قضية الانتحال في الشعر الجاهلي بقلم:نسيمة الهادي اللجمي
تاريخ النشر : 2016-01-06
قضية الانتحال في الشعر الجاهلي  بقلم:نسيمة الهادي اللجمي


قضية الانتحال في الشعر الجاهلي

من بين الذين أثاروا قضيّة الانتحال في الشعر الجاهلي هو ابن سلام الجمحي وقد أسهب في تناول هذا الموضوع وذلك في كتابه طبقات فحول الشعراء ولقد ردّ مشكلة هذا الانتحال أوّلا إلى تزيد العرب الذين يعمدون الى ان ينسبوا المزيد من النقائب والمآثر والخصال الحميدة إلى قبائلهم ...وأمّا ثانيا فقد ردّ هذا الأمر إلى الرواة الناقلين لهذه الاشعار .
ولقد اهتم بقضية انتحال الشعر الجاهلي العرب والمستشرقون على حد سواء ... وبدأ النظر فيها من المستشرقين "نولدكه سنة 1864م " كما تلاه " ألوّرْدْ " .. حين نشر دواوين : امرئ القيس والنابغة الذبياني وزهير وطرفة ابن العبد وعلقمة وعنترة واذا به يشكك في الاشعار الجاهلية وانتهى بقراره الذي يقول فيه ان قصائد قليلة جدا منسوبة الى هؤلاء الشعراء هي لهم والباقي منسوب اليهم باطلا 
والمطلع على مجلة الملكية الاسوية بعدد يوليو سنة 1925يجد ان مرجليوت قد كتب مقالا أثار فيه قضية الانتحال في الشعر الجاهلي بعنوان : The Origins of Arabic Poetry) .وترجمته : "اصول الشعر العربي " ..وفي مقاله هذا تعمد الى القول يان لو هذا الشعر كان صحيحا لكان كل شاعر كتب قصائده بلهجة قبيلته ...وقد دحض زعمه الدكتور شوقي ضيف بقوله : " إنّ لغة القرآن الفصحى كانت سائدةً في الجاهلية وأنّ الشعراء منذ فاتحة هذا العصر كانوا ينظمون بها وأنها كانت لهجة قريش ، و انها قد سادت بأسباب دينية واقتصادية وسياسية ؛ فكان الشعراء ينظمون بها متخلين عن لهجاتهم المحلية على نحو ما يصنع شعراء العرب في عصرنا على اختلاف لهجات بلدانهم وأقاليمهم " . وقد ربط مارجريت قول الشعر بالتقدم الحضاري وبالتالي استنكر وجوده لدى البدو في حين انه لا يوجد لدى المماليك رغم تحضرهم ,,, وامام هذه الحجة الضعيفة والعنصرية من " مارجريت "فقد تصدى له " برونيليش " ..." ودحض هذا الدليل الواهي ؛ وقد بين ان نظم الشعر لا يرتبط بالحضارة ولا بالثقافة والظروف الاجتماعية ، وهناك بدائيون لهم شعر كثير مثل الإسكيمو." .
ونتحول من المستشرقين .. إلى العرب والمعاصرين لنجد الأديب مصطفى صادق الرافعي يثير هو الآخر قضية الانتحال في الشعر الجاهلي و وقد قام هو الاخر بعرض مفصل في 
كنابه : "تاريخ آداب العرب" الذي نشره في سنة 1911م ، إلّا أنّنا لمّا نقرأ ما جاء في كتابه لا نجده قد زاد على ما ذهب اليه القدماء والمستشرقون .
ثم نصل الى الدكتور طه حسين الذي أفاض في دراسة هذه القضية في كتابه :" الشعر الجاهلي " الذي أحدث رجّة شديدة في الوسط الادبي مما جعل المحافظين والباحثين يردون عليه بكل عنف فألّف طه حسين كتابه الذي نشره سنة 1927 وفيه توسع طه حسين في دراسة هذه القضية وقد لخص ما جاء في كتابه لما قال في كتابه هذا ّ" "إنّ الكثرة المطلقة ممّا نسميه أدباً جاهليّاً ليست من الجاهلية في شيء ، وإنما هي منتحلة بعد ظهور الإسلام ، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم أكثر مما تمثّل حياة الجاهليين . وأكاد أشك في أنّ ما بقي من الأدب الجاهلي الصحيح قليل جدّاً ، لا يمثل شيئاً ولا يدل على شيء ، ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي"....
