من قتل علياً... حرقاً
بقلم: أبو فاخر / أمين السر المساعد لحركة فتح الانتفاضة
فجر يوم الجمعة 31/ تموز، صحونا على جريمة وعدوان صهيوني جديد، حيث قام أربعة مستوطنين بدخول بلدة دوما النابلسية، وتوجهوا إلى بيت الدوابشة ليقتحموا المنزل، ويشعلوا النيران به برمي زجاجات المولوتوف الحارقة، وليقضي الطفل الرضيع ابن الثمانية عشر شهراً شهيداً بعد احتراق جسده، وليحترق والده ووالدته وشقيقه الذين يعالجون الآن من آثار الجريمة، والمعلومات الواردة أن وضعهم الصحي بالغ السوء، ولحظة إعداد هذه المقالة جاء خبر استشهاد والده الشهيد سعد رحمه الله.
ولعله من نافل القول تحميل المسؤولية للعدو الصهيوني، صاحب التاريخ الحافل بالجرائم والمجازر منذ أن وطأت أقدام الصهاينة الغزاة أرض فلسطين، وقبل قيام كيانهم الغاصب وحتى يومنا هذا، وأمام هذه الجريمة لا ننسى القتلة الصهاينة المجرمون وعصاباتهم، الهاغاناة، وشتيرن، والأرغون، ولا ننسى أسماء قادة العصابات أمثال شارون، وبيغن الذي رأي الفلسطينيين صراصير ينبغي سحقهم، وبن غوريون القائل أن هدف العسكرية الصهيونية هو إجبار الخصم على الرضوخ والانحناء، ولا هرتزل الذي دعا لتنظيم حملة صيد جماعية تطارد الحيوانات ورمي قنابل شديدة الانفجار وسحقهم.
إن استعراض السجل الإجرامي لهؤلاء الغزاة لا يضيف شيئاً إذا لم يتضمن استخلاص الدروس، وحسم الموقف، واستعادة الإرادة الضائعة، واتخاذ قرار الدفاع عن النفس، والدفاع عن الأرض، والدفاع عن الحقوق، وصولاً لقرار وطني واسع حاسم وحازم، أنه ما من سبيل للتحرير والتخلص من الاستيطان والمستوطنين وشرورهم إلا بالمقاومة، المقاومة بكل أشكالها، المسلحة نموذجاً، والانتفاضة الشعبية العارمة نموذجاً، ومطاردة كل جندي وكل مستوطن بالحجر والسكين وكل سلاح مهما كان بدائياً نموذجاً، ومقاطعة العدو مقاطعة نهائية نموذجاً، ووقف التنسيق الأمني ضرورة، واعتبار اتفاق أوسلو لاغياً وكأنه لم يكن واجباً.
كان فجر الجمعة الحادي والثلاثين من تموز الماضي حزيناً، وكان لحظة تضامن، عبر فيها الكل الفلسطيني عن مشاعر الحزن والسخط والغضب، وتجسد فيه التلاحم الوطني بشكل ملموس، ولكن ما إن انتصف النهار حتى عادت (حليمة لعادتها القديمة) ليصبح الدفاع عن توجه السلطة السياسي هو الواجب والخيار الوطني، وعن ضبط النفس ريثما يتم رفع الشكوى للأمم المتحدة ولمحكمة الجنايات هو الموقف الوطني الذي لا يشق له غبار.
وكان اللافت للانتباه أن وسائل الإعلام الفلسطينية في أغلبها وكذلك العربية، وتصريحات قادة ومسؤولين كُثر تصف ما حصل بالجريمة، وهي جريمة بكل المعايير، جريمة يندى لها جبين الإنسانية، لكن السؤال لمَ تجنب وصف الحادث الإجرامي بالعدوان، لم يكن هذا بدون هدف، فلقد كان مقصوداً تماماً، فالعدوان يجري الرد عليه، هذا من طبيعة الأشياء، وهذا تقتضيه القوانين والأعراف والرسالات السماوية والأرضية، أما الاكتفاء بوصف الحادث بالجريمة فهناك المحاكم والقضاء الذي ينظر بأمر الجنح والجنايات والجرائم ، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
الفعل الإرهابي بالتسلل إلى دوما النابلسية، واقتحام بيت آل الدوابشة وإشعال النيران فيه جريمة وعدوان يجب الرد عليه، ونحن نربأ بأنفسنا أن نجعل من بيت آل الدوابشة المحترق منبر خطابة، أو من جسد الرضيع الفلسطيني الشهيد المشتعل منصة لتصريحات، فكل ما نؤكد عليه اليوم ونعلنه بوضوح للكل الفلسطيني، لكل الفصائل والقوى، لكل القيادات والكوادر، لكل حر وشريف في شعبنا وأمتنا، إذا لم تكن هذه الجريمة–العدوان نقطة تحول في الأداء الوطني العام، فنحن على موعد جديد مع بيت آخر يحترق، وجسد آخر يشتعل، وفتى آخر يدفن حياً، وشجرة زيتون أُخرى يجري اقتلاعها، ومواطن آخر يزج به بالسجون والمعتقلات، ودونم أرض جديد يجري مصادرته.
