قراءة نقدية أدبية في أعمال رائد القصة القصيرة الأديب محمد علي قدس بقلم: اعتدال السباعي
تاريخ النشر : 2015-10-15
قراءة نقدية أدبية في أعمال رائد القصة القصيرة الأديب محمد علي قدس بقلم:
اعتدال السباعي


قراءة نقدية أدبية في أعمال رائد القصة القصيرة القاص الأديب محمد علي قدس

اعتدال السباعي -أديبة ومستشارة
جدة

الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات من الأعمال ولو ما هدانا الله لما إهتدينا وما بلغنا المراد وفي غياهب ظلمات الجهالة بقينا والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام وخاتم المرسلين وبعد : ما من أدبٍ إلا ولم يكتمل .. فالأصل في الكمال أنه لله وحده ، إنما الأدبُ يتوهج تألقاً بقدر ما كان سعى الأديب به نحو مناحي الكمال .وإني لأمقت تصّيد مزالق الأدباء بقدر ما تطيب نفسي بالبحث عن منابع الجمال وفي كوامن الأسرار، لما غرسوا من رهافة الحس على الورق ، بما هو مكنون في الذات الجميلة للإنسان، وبما هو كائنٌ في الموجود والوجود .. الواقع والحياة، ولما قدموا من ذائقةٍ فلسفية وبلاغية لبلوغ غاياتٍ لا عدّ لها معرفية إنسانية أورثوها للبشرية.فلا تحسبَ أن في رأي تملقاً إلا أني سعدتُ بالمطالعةِ مراتٍ ومرات على مدار نظراتٍ وتأملات في أدب محمد علي قMohamed Ali Godus.. ومن الجُور بمكانٍ في حقه، بعد ما كان قد بُذل في مسيرةٍ معطاءةٍ طويلة، مع القلم والأدب أن يصنف أسلوب رسمه أقاصيصاً أو كتابةً مسرحية مُبدعة وحسب.أدب المسرح لمِن هو قارئ حاضر الذهن مع الأديب ـ وما في ذلك جدل ـ وحتى ذلك الحاضر الذهن، لا يستمر في القراءة إلا إذا ما كان ذواقاً للأدب وذو سليقةٍ ناقدة، وإذا ما استمر الحاضر الذهن في القراءة فإنه ولا بدَ من قارئ مرة وعدة مرات.سيظل أدب المسرح بقلم محمد علي قدس مختلفاً عن الكتابة للمسرح!!، فإذا ما كانت الكتابة للمسرح تعتمد فيما تعتمد على فنِ الحوار والحركة ولالتفاتة والإيماءة، وموسيقى النص التصويرية المأخوذة عن ما هو مكتوب في سياق النص فعلاً .. المُترجِمة بحذاقة لرؤية وتصور الكاتب، فإن أدب المسرح بقلم محمد علي قدس وبحبكةٍ غايةٍ في البراعة ، من الصعب بمكان تحويله إلى مسرحٍٍ مألوف ولو هُيئ له الكادر والمخرج الجهبذي !! ، وحتى إذا ما نُفذ وأُخرج أدب محمد علي قدس ، فسيأتي الإخراج مبتورا! ، ذلك أنه ما تمثل ما جاء في النص الأدبي كما جاء به قلم الأديب ، ويكون محمد علي قدس بذلك قد انتصر للقراءة ،والقراءة فقط ، لِمَ في تفاصيل أدبه من ملكاتٍ تخصه وحده. قدس يكتب أدباً مسرحياً بملكاتٍ كمثل خيولٍ جامحةٍ بعضها يُسابق بعضاً فيما يُعمِل الأديب فكره وكيانه ، منذ بداياتِه .. لغُته شاعريه وقد أفلتت من سلطة العامية وقيدِ التقليدية وملاحقة الخِطابية ، وأتخذ الأديب لغةً تميز أسلوبه وأطلق عنانه في عالم الأدب والأدباء .. وبرحلةٍ حلق مع القلم إنسان، وتملّك قاموساً مُفعم بالخصوصية !!.، يُغدق علينا فيوضاتٍ من إحساس الأديب، بلغةٍ تُسعف خيالاً متقداً بتفاصيلٍ مذهلةٍ إنسانية .قدس لغتُه لا تأتي من صوت العقل وحده ولا من صوت العاطفة وحدها، إنما لغةٌ تزاوج بين العقل والعاطفة تقصُ علينا بكِياسة، لغته يمكن أن نقول فيها الكثير .