فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم بقلم:سماك برهان الدين العبوشي
تاريخ النشر : 2006-02-24
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم !

تتباهى الأمم والشعوب دوما بما لديها من رموز ثقافية وعلمية ، فتعمل جاهدة على رعايتهم والاهتمام بشؤونهم وتسلط الأضواء على منجزاتهم وتتفاخر بها في مهرجانات تنظم لهذا الغرض، وهذا ما نراه جليا في دول العالم المتقدم التي تحترم تاريخها وإرثها الحضاري والإنساني ، فتعيد إلى أذهان أجيالها اللاحقة ذكرى من فارق الحياة من رموزهم وصناع تاريخهم وبناة مجدهم وتنشر منجزاتهم وتشيد بها إكراما وتخليدا لهم واعتزازا بصنيعهم وجهدهم.

غير أنني ، وللأسف الشديد ، لا أرى من نهج هذه الامم ( المتحضرة ) الصادقة مع نفسها ومع رموزها ما ينطبق على واقعنا المُعَاش شيئا مماثلا ، بل العكس هو الصحيح تماما ، فقبل أيام معدودات ، وكعادتي كل يوم حيث أختلي سويعات بحاسوبي الشخصي أتصفح المواقع الأدبية في الانترنت بحثا عن الجديد مما قد يكون قد نشر عن والدي ( الشاعر الراحل برهان الدين العبوشي ) ، إذ قرأت في موقع ( المركز الثقافي الفلسطيني – بيت الشعر ) خبرا ( قديما ) عن حفل تكريم لوالدي ( رحمه الله ) كان قد أقيم في مسقط رأسه في ( مدينة جنين ) كان قد حضره عدد من السادة المسؤولين آنذاك كان في طليعتهم السيد زهير المناصرة ( محافظ جنين ) والسيد الشاعر المتوكل طه ( رئيس المركز الثقافي الفلسطيني – بيت الشعر ) و الدكتور سمير شحاده ( أمين عام المؤسسات الوطنية في السلطة الفلسطينية ) وممثلين عن عائلة الشاعر المحتفى به ، وجاء في الخبر الذي أفرحني ( لأول وهلة ) أنه قد تقرر توقيع اتفاقية لتاسيس ديوان للشعر العربي في ( جنين ) تحت مسمى ( مركز برهان الدين العبوشي ) ليكون بمثابة بيت للشعر هناك ، هذا كما تقرر إقامة نصب تذكاري للشاعر مع التنويه لسعيهم في جمع كافة أعماله وموروثه الأدبي لإعادة طبعها على نفقة السلطة الفلسطينية ( حال توفر الإمكانيات المالية !! ) وذلك تخليدا له وإقرارا بدوره الريادي في المجالين الأدبي والنضالي من تاريخ شعبنا العربي في فلسطين.

ولشدما آلمني واعتصر فؤادي أن أعرف بأن الخبر المذكور آنفا لم يكن إلا ( ذرا للرماد في العيون ) كما يقولون في الأمثال عندنا ، حيث لم يتحقق من بنود هذا الخبر شيء يذكر عدا تلك الكلمات الخطابية الرنانة ألتي أشِـيد فيها بدور الشاعر ( برهان الدين العبوشي ) والتي ألقاها الحاضرون ساعتها فأمتلأ الجو تصفيقا وترحيبا لها ؟!. وأتساءل بدوري والعبرة تخنقني … متى يحين الوقت ليتمخض جبلنا فيلدَ جبلا شامخا ... لا فأرا صغيرا كما تعودنا وألِفـنا ؟. ومتى تكون لرموز تاريخنا العربي الفلسطيني تلك الأحقية بالرعاية ( الصادقة و الشفافة ) من قبل قادة مؤسساتنا الثقافية الفلسطينية فلا يُغْـمَط ُ حقهم يوما ولا يُتَاجَر بأسمائهم فتكون وسيلة لأغراض دعائية أو سياسية أوانتخابية ، وإلا فبماذا يُفَسّرُ هذا الإهمال والنكث بالوعود !؟.

كلمة أقولها لقادة حركتنا الثقافية العربية عموما والفلسطينية على وجه التحديد ، تسامَوا عما أنتم فيه من أنانية ومصالح شخصية وأكرموا ذكرى رموز نهضتكم وأرثكم الثقافي يعلُ شأنكم وتزداد مصداقيتكم بين إخوتكم وأبنائكم ، وأصدقوا في وعودكم تكبروا في أعين ابناء جيلكم ومن يأتي بعدكم ، ولا تجعلوا بين وعودكم وإنجازها شرط ( أن يشيب الغراب ) كما يقال ، ولا تنسوا حق أولئك الرجال من المجاهدين الأوائل الذين سبقوكم في العطاء فأفنوا زهرة شبابهم فعانوا ما عانوا ولاقوا الأمرين ذودا عن حمى فلسطين يوم كنتم أطفالا لاتعرفون ( القرد ) من ( الغزال ) حين كنتم تلعبون في أزقة وحواري فلسطين بمخيمات البطولة التي أنجبت من الرجال الصادقين الشرفاء ، وتذكروا أولئك الذين علموكم أبجدية النضال وأجلسوكم على كراسي المسؤولية فأخذتم تُكْرمون هذا وتَـنْسَـون ذاك بمزاجية ( الإنتقاء ) !!. ولا تنكثوا وعدا ولا تتناسوا عهدا كنتم قد قطعتموه على أنفسكم يوم تسنمكم مسؤولية ملف الثقافة وتذكروا دوما قول رب العزة والجلال حين قال في مُحْكَـم آياته فصدق : (( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه )) .

أوصيكم بالرواد من رموزنا الثقافية والنضالية وتشبهوا بسيرة من سبقكم إن لم تُتـَحْ لكم الفرصة لتكونوا مثلهم ولن تتاح لكم الفرصة ما دام فيكم داء الأنتقائية وغمط الحقوق ، ولا أزال أذكر احتفالية التكريم التي أقامها السيد الرئيس ياسر عرفات ( رحمه الله ) للشاعر الراحل ( برهان الدين العبوشي ) في بغداد عام 1990 حين قلده وسام القدس للثقافة والآداب والفنون فخاطبه أمام الحضور قائلا له : ( أنت أستاذنا في الوطنية والجهاد ... ومنك نتعلم ) ، فتعلموا كيف تصدقون القول وتقرنون الوعد بالفعل والتطبيق ، فهذه آفتنا ، وفيها مقتلنا، والحليم تكفيه الإشارة!.

سماك برهان الدين العبوشي

[email protected]