صالح عبد الحي وعذوبة صوته
وجيـــه نــــدى المؤرخ و الباحث فى التراث الفنى و ما قدمه الفنان و المطرب صالح عبد الحى طيلة حياته الطربيه – هو صالح عبد الجواد محمد خليل مـن مـواليد 16اغسطس 1896 بـدرب الحنفـي بالقـاهـرة هو مطرب تميز باللون الشرقي القديم ، وغني الموشحات والمواويل ، وينتمي إلي ما يعرف باسم الصهبجية ، وهـي صحبة كـانت تحيـي الحـفلات السـاهرة حـتى مطلـع الفجـر . تربى صالح عبدالحي في بيت يعشق النغم, فقد كانت والدة صالح عبدالحي شقيقة للمطرب والصييت القديم, والمعروف عبدالحي حلمي, الذي كان يلتقي أقرانه من أهل المغنى في بيت العائلة, الذي وُلد وعاش فيه ابن شقيقته صالح عبدالحي, وفي الأجواءالتي كان الخال يتدرب فيها على حفظ الألحان, تفتّحت مواهب صالح عبدالحي في طفولته عبر ترديده لأغاني الخال المطرب الشهير, وعندما اشتدّ عود الفتى صالح, اختار اسم خاله ليكون لقبًا فنيًا له بعدما احترف الغناء بتشجيع من عازف العود علي الرشيدي, الذي قدمه لجلسات الطرب في قصور الأمراء والوجهاء, كما درّبه على حفظ لحن الدورالمعروف (ياما انت واحشني), الذي وضعه رائد تلحين الدور محمد عثمان. وقد قرّبه هذا الغناء من مستمعي ذلك العصر في بدايات القرن الأخيرعندما كان تقديم الفن, الطازج وردود أفعال عشّاق الطرب صفة تلك الحفلات التي تقام في قصور الكبراء, وأيضًا في حفلات السهر, وأفراح البسطاء والكادحين. وتتلمذ علي يد الفنان و الموسيقى محمد عمر عازف القانون في تخت يوسف المنيلاوي وبدأ بغناء الموال وبرع فيه ، وكان يتميز بصوت قوي ، فكان يغني قبل ظهور الإذاعات الأهلية في الأماكن المفتوحة أو المغلقة . ساهم في المسرح الغنائي ولم يستمر طويلا وكانت منيرة المهدية بطلة تلك الساحه وألف فرقة مسرحية غنائية باسمه عام 1929 . وتنغم بالحان زكريا أحمد ، ومحمد القصبجي . من أشهر أغانيه : ( ليه يا بنفسج – يا حليم الله – عصر الهوي – أنا عاشق فؤادي – عشنا وشفنا – حبك يا سلام – جددي يا نفس حظك – موشح صباح الخير – موشح يا شادي الألحان ..وغيرها ) وموسم 1934, انطلقت أول إذاعة رسمية عربية, وبدأ تقديم أول وصلة غنائية لأول مطرب عربي استمع الناس إلى صوته عبر هذه الإذاعة المصرية الجديدة في ذلك الوقت وصالح عبدالحي, أهم وأشهر من قدم هذا اللون الغنائي يكاد يكون غير متاح تمامًا على خريطة غناء اليوم إلا فيما ندر, وفي برامج مازالت تحرص على تقديم كنوز التراث الغنائي ولعل من المنطقي أن أفصح عن أسباب دهشتي والتي يعود أبرزها إلى عبث محاولاتي البحث عن أعمال هؤلاء الرواد مسجلة بتقنية حديثة في متاجر بيع هذه المنتجات في أكثر من مدينة في الإسكندرية وفي القاهرة وأيضًا في الكويت وفي دبي وفي مسقط وغيرها, حتى كانت مفاجأة طرحها للبيع في متاجر أمستردام. وبالتنقيب عن أعمال صالح عبدالحي المتاحة في بلداننا العربية عبرتسجيلات الكاسيت والمتاحة في الأسواق الأوربية والأمريكية عبر الأسطوانات