في هذه الأيام وهذه الظروف وأمام هذا الفعل العدواني الإرهابي، وغيره من ممارسات التهويد والاستيطان والقمع والتنكيل، نطرح سؤالاً نؤكد على ضرورة مناقشته في الداخل الفلسطيني المعني بالأمر، لماذا يتجرأ المستوطنين الاعتداء على أهلنا ومهاجمتهم؟، كيف باتوا يرون المجتمع الفلسطيني هل هو مجتمع مقاوم، منظم، عند إمكانات وإرادة المواجهة؟، أم بات مجتمعاً يعيش وينتظر أوهام ومسارات السلام المزعوم، فأخذ ينحو للهدوء والمسالمة، لأنه ليس هناك من عدو يمارس عدوانه ويشن حربه إلا بعد معرفة واقع عدوه وتوجهاته، وحالته السياسية والوطنية، ومدى تماسكه وحجم ردة الفعل على ما يمكن أن يرتكبه من جرائم واعتداءات، فهل حقاً تمكنت سنوات السلام الاقتصادي، وبرنامج دايتون الأمني من أن يفعلوا فعلهم في الحامل الوطني، المكون من الفصائل والقوى والهيئات ومؤسسات المجتمع المدني، والاتحادات والشخصيات ووسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية!، ونقول الحامل الوطني وليس جماهير الشعب، فهي صافية ، نقية، مناضلة، معطاءة، باسلة وشجاعة، مضحية، لها تاريخها المشرف بالمقاومة والتضحية والعطاء، هذه هي الحقيقة وليس بوسع صاحب الكاريكاتير المخزي أن ينال من تاريخ هذا الشعب المشرف بالضفة في عموم بلدانها وقراها ومخيماتها، أو ينال أحداً من دور وتاريخ والسجل الكفاحي لكل مدينة وقرية وبلدة ومخيم وتجمع فلسطيني في عموم الأرض الفلسطينية.
المشكلة ليست في الجماهير، المشكلة في الحامل الوطني ، هذه الحقيقة التي نطق بها الطفل الفلسطيني الرضيع لحظة صعود روحه إلى السماء تشكو بارئها ذل وخنوع ومهانة وظلم ذوي القربى، الذين باتوا يتفرجون على الكارثة، خاضعين لاشتراطات العدو، مذعورين من أي تحول وطني يخالف توجهاتهم السياسية كما صرح بعضهم بعدم السماح بتجاوز التوجهات السياسية للسلطة.
لماذا لا نقاوم، ونكتفي بالصراخ؟، لماذا هذا التراجع المريب بالأداء الوطني العام؟، فالتهويد والاستيطان يبلغ الذروة، والقمع والتنكيل لا حدود له، وأوهام السلام تتعرى وتتعثر ولا طائل من ورائها، ومسارات تصفية قضية فلسطين تفعل فعلها في العديد من محافل ومنابر أبناء جلدتنا العرب والمسلمين، سواء في العواصم العربية أو جامعة الدول العربية، أو الصمت المريب للمؤتمر الإسلامي ، إلى غير ذلك من محافل على الصعيد العالمي.
