ملامح النظام السياسي الفلسطيني بعد التسوية، وإشكالية العلاقة بين السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية بقلم:علاء فوزي أبو طه
تاريخ النشر : 2006-02-19
الباحث: علاء فوزي أبو طه. خبير في شؤون العلاقات الدولية.

"ملامح النظام السياسي الفلسطيني بعد التسوية، وإشكالية العلاقة بين السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية".

مشروع التسوية واتفاق إعلان المبادئ وما تلاه من اتفاقيات، مثلت نقلة نوعية في طبيعة وشكل النظام السياسي الفلسطيني، والذي اعتبرت منظمة التحرير ممثلة ذلك النظام منذ إنشائها 1964 وتم التعامل معها كتجسيد للكيانية السياسية الفلسطينية، من حيث وجود قيادات ومؤسسات: رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واللجنة التنفيذية، والمجلس المركزي، والمجلس الوطني الفلسطيني، والقضاء الثوري، ومؤسسات أخرى أهمها القوات المسلحة. وقد حدد الميثاق القومي أولاً، ثم الوطني، الإستراتيجية والهدف، فكانت بدايةً إستراتيجية الكفاح المسلح، ثم بالتدريج من خلال صياغات تحويرية تم الانتقال من الكفاح المسلح إلى العمل السياسي، هذا التحول في الإستراتيجية كان نتيجة استعداد لتحويل الأهداف من تحرير كل فلسطين إلى القبول بالدولة على أساس الشرعية الدولية، ومع أوسلو تم الانتقال إلى الشرعية التفاوضية وتأسيس الكيان من خلالها.

كان النظام السياسي الفلسطيني منذ بداياته هو نظام حركة تحرر وطني، تناضل من خارج أراضيها، وهو ما جعل المحددات الخارجية تلعب دوراً كبيراً في قيام النظام السياسي – منظمة التحرير-، ثم التأثير والتدخل في رسم سياساته وحركاته السياسية لاحقاً.

هكذا منذ البداية لم يكن النظام السياسي الفلسطيني هو الفاعل الوحيد في رسم إطار الصراع وتحديد أهدافه وأبعاده بل كان طرفاً ضمن أطراف متعددة عربية ودولية، وزاد الدخول في تسوية غامضة من تكريس أزمة سياسية فلسطينية.

ويبدو أن الثوابت التي حافظ عليها النظام السياسي الفلسطيني، هي اقل بكثير من المتغيرات التي طرأت عليه، فنظرا لمحدودية الإمكانيات الفلسطينية:العسكرية والاقتصادية والديموغرافية (الشتات والاحتلال)، فقد استمرت التدخلات الخارجية في لعب الدور الرئيسي في توجيه النظام السياسي الفلسطيني عن أهدافه وإستراتيجية، فقد أصبحت القوى المؤثرة قوى غير صديقة أو معادية أو صديقة غير مؤثرة أو محايدة، فالمعسكر الاشتراكي قد انهار، وكذا النظام الإقليمي العربي، وحركة التحرر العالمية وليس واقع العالم الإسلامي بأفضل حال، والحركة الثورية الفلسطينية نفسها وبالرغم من تشتتها بعد الخروج من لبنان صيف 1982، كانت تشكل حالة إزعاج للولايات المتحدة وإسرائيل ولدول عربية ولكنها بعد أوسلو دخلت قفص التسوية، وتحول الثوار إلى موظفين أو رجال امن دون مهمة محددة، كذلك أن قوى سياسية جديدة ظهرت على الساحة، وحاولت أن تنقذ المشروع الوطني الفلسطيني على أسس جديدة، مثل الجماعات الإسلامية في فلسطين والمد الأصولي خارجها، إلا أن اتفاقية أوسلو وتوابعها لم تفسح مجالا ًلهذه القوى لتكون جزءاً من النظام السياسي الفلسطيني، وهذه القوى أساسا قبل أوسلو لم تكن راغبة بالانضواء في النظام السياسي الذي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية، وفي النهاية أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وأوروبا وإسرائيل هي الأطراف المؤثرة في الصراع وهذا ما ظهر جلياً منذ مؤتمر مدريد للسلام 1991 حتى كتابة هذه السطور.