المدمجة CD نجد أن من بينها أدواره الشهيرة (عشنا وشفنا) - (حبيبي هو الآمر الناهي) - (دموع عيني) - (يا حادي العيس) - (القلب طاب) - (ليالي وآهات) - (القلب داب) وغيرها من الأعمال الشجية والبديعة. ولما كان حظ صالح عبدالحي في وضع غير عادل بالنسبة لتقديم أعماله عبرالإذاعات المسموعة والمرئية, التي يسرف أغلبها في تقديم الألوان الإيقاعية, ولا ننسى عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد قد عرف في كتاباته الأدبية والصحفية لعدد قليل من أعلام الغناء والموسيقى قدرهم ومكانتهم, فكان أن خص بعضهم بتقديره والاهتمام بتناولهم في كتاباته التي خاضت في فكر الموسيقى والغناء, ومثلما كان للعقاد وقفات مع فنان الطابع القومي في الموسيقى العربية الحديثة سيددرويش وهو يحلل أعماله ويتنبأ بخلود فنه عقب رحيله عن الحياة في عام 1923 في كتابه (سعد زغلول.. سيرة وحياة) والذي اعتبر فيه نغم سيد درويش وإيقاظه للمشاعر من بين إيجابيات ثورة 1919 في مصر, وكان للعقاد أيضًا دور مهم في تحية عبقرية سيدة الغناءالعربي أم كلثوم. ولا نغفل تشجيعه للمطربة نادرة امين نجمة أول فيلم غنائي في تاريخ السينما العربية, وهو فيلم (أنشودة الفؤاد) إنتاج عام 1932 وأيضا لاننسى كتاباته عن صالح عبد الحى حينما وصف صوته بأنه كالماء العذب, النقي, يأخذ من كل إناء لونه ومن كل وعاء شكله. وغناء صالح عبدالحي نموذج للباقي في الأسماع من الغناء الرصين, الذي يقوم على الفهم الطيب, والجهد المكتسب في مهارة التعامل مع أبجديات الغناء العربي, ومن خلال المعروف عن قيام هذا الغناء على التلقين التقليدي, واستلهام وحفظ الأعمال التراثية, والمثابرة في التعامل الفطري مع الإمكانات الصوتية المتاحة, والاجتهاد فيتجاوز مشاكل الأداء, وتدارك أغلبها بالمحاولة الذاتية. سبق صالح عبدالحي ابن جيله محمد عبدالوهاب في المجال الذي أخلص له, وهو إحياء ليالي وجهاء المجتمع وعلية القوم, وهو ما أتى له بعد ذلك بأحد أشهر ألقابه مطرب الصالونات ومغنى الملوك والأمراء. ومثلما مضى محمد عبدالوهاب على درب صالح عبدالحي في هذا المجال, وعرف عن صالح عبدالحي صداقته لشاعر النيل حافظ إبراهيم وأمير الشعراء أحمد شوقي, وكبير ظرفاء عصره الشيخ عبدالعزيز البشري, وصل صالح عبدالحي لهذه المكانة من خلال موهبته, التي قامت على عناصرمن الصوت الجميل, والذوق والفطنة والحسّ الأدبي, وعلى قدراته المكتسبة في الأداء, والتي تمكن منها بفعل تتلمذه على غناء خاله عبدالحي حلمي, وعلى إمساكه السليم بالمقامات الشرقية وتعرّفه عليها من خلال تأثره بالثقافة الموسيقية لعازف القانون الشهير الفنان محمد عمر, الذي صحب تخت منيرة المهدية ويوسف المنيلاوي وعبدالحي حلمي وعبداللطيف البنا وغيرهم. وتزداد شهرة صالح عبدالحي مع تطور صناعة الاسطوانات وانتشارها عربيًا, وتزداد هذه الشهرة مع ازدياد محطات الراديو الأهلية في الإسكندرية والقاهرة, وقبلأن