الآثار العسكرية لتفريعة قناة السويس بقلم :حماد صبح
تعددت الآراء توافقا وتناقضا حول المنافع والمضار من تفريعة قناة السويس الجديدة التي احتفلت مصر بافتتاحها الخميس الماضي ، السادس من الشهر الحالي . تعدد الآراء يعكس نوعية أصحابها في علاقتهم بنظام مصر ، وبين الفريقين يوجد محايدون موضوعيون متنوعو المستويات . الموالون للنظام في الداخل والخارج عدوا التفريعة منجزا تاريخيا قليل الشبيه ، وبالغوا في تعظيمه تعظيما أثار سخرية واستهجان بعض الموالين أنفسهم . والمعارضون رأوه بلا قيمة حقيقية من أي نوع خاصة في الاقتصاد ، وهو القيمة التي حرص الموالون على التركيز عليها استرضاء للأغلبية الفقيرة من الشعب المصري الذي اكتتب في مشروع التفريعة في شهادات استثمار بلغت 64 مليار جنيه مصري ( 8 مليارات دولار ) ، ويضيف المعارضون إن المشروع قصد منه تعزيز مكانة النظام ورئيسه عبد الفتاح السيسي بمنجز وهمي . وبين يحي حامد وزير الاستثمار في حكومة هشام قنديل في عهد مرسي أنه لم تكن هناك عمليا ضرورة للتفريعة الجديدة موضحا ذلك بأن القناة الأم لم تكن تعمل بكامل طاقتها لمرور السفن . ومن الآراء الموضوعية المهنية ما جاء في وكالة أنباء بلومبيرج التي ينظر إليها عالميا باعتبارها أهم وكالة للأنباء الاقتصادية . ترى الوكالة أن مشروع التوسعة لا يحتاجه العالم ، وأنه لن تكون له فائدة اقتصادية . وما هو جدير بالنظر في الحديث عن التفريعة أن التفكير فيها ليس جديدا ؛ إذ جاء في الفصل الثالث في كتاب " قناة السويس والتنافس الاستعماري الأوروبي 1882 _ 1904" للدكتور السيد حسين جلال ، الذي عرضه محمود القيعي مراسل موقع " رأي اليوم " في القاهرة أن بريطانيا وقعت مع المهندس فرديناند ديليسبس الذي أشرف هندسيا على حفر القناة الأم ؛ اتفاقية في 10 يوليو / تموز 1883 كان من بين نصوصها أن تقوم شركة القناة بحفر قناة ملاحية ثانية موازية تقريبا للقناة الأم ، وذات عمق وعرض كافيين لمواجهة تطور صناعة السفن . ويعنينا هنا التنبيه إلى الآثار العسكرية التي ستتبع التفريعة الجديدة ، ونتمنى أن يتناولها العسكريون العرب المختصون وفق ما يناسبها من فهم وإحاطة . وحتى الآن لم أقرأ أي تناول لها في هذا الجانب الهام . ومعروف أن الموانع المائية طبيعية أو صناعية تستوجب نمطا من الحرب يسمى الحرب البرمائية ، وهو بإجماع العسكريين من أعقد الحروب وأصعبها لتداخل الوسائل القتالية فيه برية وبحرية وجوية ، ولعظم أهمية التنسيق الحيوي الفعال بينها تنسيقا يساير تطورات القتال المتسارعة . وقد واجهت القوات المصرية مصاعب وتعقيدات كثيرة في الإعداد لحرب 6أكتوبر / تشرين الأول 1973التي تحتم فيها عبور قناة السويس والاصطدام الأولي مع مواقع خط بارليف الحصينة والمشرفة مباشرة على الشاطىء الشرقي للقناة ، وفضلا عن تعقيدات ومصاعب تأمين عملية العبور ذاتها تواجه القوات في حال نجاح العبور مشكلة كبيرة خطيرة يترتب عليها سير القتال ونهايته ، وهي التمكن من إقامة جسر مستقر للقوات ومتصل مع مناطق حشودها وعتادها التي انطلقت منها ؛ يصد هجمات العدو البرية والجوية . ونجحت القوات المصرية في ذلك نجاحا كبيرا حين استطاعت في ساعتين إنزال 23 ألف جندي شرقي القناة ، وفي صباح اليوم الثاني للحرب بلغ رأس الجسر المصري 50 ألف جندي مثلوا قاعدة متينة لمواجهة هجمات القوات الإسرائيلية المضادة جويا وبريا . ما العبء العسكري الذي تضيفه التفريعة الجديدة فوق عبء القناة الأم التي حددت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عدد ونوعية التواجد العسكري فيها؛ شرقي القناة تحديدا صارما ستضطر معه مصر في حال نشوب حرب جديدة مع إسرائيل ، وكل شيء وارد في مستقبل ما ، إلى عبور القناة الأم و"ابنتها " ؟ رب قائل إن التفريعة تبدأ من الكيلو 60 حتى الكيلو 95من القناة الأصلية ( 193 كم ) مع توسيع وتعميق تفريعات البحيرات الكبرى والبلاح بطول 37كم ليصبح طول التفريعة 72 كم ، ومن ثم يمكن أن تبقى الحال على ماهي عليه عند الاضطرار للعبور العسكري . تكفي 60 كم . الأمر على كل حال مفتوح للنقاش واجتهاد الرأي . وما نعرفه ونقتنع به أن مشروع قناة السويس الأم ارتبط ارتباطا وثيقا بالمشروع الصهيوني في المنطقة . ويشير الدكتور السيد حسين جلال في كتابه إلى أن افتتاح القناة حرك الأطماع الصهيونية فيها وفي سيناء . وننظر للأمر من زاوية معاكسة ، ونقول إن الأطماع الصهيونية في المنطقة وفي سيناء تحديدا وبداية هي التي كانت وراء حفر القناة ، ولا ينفي ذلك أنه كانت وراء الحفر تطلعات ملاحية عالمية أخرى مشروعة واستعمارية في أوروبا خاصة أن النقل البحري تجارة وحربا كان في القرن التاسع عشر فائق الأهمية والخطورة قبل اختراع الطائرة ، وأن حفر القناة اختصر المسافة بين أوروبا وآسيا ب 8900 كم، ولا ينفي كذلك اهتمام القائمين على مشروع الوطن اليهودي للاستفادة من القناة في حال بدء مشروعهم في سيناء . وبرهان ما نقول أن نابليون بونابرت أول زعيم أوروبي يدعو لإقامة وطن يهودي في فلسطين هو أول من دعا لحفر قناة السويس ، وأرسل ديليسبس للتفاهم حول المشروع مع الخديوي سعيد ، وهي المهمة التي نجح فيها بعد حصول سعيد على موافقة الدولة العثمانية على المشروع . والهدف من القناة من وجهة نظر نابليون والصهاينة أن تكون عازلا بين مصر من جهة ، وسيناء وفلسطين اللتين رشحتا للوطن اليهودي من جهة أخرى ، وبدء المشروع بأي منهما لا يعني أن الأخرى خرجت منه . في خطتهم أن تتبع الأولى الثانية ، وما زال المخطط قائما ينتظر التنفيذ ، وبناء عليه يأتي تساؤلنا عن الآثار والأعباء العسكرية التي قد يضيفها حفر تفريعة السويس الجديدة على مصر عند انفجار حرب جديدة مع إسرائيل ، ومثلما قلنا كل شيء وارد في مستقبل ما ، وأحداث سيناء الصعبة ، وكل علاقة مصر مع سيناء وجوارها في غزة صارت صعبة خارجة عن سياقها الطبيعي والتاريخي ؛ ترشح أسوأ التوقعات التي ليست في صالح مصر للحدوث . القناة الأصلية والقناة الفرعية قضتا على التواصل البشري البري العفوي بين مصر وسيناء وفلسطين ، وصنع هذا القضاء أحداثا تاريخية كبرى نعرفها ، وسيصنع أحداثا تاريخية كبرى نتوقعها ونخافها ، ويزيد من سوء خطورتها أن مصر لم تحسن يوما التعامل مع مسألة سيناء إحسانا يوثق علاقتها بالوطن الأم ، وهي ماضية الآن في نفس الطريق بتصعيد واسع السوء والتدمير لتلك العلاقة في الأحداث الحالية في سيناء التي يلفها تعتيم ، بل تظليم إعلامي كثيف مصحوب بتزوير لمجرياتها ، لكنها تتسرب وتعرف برغمه؛ فما من شيء يمكن حجبه كاملا في زمن ثورة الاتصالات وفيضان الأخبار والمعلومات .
الآثار العسكرية لتفريعة قناة السويس بقلم : حماد صبح
تاريخ النشر : 2015-08-10