وهكذا استمر مشروع التسوية بوضع شروط محددة وصلاحيات محددة على شكل النظام السياسي الفلسطيني، والذي تمثل في إدارة الحكم الذاتي والسلطة الوطنية الفلسطينية، حتى برزت إشكالية العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وما بين السلطة الفلسطينية الناشئة من خلال نصوص اتفاق أوسلو، والاتفاقيات التي تلتها والتي حددت الضوابط والصلاحيات القانونية والأمنية والاقتصادية والسياسية لسلطة الحكم الذاتي، فالسؤال كيف تدبر الفلسطينيون أمور نظامهم السياسي في ظل وجود شبه ازدواجية وغموض في العلاقة بين الأجهزة المختلفة لمكوناته ؟ بمعنى أخر ما هي العلاقة بين مؤسسات المنظمة والسلطة الفلسطينية ؟

وفقا لهذا الأساس فان النظرة القانونية للأسس التي تنطلق منها صلاحيات هذه المؤسسات، توضح طبيعة العلاقة المتعارف عليها بينهما، بالنسبة للمنظمة هي تركز على المواثيق:

1- الميثاق الوطني الفلسطيني.

2- النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.

3- اللائحة الداخلية للمجلس المركزي الفلسطيني.

4- اللائحة الداخلية للمجلس الوطني الفلسطيني.

5- وثيقة الاستقلال، فبراير 1988.

6- قرار اختيار رئيس دولة فلسطين.

أما بالنسبة للسلطة الوطنية الفلسطينية نجد مصادر نظامها في:

1- قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير بإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1993.

2-اتفاق إعلان المبادئ بين حكومة إسرائيل وفريق منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، لإقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية وانتخاب المجلس الفلسطيني في قطاع غزة والضفة بما فيها القدس.

3-رسائل الاعتراف بين إسرائيل ومنظمة التحرير.

4-اتفاقية غزة- أريحا في مايو 1994 ونقل الصلاحيات المبكرة في أغسطس 1994 ونقل المزيد من الصلاحيات في عام 1995.

5-الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي المؤقت حول الضفة الغربية وقطاع غزة في سبتمبر 1995.

6-الواقع العملي أو الأعراف القانونية.

فبالنسبة لمنظمة لتحرير فإن الميثاق الوطني الفلسطيني نص في المادة (25) على أنه تحقيقاً للأهداف الواردة في الميثاق، تنشأ منظمة التحرير الفلسطينية التي وفقاً للمادة (26) من الميثاق تعتبر ممثلة لقوى الثورة الفلسطينية ومسئولة عن حركة الشعب العربي الفلسطيني، وقد أحالت المادة (32) من الميثاق الوطني إلى النظام الأساسي لمنظمة التحرير لتحديد كيفية تشكيل هيئات المنظمة ومؤسساتها واختصاصاتها، ووفقاً للنظام الأساسي للمنظمة يعتبر المجلس الوطني الفلسطيني هو السلطة العليا لمنظمة التحرير (كما جاء في المادة السابعة من النظام الأساسي)، فالمجلس الوطني هو صاحب الاختصاص بوضع سياساتها ومخططاتها وبرامجها وآلية تنفيذها.

وقد اكتسبت المنظمة بهذا الوضع اعترافاً عربياً (خاصة منذ مؤتمر القمة في الجزائر 1973، والرباط عام 1974، وعلى المستوى الدولي حيث كان اعتراف العديد من الدول الاشتراكية ودول عدم الانحياز ودول إفريقيا وإسلامية، وكذلك الأمم المتحدة قبلت الصفة التمثيلية للمنظمة ).

من قواعد النظام القانوني الفلسطيني التي تعد مصدر للأحكام التي تحدد طبيعة العلاقة بين منظمة التحرير والكيان الفلسطيني الذي ولد باتفاق بين إسرائيل ومنظمة التحرير (السلطة الفلسطينية)، هي القرارات الصادرة عن المجلس الوطني الفلسطيني ومجلسه المركزي باعتبار المجلس الوطني المعبر عن الفلسطينيين في أماكن وجودهم المتعددة في العالم، ومن قرارات المجلس على الخصوص تلك التي تبنى بموجبها مشروع الدولة الديمقراطية الفلسطينية، وإقامتها على كل جزء من الأرض الفلسطيني التي يتم تحريرها، التي كانت بدايتها القرار الصادر في الدورة الثانية عشر للمجلس الوطني والذي أكد قراره بإعلان الاستقلال عام 1988 حيث عبر فيه المجلس عن إيمانه بتسوية المشاكل الدولية الإقليمية بالطرق السلمية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