تقدم السلطات الحكومية على إغلاق الإذاعات الأهلية, وافتتاح الإذاعة الرسمية في 31 مايو 1934. وفي افتتاح الإذاعة الحكومية كان صالح عبدالحي أول مطرب يصافح صوتهالأسماع بعدما قدمه الإذاعي الراحل محمد فتحي والملقب بـ(كروان الإذاعة), وهو يغني على الهواء مباشرة رائعة محمد عثمان (ياما انت واحشني) ولم يتم لصالح عبدالحي فرصة تقديم السينما له إلا في سابقة واحدة عندما يسند له المخرج هنري بركات بطولة فيلم (الشريد) أمام زكي رستم وحسين رياض في عام 1942, وهو الفيلم رقم 140 في سجل أعمال السينما المصريه في مصر.واخراج هنرى بركات ويعد فيلم (الشريد) الحالة السينمائية الوحيدة لصالح عبدالحي والمسجل فيها غناؤه وتمثيله بالصوت والصورة, وعلى نحو يبدو أكثر ملاءمة من حالته التلفزيونية الوحيدة, التي ظهر فيها على الشاشة الصغيرة, عندما قرر التلفزيون العربي في زمن الوحدة بين مصر وسورية أن يسجل للمطرب القدير بعضًا من روائعه بعدما أقعده المرض خلال سنوات الخمسينيات, وكان أن وفق التلفزيون في بداية الستينيات في تصويره مع التخت الشهير بقيادة عازف القانون محمد العقاد, وهو التخت الذي صحبه أيام مجده وصحته. وغنى صالح عبدالحي في هذا التسجيل التلفزيوني النادر الذي سبق رحيله عن الحياة بفترة قصيرة, واحدًا من أشهر أعماله وهو (ليه يا بنفسج), كما غنى أيضًا من تراث الغناء البديع (لما انكويت بالنار, فرح العزول فيّه). يظل جميل غناء جيل الرواد, ورموز ذلك الغناء الجميل, ومن بينهم أميرالغناء في النصف الأول من القرن العشرين صالح عبدالحي, يصارع هذا الغناء الظروف من أجل فرص أفضل في الحفاظ عليها, وتوثيقها في مكتبة التراث الغنائي, وفرص أكبر من أن تتاح للكبار, فرص إنعاش ذكرياتهم, وإبهاج أيامهم الحالية بمثل هذه الألوان النادرة, وهي فرصة أيضًا للأجيال الحالية للتعرّف على كلاسيكيات الغناء, يعود بنا غناء صالح عبدالحي إلى زمن السخاء والتنوّع والعودة إلى الينابيع الصافية, التي مازلنا ننهل منها, مثل تلك الأعمال الطيبة, التي قدم من خلالها نجوم اللحن العربي أروع إبداعاتهم مثلما قدم رياض السنباطي (ليه يا بنفسج), ومحمود الشريف (حبيبي هو الآمر الناهي), وأحمد صدقي (قالوا الجمال ألوان), وداود حسني (حبك يا سلام), ومحمد عثمان (ياما انت واحشني), والشيخ عاشور (الورد مهما دبل), والشيخ أبو العلا محمد (أراك عصي الدمع), وعبده الحامولي (الله يصون دولة حسنك), وهي غير إخلاص صالح عبدالحي للأداء الرصين والشجي, ومتانة أحباله الصوتية وقدراته الأدائية العالية, يفجّر غناء صالح عبدالحي كوامن الحنين للماضي الجميل, خاصة وهو يصف غناء اليوم الذي لم يعاصره بقوله: عشنا وشفنا, واللي يعيش ياما يشوف العجب!! وكانت وفاته فى 3 مايو 1962رحمه الله و اسكنه فسيح جناته المؤرخ و الباحث فى التراث الفنى وجيـــه نـــدى [email protected]
صالح عبد الحى و عذوبة صوته بقلم:وجيه ندى
تاريخ النشر : 2015-08-16