سنوات طويلة ونحن نعود أنفسنا على ترديد ذريعة التنسيق الأمني وذريعة الانقسام، وذريعة الإمكانات، لتبرير الضعف السائد في الأداء، والحقيقة أنه لا التنسيق الأمني المهين والمعيب يمنع المقاومة والمواجهة ورد العدوان، ولا الانقسام التنافسي على السلطة يضعف الإرادة الوطنية أو يقلل من الجهد الوطني، ولا قلة الإمكانيات من شأنها أن تقعد أحداً عن القيام بواجبه النضالي، فهل المستوطنون المجرمون الذين اقتحموا بيت الدوابشة وأشعلوه، استخدموا الصواريخ والطائرات والدبابات والمدفعية، أم بزجاجات المولوتوف الحارقة وعيدان الكبريت، فهل نسينا صناعتها ولم نعد نملك اليوم تقنية الحصول عليها، إنها أكاذيب وذرائع ليس إلا، فعندما انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة كانت ملاحقة من قبل جيوش وأجهزة أمنية، هل نسينا الشهيد أحمد موسى ومن قتله، والشهيد جلال كعوش ومن قام بتصفيته، هل نسينا السجون والمعتقلات العربية التي لاحقت أبطال الثورة، أبطال العاصفة، والمقاومون من أبناء شعبنا المناضل، هل سمعنا في التاريخ أن مقاومة تندلع بعد أن تستأذن السلطات الحاكمة أو الحصول على تصريح الأجهزة الأمنية لها، فكفى ذرائع وتبريرات، أما ذريعة الانقسام فهي الأخرى لا قيمة لها، وليس صحيحاً أن الانقسام هو سبب البلوى أو العجز الوطني لا غير، إن سبب البلوى والعجز الوطني هو افتقاد الإرادة والركون إلى الحلول والأوهام وانتظار الحل من أميركا وأوروبا والدول العربية الرجعية، من السعودية وقطر وتركيا، لابد من الصراحة والوضوح لا بد من كشف الذرائع والتبريرات وفضحها، المشكلة أن بعضنا يرى في الصهاينة والمستوطنين شركائنا بالوطن، جيراننا، ونرى أن كل ما بيننا وبينهم من نزاعات ما هو إلا مجرد خلافات، حتى ولو كانت حادة، وليس تناقضاً وجودياً، اليوم أكثر من أي وقت مضى نسأل إلى متى يظل شعبنا محكوماً بهذه التوجهات وهذه النظرة وهذه السياسات، والغريب أن البعض يرحب بإدانة واستنكار الصهاينة الذين أصدروا تصريحات لتحسين صورتهم أمام المجتمع الدولي وأرسلوا الوفود للمقاطعة لامتصاص الغضب، والاكتفاء بتحميل الجريمة إلى أفراد خارجين عن القانون.
وبعد..
الحزن يعتمر بالقلوب، ومشاعر التضامن والتلاحم الوطني تلازمنا، لا نريد نكأ الجراح، نريد بالتأكيد مراجعة وتقييم، وندعو لبلورة إستراتيجية وطنية تتجاوز السياسة الفلسطينية الراهنة القائمة والمتحكمة بشعبنا، اليوم بتنا نطرح على أنفسنا أسئلة عميقة شبيهة بالأسئلة التي جرى طرحها وتداولها ونقاشها في أوساط شعبنا في خمسينيات القرن الماضي في العديد من التجمعات والمخيمات والبلدات والقرى، وأهمها سؤال ما العمل تجاه الكارثة-النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني، ليس في هذا عودة للوراء وتجاهل لخمسين عاماُ من عمر الثورة المعاصرة، هو عودة للينابيع، والينابيع ليس وراء، وليس أرشيف، وليس تاريخاً مضى، الينابيع مصدر عطاء يتدفق ولا يجف، والسنوات الخمسون من عمر الثورة المعاصرة مليئة بالدروس، غنية بالتجربة عميقة بالفكر، تدلنا على الجواب الوطني الصادق عن سؤال وطني صادق، سؤال ما العمل، نجده بالمقاومة، بإرادة المواجهة، بالكفاح المسلح، بحرب الشعب، بالهبات والانتفاضات، بالمواجهة اليومية، هذا هو الطريق، وهذا ما يحمي قضيتنا ويصون حقوقنا ويطرد الغزاة المستوطنين من كل ذرة من أرض الوطن، ويكفل لشعبنا الأمن والأمان والعيش بسلام.
من قتل علياً... حرقاً بقلم: أبو فاخر
تاريخ النشر : 2015-08-09