وتمشياً مع إعلان الاستقلال كان قرار المجلس في 30/3/1989 باختيار رئيس دولة فلسطين. وتعتبر قرارات المجلس الوطني تلك وغيرها أساس الدخول في عملية سلام الشرق الأوسط، التي بدأت منذ مدريد 1991، وتتابعت بتوقيع اتفاق إعلان المبادئ عام 1993، وتلاها توقيع الاتفاقية المرحلية الدولية بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير عن الشعب الفلسطيني في واشنطن 1995، وفي أثناء عملية السلام قرر المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في دورته المنعقدة في10-12/1993، تكليف رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية وبتكليف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتشكيل مجلس السلطة الوطنية الفلسطينية في المرحلة الانتقالية برئاسة رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة.

جاءت اتفاقيات غزة-أريحا 1994، وبروتوكول القاهرة 1995، ثم واشنطن 1995، مؤكدة على مرجعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثلة للشعب الفلسطيني، وتحتوي على مؤشرات للمركز القانوني للسلطة الفلسطينية، وعلاقتها بمنظمة التحرير الفلسطينية و مؤسساتها. فقد نصت الاتفاقية المرحلية علي التزام المنظمة بإجراء انتخابات سياسية عامة لمجلس السلطة "المجلس التشريعي" ولرئيس السلطة، وان هذه الانتخابات تشكل خطوة تمهيدية نحو تحقيق الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، ولتوفر الأسس الديمقراطية لإقامة مؤسسات فلسطينية، تكون بدايةً بإقامة سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني الانتقالي بانتخاب المجلس الفلسطيني وحددت مواد الاتفاقية صلاحياته التشريعية و التنفيذية.

ومن مجمل الصلاحيات التي حددتها مواد الاتفاقية نجد أنها أعطت الدور الأساسي لممارسة السلطات للمجلس المنتخب والسلطة التنفيذية، أما صلاحيات منظمة التحرير فلم يرد لها ذكر سوي كونها طرفا شريكا مقابلا لحكومة دولة إسرائيل، وأنه وفقا للمادة (9) من اتفاقية واشنطن المرحلية في 28/9/1995 الفقرة 5/ ب ، فإن لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تجري مفاوضات توقيع اتفاقيات مع دول أو منظمات دولية لمصلحة المجلس في الأمور التالية :

1- اتفاقيات اقتصادية كما هو وارد في الملحق الخامس للاتفاقية.

2- اتفاقيات مع دول مانحة من اجل تنفيذ ترتيبات لتقديم المساعدات للمجلس.

3- اتفاقيات من اجل تنفيذ خطط التنمية الإقليمية كما ورد في الملحق الرابع من إعلان المبادئ أو اتفاقيات أخرى في إطار المفاوضات المتعددة.

قد حاول الاتفاق أن ينفي عن هذه العلاقات الدولية صفة "الدولية"، وواضح من خلال الاتفاقيات التي تم التوصل إليها أن دور المنظمة ومؤسساتها في الأراضي الفلسطينية محدودة، فالدور الأكبر هو لمؤسسات السلطة الوطنية التي أفرزتها اتفاق إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقد زاد من إشكالية طبيعة العلاقة بين منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية، فضلاً عن قلة النصوص التي تعطي دوراً رئيسياً لمؤسسات المنظمة، أن الممارسة العملية للسلطة الوطنية الفلسطينية لا تستند إلى مرجعية دستورية عليا تنظم العلاقة بين المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس التشريعي، فكل ما يوجد نظرياً في النصوص القانونية هو ما ورد في قانون الانتخابات الفلسطيني رقم 15 لسنة 1995، حيث نصت المادة الثالثة انه يكون أعضاء المجلس الفلسطيني فور انتخابهم أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني وفقاً للمادتين 6،5 من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وحتى مشروع القانون الأساسي للمرحلة الانتقالية الذي اقره المجلس التشريعي، لم يحدد ملامح العلاقة بين مؤسسات المنظمة ومؤسسات السلطة، فما ورد في المشروع لا يتعدى كونه عبارات عامة، لا يتضمن معاني قانونية محددة، ولم يبين القانون الأساسي كيفية قيادة منظمة التحرير وما دورها واختصاصات مؤسساتها، التي باتت شبه معطلة وكأنه لا دور لها في هذه المرحلة، مما يعني ذلك من وجود مؤشرات تدل على إهمال المنظمة ومؤسساتها، والذي يؤدي ذلك بدوره إلى إنهائها تدريجياً وكلياً وبالتالي إلى انتهاء الميثاق الوطني الفلسطيني، كما تريد إسرائيل لتصبح السلطة الوطنية للحكم الذاتي المحدود بديلاً عن المنظمة.

