف خانني القلب وخذلتني الفراسة ؟ لم أنم تلك الليلة في انتظار الغد وإشراقاته أتقلب يمينا ويسارا طوال الليل ، حقيقة وأكون صريحا لم أنم ولم تغف عيناي لحظة واحدة فالفرصة لن تتكرر، ومع إشراقة الشمس الأولى وضعت نفسي في ملابسي ونزلت مسرعا إلى المكان المحدد لورشة العمل حيث مكان اللقاء المرتقب ، وجدت القاعة جاهزة لكنها تخلو من المدعويين فالوقت لا زال مبكرا ، جلست وحدي أرتقب على قلق وكان الريح تحتي ، أنظر إلى الساعة ثم إلى الباب الأول ثم إلى الباب الثاني وهكذا تدور رأسي والقلب يدق مع حركة عقارب الساعة ، بدأ الوقت يلامس لحظات الاقتراب ، إني أعشق أبا سلام حتى النخاع فكيف لا أعشق أثر خطاه ! ظهرت متالقة وقد غيرت أزياءها وارتدت زيا ملوكيا يليق بمكانة اللقاء ، لحظة ظهورها وقفت مصلوبا على قدمين قويتين ، أنا هنا بين يدي السلطات الأدبية كلها ، ابتسمت ابتسامة واسعة حيية وقلت : أهلا بالحبايب ، أهلا ابنة العزيز الغالي ، ردت هي بابتسامة أجمل منها ورحبت بزيارتي ولهفتي على اللقاء ، تصافحنا ، وكي أطمئنها أكثر أخرجت الكتاب الذي أصدرته عن الأديب والدها ، أخذته بلهفة وقالت مبتسمة : أهلا بابن غزة ، أسمع بك منذ فترة طويلة واللقاء هذا مفاجأة لي ، تحدثنا طويلا وكنت أتابعها وهي تتكلم وأقارن بين حديثها وحديث والدها فأجد الثقة والقوة والاعتداد ، ازدحمت القاعة بالقادمين وشاركنا الجلسة بعض الأصدقاء ، في اليوم التالي هاتفتها من غرفتي بالفندق مودعا ، إلى اللقاء ... حتى يومنا هذا , قبل خمسة عشر عاما.
جهينة بقلم:د. محمد بكر البوجي
تاريخ النشر : 2016-02-23
