مساقط الفجع
بقلم / عبدالواحد حركات
قبيلة ضد قبيلة, ومدينة ضد مدينة, وشعب ضد شعب, ووطن ضد وطن, وإسلام ضد إسلام..!
هكذا أمست ليبيا بفعالنا وأفاعيلنا.. لا سلام للسلطويين –السابقين واللاحقين- فيها ولا لغير السلطويين, ولا سلام للمتقاتلين ولا لغير المتقاتلين, ولا سلام للأغنياء بها ولا للفقراء, ولا سلام للذين يصرخون ولا للصامتين, ولا سلام للذين يذهبون عنها ويفرون ولا للذين يأتون إليها ويقرفصون..!
لا سلام لأحد في ليبيا كبيراً كان أو صغيراً, منتمياً أو لا منتمياً.. رجلاً كان أو إمرأة.. لا سلام للبشر ولا للشجر ولا للحجر.. الجميع ينزفون دماً وكرامة وإنسانية ويتضورون جوعاً للأكل وللحب وللأمل وللسلام..!
كل حيطان ليبيا حيطان مبكى وكل مبانيها هياكل سليمانية.. ولكل قرية ومدينة سيرة بطولية وشمشون وأخيل وتيهيا ونابليون وعرابي ومختاروقطب, ولأغلبها فلسفة ثورية جنكيزية وقناعات هتلرية وميول غراتسيانية وانكسارات روملية , ولجميعها عشرة سكيبيووات منتقمين وعشرة كاتوات حاقدين يمتهنون الدمار والتشريد ويحترفون حرث الأراضي بالملح ونهب الثروات.. وللجميع – بلا استثناء- ذوات موسيلينية وهواجس ووسواوس ريغالية..!
قبائل ومدائن الليبيين لها سالاميسيات دامية وتسينوات خاطفة وبسوسيات وداحسيات ثأرية ساذجة وقادسيات ودابقيات حاسمة وواترلوات وعلمينيات وفيتناميات مفجعة وسبتمبريات قاصمة,ولليبيين عقيلة ومكرون وأسلاك – شبردق- مرئية وغير مرئية حولهم وفي أنفسهم ووسط أدمغتهم وحول أفكارهم وأحلامهم, ولديهم مجازر شتيلاوية وقناوية فظيعة, ولهم بكل شارع باستيل وميني باستيل وأبوزعبل وبن زعبل وكويفية وأم كويفية, وهم جميعاً في حالة تذبذب ومراوحة بين هابيلية مستكينة وقابيلية مفترسة, بين بيلاطس مفخخ بالجرم والبراءة مضرج بالدناءة وبين ناصري متوج بالضعف والقوة معفر بالوقار..!
الليبيون شياطين أتقياء وأتقياء متشيطنون, تعودوا ابتلاع السكاكين والتغصص بالأبر..!
كل ليبي يعتقد يقيناً أنه فرد الله المختار, الأوحد الصائب والمصاغ بالوطنية والرجولة والوعي والاقتدار, رأيه صواب ووجهته صحيحة وأقواله حقائق وتوقعاته نبوءات, مريدوه وطنيون أخيار وأعداؤه خونة أشرار, حقه التصنيف والتكريم والإقصاء والتجريم, وكل ليبي يعتقد أنه مركز الأرض ومحورها وأنه الوصي على ليبيا والمتصرف بها ووليها وصاحب مفاتيحها يأوي إليها من يشاء ويمنع عنها من يشاء, ولكل ليبي – كبير وصغير, ذكر و أنثى , عاقل و مجنون, متعلم و أمي, مسلح و أعزل, طليق و سجين, طارد و طريد- ليبياه الخاصة التي تنتمي إليه بدل أن ينتمي هو إليها..!
الحياة السياسية في ليبيا نتنة يكسوها العفن وتتغلغل بها السموم جيناتها وخلاياها الخداع والنفاق والكذب والاختلاس والسرقة, أغلب ساستها كلنتنيو الطبائع صائدي لوينسكيات بدائيون, مبرمجون على العنطزة والتكبر والتنصل ومعدون لاقتراف الديكتاتورية وأتباع أيدلوجياً للعنف والتخلف والسقوط والهروب..!