وما يهم في الاتفاقيات ومنظومة أوسلو كلها أن يتم تطبيق فعلي على أرض الواقع لمفهوم السلام وتطبيق الالتزامات الأمنية، فكان ذلك من أهم مبررات دعم سلطة الحكم الذاتي لتضمن تطبيق الاستحقاقات الأمنية على أرض الواقع، والاعتماد على العجلة السياسية للمفاوضات، وهذا هدف مرحلي، ليتحول هذا الكيان إلى دولة عبر قياس الأداء الفلسطيني من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، ولكن يبدو أن إسرائيل لا تريد لها سوى أن تقوم بدور الإنابة عن دورها، لأن السلطة ستبقى مقيدة حسب الشروط الاتفاقية، وستبقى السياسية الخارجية كلها والأمن الداخلي والخارجي كله في يد إسرائيل، مع الحفاظ على النظام العام والذي سيتم بالتعاون مع الشرطة المحلية، ويستثنى المستوطنون الإسرائيليون من نطاق سلطة الهيئات الإدارية الفلسطينية.

إن هذا النظام سيكون مضمون دوره تخليص إسرائيل من عبء إدارة المناطق المحتلة، وتشغيل المدارس والمستشفيات، ويتيح لها في نفس الوقت الاستمرار لإحتفاظها بالسلطة النهائية في يدها.

إجمالاً يمكن اعتبار اتفاق أوسلو أدخل الحركة الوطنية الفلسطينية في منعطف حاد ومرحلة جديدة، فهو أنهى مرحلة بكاملها من النضال الفلسطيني دون أن يحقق البرنامج الذي شكل أحد أبرز محاور الحقل السياسي الوطني، الذي رسمت تخومه منظمة التحرير الفلسطينية خلال ربع قرن على وجودها ككيان وطني، وهو برنامج يتمحور وما يزال حول إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وممارسة الشعب الفلسطينية لحقه في تقرير المصير والعودة، لقد أدخل اتفاق أوسلو على الحقل السياسي الفلسطيني وقائع ومناخات جديدة، أبرزها:

1- قيام سلطة وطنية فلسطينية على إقليمها الخاص في الضفة والقطاع قبل رسم حدوده من جانب، وقبل تشكل دولة من جانب ثانٍِ، وفي وضع اتسم بمواصلة إسرائيل وضع الشروط والقيود على السلطة الوطنية واستمرار استيطانها لأجزاء مهمة من الضفة الغربية والقطاع ومواصلة رفضها الإقرار بالاستقلال الفلسطيني ومترتباته ومتطلباته.

2- تلاشي عملياً دور ونشاط المؤسسات الوطنية الجامعة للفلسطينيين، وترسيخ تقليد اتخاذ القرارات خارج إطار هذه المؤسسات، مما يترتب على ذلك من تهميش كامل لمؤسسات منظمة التحرير ويخلق مخاوف كانت موجودة في زمن السلطة من تحول الشعب الفلسطيني إلى تجمعات معزولة بعضها عن بعضها الأخر، كما كرس دمج مؤسسات منظمة التحرير في أجهزة السلطة الفلسطينية، تهميشاً ككيان (مؤسسة) وكدور(ممثل للشعب الفلسطيني الوحيد في كل أماكن وجوده)، وبرنامج وطني يمثل المصالح الجامعة للشعب الفلسطيني في تجمعاته المختلفة.

3- انتخاب مجلس تشريعي لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة، الأمر الذي وفر إمكانية إدخال تعديل جذري في بينة النظام السياسي الفلسطيني، لأن قيامه، كمؤسسة منتخبة بشكل ديمقراطي ومباشر أوجد حالة جديدة، تتعاكس مع الاتجاه الذي سار عليه النظام السياسي الفلسطيني منذ العام 1982. ويفسر هذا إلى حد بعيد محاولات التهميش التي تعرض لها المجلس التشريعي من قبل السلطة التنفيذية ورئيس السلطة الفلسطينية. مع العلم أن الحفاظ على شرعية المؤسسات المنبثقة من شرعية تمثيلهم للشعب الفلسطيني بإجراء أول انتخابات فلسطينية1996، يعتبر عاملا حاسما لابد الحفاظ عليه، للحفاظ على المشروعية القائمة، وتكريس شرعية الانتخابات والتمثيل، كظاهرة ديمقراطية تدعم موقف القيادة، وتسهل تعقيدات إدارتها للصراع.