ولقد عمد طه حسين الى ذكر الأسباب التي تجعل الباحثين يشكون في الأدب الجاهلي ، وردّ شكهم إلى أنّ الادب الجاهلي لا يقدم لنا حياة الجاهليين الدينيّة والعقلية والسياسيّة والاقتصادية ، كما رد ذلك الى ان الشعر الجاهلي لم يؤرخ لهجات اصاحبها ولغاتهم 
لقد تعرض الشعر الجاهلي الى النقد الدقيق الداخلي والخارجي مبنى ولفظا ومعنى ولقد تحرّوا فيه بشدة ودققوا في تفاصليه أشد التدقيق ...وامام هذا التمحيص الغير الموضوعي للادب العربي يقف الدكتور شوقي ضيف رافضا هذه المبالعة في الشك التي تنتهي برفضه مثلما كان الامر مع مارجريت وطه حسين .. يقول شوقي ضيف : " أما ما وثقوه ورواه أثباتهم من مثل أبي عمرو بن العلاء والمفضل الضبّي والأصمعي وأبي زيد فحريٌّ يجب أنْ نقبله ما داموا قد أجمعوا على صحته. ومع ذلك ينبغي أنْ نخضعه للامتحان وأنْ نرفض بعض ما رووه على أسس علميّة منهجية لا لمجرّد الظن ، كأنْ يُرْوَى لشاعر شعرٌ لا يتصل بظروفه التاريخية ، أو تجري فيه أسماء مواضع بعيدة عن موطن قبيلته، أو يضاف إليه شعر إسلامي النزعة ، ونحو ذلك مما يجعلنا نلمس الوضع لمسا " . 
وأريد أن أثير ملاحظة حول " طه حسن " الذي قد تتلمذ على ايادي المشارقة وتشبع بافكارهم إلى جانب ترجمته لدراساتهم بلغتنا العربية و اقتنع بكل ما جاء في دراساتهم وايدهم فأنّنا نرى طه حسين لا يهتلف عن المشارقة في حكمهم على الشعر العربي 
كما نلاحظ ويلاحظ القارئ اتفاقا كاملا في مابين دراسات المشارقة وطه حسين في شأن الشعر الجاهلي ...لكن هل غاب عن طه حسين ان المستشرقين لما تناولوا الشعر الجاهلي بالدرس لم يكونوا نزهاء في التشكيك في الشعر الجاهلي ونسبته الى اصحابه لانهم ادركوا ما لقيمة الشعر الجاهلي الذي كتب باللغة العربية و التي انا شخصيا لا اصدق بحب مستشرق واحد للادب العربي ولا للغة العربية التي هي لغة الاسلام ......" فعلماء المسلمين منذ الصدر الأول للإسلام قد شعروا بحاجتهم إلى الشعر العربيّ ؛ للاستعانة به في فتح مغاليق الألفاظ والأساليب الغريبة الموجودة في القرآن الكريم ، والأحاديث النبوية الشريفة ؛ فأكبوا عليه يروونه ويحفظونه ويدرسون أساليبه ومعانيه وما يدور فيه من ذكر لأيام العرب ووقائعهم . ولولا هذا الباعث الديني ؛ لاندثر الشعر الجاهلي، ولم يصل إلينا منه شيء " .
وهذه الحقيقة يقررها أبو حاتم الرازي ؛ إذ يقول: "ولولا ما بالناس من حاجة إلى معرفة لغة العرب ، والاستعانة بالشعر على العلم بغريب القرآن ، وأحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، والصحابة والتابعين ، والأئمة الماضين ؛ لبطل الشعر ، وانقرض ذكر الشعراء ، ولعضَّ الدهر على آثارهم ، ونسي الناس أيامهم" .
ويقول ابن عباس - رضي الله عنه - : "إذا سألتموني عن غريب القرآن ، فالتمسوه في الشعر ؛ فإن الشعر ديوان العرب" 
لهذا ولما أدرك المستشرقون هذه الحقيقة ؛ عملوا على التشكيك ؛ واجتهدوا فيه واستقطبوا بعصض العرب المسلمين من ادباءنا كطه حسين وذلك بهدف سد باب مهم جدا لفهم قراننا الكريم .


نسيمة الهادي اللجمي

صفاقس .. تونس