الوطني صفة وصيغة افتراضية ورابع منطقي للغول والعنقاء والخل الوفي .. ومفردة أسطورية لا تتطابق وتنطبق إلا على لحوم المواشي – البعض القليل من المواشي-.!
لم يستطع الليبيون الخروج من نفق الفوضى لأنهم تشرذموا وأصبحوا شيعاً وأهواء, ولأنهم مدمنون للأمس القريب والبعيد أكثر مما ينبغي, ولأنهم موهومون بالقدرة والنبل وموغلون في العشائرية حد الجاهيلية, ويصادرون الحق والحقيقية لصالح حقائقهم الملوثة وانتماءاتهم الضيقة, خطابيون مصابون بوباء غوبلزي مزمن, ونبالة أغلبهم تنتهي حال مساكنة السلطة أو معانقتها ولو خلسة وحال ملامسته للمال العام, والوطن لدى أغلبهم يبدأ من الجيب ومضارب القبيلة وينتهي للجيب وبنوك سويسرا.. موعودون ومرصودون للعزة بالاثم مذ كانوا..!
لا يمكن لليبيين أن يلتقوا ويجتمعوا على كلمة سواء.. لأنهم لم يتعودوا ولم يعرفوا أبداً المفاضلة فيما بينهم على أساس منطقي يعتمد على المبادئ السامية ومستويات التعليم والخبرة والأداء والجودة, فالمفاضلة بين الليبيين تتم فقط ودائماً على أساس قبلي ومحاصصة اجتماعية, والليبي مهما اكتسب من العلم والخبرة والمهارة والتفوق يظل فرد في قبيلة مرهون برضاها ومعروفاً بها ومذموماً بها ومذمومة به ومحموداً بها وغير محمودة به..!
النزاع الليبي – الليبي ليس نزاعاً سياسياً وليس نزاعاً اجتماعياً, إنه نزاع مصالح وغزو لأموال وثروات تحت دعاوي الوطنية .. والشتات الليبي – الليبي ليس شتاتاً سياسياً ولا شتاتاً اجتماعياً .. بل شتاتاً أخلاقياً أسقط الجميع في الوحل ونسف كل المرجعيات وتخطى كل حواجز المنطق وأباح كل المكروهات والمحرمات .. شتاتاً افترس الإنسانية في الجميع وحولها إلي نكهة مزاجية وسلعة رخيصة..!
المأزق الليبي تفاقمه وتعاظمه الحواضن الاجتماعية, ومبدأ "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً", تحول إلي نصرة عمياء ومعاضدة بائسة للظلم والظلمة والظلاميين’ وأصبح قضايا الفرد وجرائمه وثأراته شأن قبلي عشائري تجند له الأجناد وتخاض لأجله الحروب, وأصبح مجرمون كثر زعماء مليشيات وسادة قبائل وأصحاب رؤى وحماة لحقوق القبيلة بمعزل عن الوطن, وزج بأبرياء وأتقياء في سجون وحروب ضمن ملاحم العشائرية ووفق منهاجها..!
إن الاستبسال تحت ذرائع كاذبة في عمليات استنزاف قيم الإنسانية وقيمة الإنسان الليبي وقيمة الوطن بات فضيحة تاريخية, والمعارك الموهومة حول مصلحة الوطن سقط عنها الستار وتعرت, ولم يعد أمام الليبيين سوى الإذعان للحق وخلع التلبس وقمع تجار الدماء والأموال والمسترزقين وإعلاء الإنسان والوطن, إذ يجب أن تخلع جلابيب الأوهام وتقهر نعرات التطرف والعشائرية, وتغلب لغة السلام والتسامح والتصالح, وتوقف كل طبول الحرب وتقفل كل منابر الفئوية الداعية للقتل والدمار واستيفاء الحقوق بالقوة..!
ينبغي أن نشرع في توطين السلام بالتسامح والدعوة إلي إعلاء قيمة الإنسان وتهذيب مسالك رفع الظلم عن طريق نشر الوعي بالسلم والتقليل من معاناة الأبرياء وتوفير احتياجاتهم, ويجب أن يتوافق الجميع على رفع قيمة الإنسان قبل كل شيئ, فالوطن إنسان وقيم حية وحياة وليس تراب وأغان وأكاذيب..!
مساقط الفجع بقلم عبدالواحد حركات
تاريخ النشر : 2015-11-28