4-بروز بعض مظاهر انفضاض وعزوف عن التشكيلات السياسية القائمة(فصائل منظمة التحرير) دون ظهور تشكيلات سياسية جديدة، باستثناء الحركة الإسلامية التي تشكلت خارج إطار منظمة التحرير، كما لم تنجح محاولات تجديد التشكيلات السياسية السابقة، أو بناء تشكيلات جديدة داخل إطار المنظمة، وتستدعي الانتباه ظاهرة ضمور الأحزاب السياسية بعد اتفاق أوسلو وقيام سلطة فلسطينية، كون هذا الوضع السياسي المستجد يتطلب حضورها بقوة باعتبارها شرطاً ومكوناً أساسيا لتبلور نظام سياسي ديمقراطي.

أدخل اتفاق أوسلو تحولاً هاما في تضاريس الحقل السياسي الفلسطيني تجسد في قيام سلطة وطنية على مناطق في الضفة الغربية والقطاع، قبل قيام دولة وقبل تحديد إقليمها بشكل نهائي، وهي سلطة تجد مبرر وجودها في استكمال تحولها إلى دولة مستقلة، معتمدة بالدرجة الأولى على التفاوض مع الدولة المستعمِرة، تشكلت السلطة قبل الدولة وبوجود الاحتلال، وتضخمت بيروقراطية أجهزتها الأمنية والإدارية والمدنية، مع مناخ سياسي داخلي يتميز بغياب القضاء المستقل وضعف المأسسة "الدولانية"، وتهميش سلطة المجلس التشريعي المنتخب، وتحول حركة فتح إلى الانخراط في السلطة وقيادة نظام سياسي تحت خيمة الحزب الواحد، وهيمنة مفردات الدولة المستقلة على لغة الحقل السياسي بعد أوسلو، مع هيمنة عملية التفاوض مع إسرائيل وأساليب مواجهة العراقيل والصعوبات التي تعترض تشكل الدولة الفلسطينية على هموم الحقل السياسي الفلسطيني.

وما أن اقتربت الفترة الانتقالية حسب إعلان المبادئ، حتى أبانت عن وجود خلل جذري في التركيبة البنيوية للنظام السياسي الفلسطيني وإشكاليات في العلاقة النسقية والوظيفية بين بنى هذا النظام، حتى برزت إلى السطح وبقوة دوافع ومبررات الإصلاح الفلسطيني في السلطة وفي المنظمة، وإعادة النظر في المرتكزات القانونية والسياسية والوظيفية التي يشتغل فيها ومن خلالها النظام السياسي الفلسطيني، وجاءت الأحداث مثل تولى الليكود للسلطة في إسرائيل 1996، ومواصلة سياسية الاستيطان وإعادة صياغة اتفاق أوسلو عملياً، كذلك الصدامات المتعددة بين الفلسطينيين والإسرائيليين (انتفاضة النفق، والاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي وعناصر من الشرطة الفلسطينية عام 1996، 1998)، وتجميد المفاوضات بين الطرفين فترة غير قصيرة في العام 1997، والإغلاقات الإسرائيلية المتعددة والمتكررة للمناطق الفلسطينية كذلك جاءت انتفاضة الأقصى والتي كشفت النقاب عن العيوب المستورة، وأبانت عن الخلل الكامن في الإدراة الفلسطينية للصراع، ومن ازدواجية وارتجالية في اتخاذ القرارات وإصدار الإعلانات والتصريحات، حتى أصبح مطلب الإصلاح مطلبا داخليا وخارجيا ملحا، وقد فتحت أبواب القاهرة للقاء جميع الأطياف السياسية الفلسطينية للوقوف عند هذه النقاط ومحاولة تدراك سلبياتها، توجت بإعلان القاهرة فبراير 2005 والذي دعا إلى دمج كل الفصائل تحت لواء المنظمة بما فيها الحركات الإسلامية (حماس والجهاد الإسلامي) وإعادة إحياء مؤسسات المنظمة ودورها، وإعادة الاعتبار لقيادتها، وذلك بإشراف السلطة الفلسطينية.