قدس أديبٌ يكتب فلسفته الحياتية ببلاغةٍ أدبية ثرية غير معهودة ، بلا خوف أو وجل مفعماً بالثقةِ بنفسه وبالجسارة ،ومتأثرا فيما تأثر بالقرآن الكريم فبحسِ الفيلسوف يلتقط السَّكنة في لحظةِ غفلةٍ منا، فلا تفلت منه إلا وهي على الورقة تنتفض نشوى، وقد بثّ بألمعية كيميائيّ روح النص في السكنة فإذا هي حركه ، ولا غرابة أن نقرأ في نصوصه ميكانيكية الحركة، يأتيها تارة .. وتأتيه تارات ، ببراعة فيزيائيّ يمتلك ناصية القلم والكلمةُ آداته السحرية لبلوغ النفس الإنسانية، ولِمَ العجب إذا ما كانت القصة تكتبه ولا يكتبها. قدس اتخذ لمجموعاته القصصية بداية بنقطة ضعف -مواسم الشمس المقبلة ـ النزوع إلى وطنٍ قديم ـ هموم صغيرة ـ ما جاء في خبر سالم، مسميات ارتقت على مدار مسيرته الأدبية من الاعتيادية إلى الشاعرية إلى المثالية وصولاً إلى الفلسفية، وعموماُ هي مسميات تُنم عن مستوى فكرٍ مرتفع وإرثٌ للإنسانية. قدس سجّل الإرهاصة الأولى المُبشّرة بموهبته منذ بداياته في مجموعته نقطة ضعف حين كتب تحديداً قصصه، وأقبل الشتاء 1966ـ الانتظار 1967 ـ الضجر 1972 ـ عندما يموت الحب 1973.قدس يولي البعد البشري جُلَ اهتمامه متحمساً للإنسان فإنسان قصص قدس كادح، وفي العرق!، ومُنشغلٌ أديبنا بقراءة نفسية هذا الإنسان رجلٌ وامرأة سيان !، وإذا ما قرأ لنا في نفسية طفلٍ فما القراءة ببعيدةٍ عن الواقع والحياة، مُحولاً القلم لآلة تصوير! وهذا مشهودٌ له به، ثم يأتينا بالزمان فما تكاد قصةٌ تخلو من ذكرِ آلة الزمنِ، فمتى أفلت الإنسان والمكان من عجلةِ الوقتِ !!. قدس يسافر بوجدانه وخياله فيم وراء الطبيعة (الميتافيزيقا)، مغترباً مع مكنون الأشياء، متسائلاً " ما الموت؟" و" ما الوحدة؟ " ديدنه الوجه العربي يغريه بالتأمل فإذا لم يصرّح به لَمّح، الضوء دائماً مستضاف والعتمة الأساس، يجهر بالصمت فلنفسه خلجات لا تنطق إلا على بياضِ الورق فيبوح بما في الإنسان.قدس مُولع بالحياة الإنسانية حتى النخاع، مشفق على آلام الإنسان، يعتصر قلبه يبذل من فكره لمسح المعاناة عن البشرية، ولو بقلمه نفسه مرهفة تتوق لراحة الإنسانية ولخلاصها من الأنكاد ، يؤرقهُ ضعف المرأة .. تشغلهُ همومها .. عذابها يجرفُ كيانه.. يقهره أن الرجل مغتال في أحيانٍ أمنها وأمانها .. متوسلاً الحياة القاسية أن ترحم قدرها. وانت تقرأ تشعر بالأخلاق وهي على الورق ـ في طيات القصص ـ قيمة يغذيها ويثريها أديبنا بعبقريته الأدبية، في ترابط وتواثق بليغ الأثر سيان، كمثل تلك المعاني التي تختزنها القصص في الوجدان. وأنت تقرأ تشعر بصوتٍ ذكي يدرك متى يأتي ومتى عليه أن يرحل .. صوتٌ يسحبنا في عمق النص، وما تشعر إلا والصوت يُعدّك لليقظة وقد غير من وعيك وهيأ في شخصيتك .. شيءٌ ما من حيث لا تدري.وأنت تقرأ تشعر بأدب قدس حتى إذا ما انتهى من كتابته وضع القلم وما ودع القصة. إنما آثر الرحيل .. مع قصصه بدموعه وشخصه، وأرقُ ما يُسقط أديبنا من ذاته المرهفة الدموع دائماً هناك .. الدموع، فتُحسُ في طياتِ الأقاصيص بإنسان تُحبه .. تتمنى بصدقٍ لقاؤه .. بعدٌ آخـر.