بقلم نيروز قرموط
روان ياغي طالبة فلسطينية ، تدرس اللغويات في جامعة اكسفورد في بريطانيا ،كانت قد أجرت معي حوارا من خلال أسئلة راودتها ، بعد أن شاركت عوضا عني وعن الدكتور عاطف أبو سيف في عدة فعاليات من أجل كتاب غزة الذي أصدر العام الماضي من خلال دار النشر البريطانية "كوما برس" ، ذلك أنها تعمل على كتابة مدونة تشرح بها عن صعوبة السفر من خلال المعابر الفلسطينية ، بطلب من دار النشر " كوما برس "حيث ستترجم للغة الانجليزية ويتم نشرها هناك ، وكان من المقرر لها أن تزور غزة مؤخرا لرؤية أقاربها ، وإجراء مقابلة شخصية معي ، إلى أنها لم تتمكن من العودة ،ومازالت عالقة في الأردن الشقيق ،مما دفعنا للتواصل الالكتروني عبر صفحة الفيس بوك الخاصة بكلينا ، ومنه انتهينا لهذا الحوار الذي ستشمله مدونتها المترجمة، الذي لربما يشرح كثيرا مما نتعرض له كفلسطينيين ، عندما نحرم في كل يوم جديد من حق الحركة والتجوال كما أي انسان حر على وجه الكرة الأرضية، وإليكم الحوار ;
. ما الأسباب التي منعتك للسفر ؟ وفي حال استطعت السفر للقيام بجولتك ، ما هي أهدافك المبتغاة ؟
عندما أسأل مثل هذا السؤال فإنه من البديهي أن أجيب بجملة مختصرة " غزة هي تحت الحصار " كما هي الضفة الفلسطينية ولكن بصورةأخرى ،وهذا الحصار إحدى أهم مظاهره ، هي إغلاق المعابر ، مما يعيق حركة البضائع والمسافرين سواء أكان معبر بيت حانون "إيرز" أو معبر " رفح البري" مع الحدود المصرية .
" في حال شئت تفصيل الحالة السياسية التي نقع جميعا ( كفلسطينيين يسكنون في قطاع غزة ) تحت واقعها " .
هذا الواقع يشوبه كثير من التعقيدات السياسية والإدارية والقانونية ...
وأنا في صدد سرد معظم ما مررت به من معيقات جعلتني استنفذ مدة الفيزا الممنوحة لي من المملكة المتحدة كاملة وهي لمدة شهر، وللعلم خلال هذه المدة ، تم تأجيل موعد حجزي للطيران من قبل دار النشر الداعية لي " كوما برس " أكثر من مرة..
في بداية هذا العام ،عقدت عزيمتي على السفر ، ولم أتردد في قبول الدعوة من دار النشر " كوما برس " للمشاركة في عديد من الفعاليات حول كتاب غزة ، وقراءة قصتي التي لاقت صداً جميلاً ،أفخر به ، عند كثير من القارئين ، قصتي "عباءة البحر " ، رغم كل ما أحاط بي من كارثة الحرب الأخيرة على غزة ، وما تركته من آثار على عقلي ومخيلتي وروحي المتألمة ومنزلي الذي أسكنه، إلى جانب عدم فقداني للأمل بأن أعبر الحدود حتى وإن كانت مغلقة معظم أيام السنة ،وعليه بدأت بإجراءات السفر ، وتجهيز كل ما هو مطلوب ،ومنه كانت رحلتي على مدار العام في معيقات هذا السفر المحتمل ،وها هي إليكم أعرضها بصدق الكاتب وقلمه الحر :
. عندما ذهبت للقنصلية البريطانية في غزة من أجل الحصول على فيزا للسفر إلى بريطانيا ،من أجل إعطاء محاضرات حول الأدب الفلسطيني في أكثر من جامعة هناك ، وحضور مهرجانات للحديث عن كتاب غزة الذي شاركت به من خلال كتابتي لقصة "عباءة البحر" ، كان الرد في المرة الأولى هو رفض طلب الفيزا ، ذلك كان لسبب نقص الأوراق المطلوبة لاستصدار فيزا للسفر إلى بريطانيا .
إحدى هذه الأوراق هي "ورقة إثبات عمل " .
هنا وقعت في معضلة كبيرة ، حيث أنني إلى جانب كوني كاتبة فلسطينية ، أنا أعمل في وزارة شئون المرأة الفلسطينية ، وهنا تتوضح آثار الانقسام الفلسطيني حول السلطة ما بين تنظيمي فتح وحماس ، مما أثر على العمل الإداري للوزارات الفلسطينية إلى جانب الانقسام الجغرافي ما بين الضفة وقطاع غزة وصعوبة المرور من خلال المنفذ الوحيد ما بينهما وهو معبر بيت حانون "إيرز" الذي يقع تحت السيطرة الكاملة للاحتلال الاسرائيلي .
حيث اضطررت إبلاغ صديقة لي تقطن في رام الله لأن تطلب من مديري العام الإداري والمالي استصدار ورقة تثبت عملي في وزارة شئون المرأة ، نظرا لأني أتبع إداريا موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله وليس غزة بحكم سيطرة حركة حماس على السلطة فيها.
ويجدر الإشارة ،أن هذا الرجل كان خدوما جدا ومتعاطفا معي، كزميلة له في ذات الوزارة ، تعيش في حصار مشدد داخل جزء من أرض وطنه الفلسطيني .
( لكن مع الإشارة إلى أنني منذ أن بدأت الكتابة عام 2008 بعد الانقسام الفلسطيني، حتى الآن ، وبصفتي جزء من وزارة شؤون المرأة منذ بداية تأسيسها وتأهيل كادرها ، وتدريبه حول كثير من مفاهيم النوع الاجتماعي والتنمية المستدامة واتفاقيات حقوق الانسان وحقوق المرأة وقانون الأحوال الشخصية وتطويره نحو العدل والمساواة ، وماهية إعلام النوع الاجتماعي ، إلى أنه لم يتواصل معي أحدا من المسؤولين في الوزارة أو موظفيها منذ ذلك العام ، ورغم أساس عملهم الذي يعتمد على دعم وجود المرأة الفلسطينية في كل المستويات السياسية والقانونية والعلمية والاعلامية والإبداعية ،إلى أن أحدا منهم لم يهتم بي أو يدعمني بقليل من التشجيع , أو حتى يواكبني في تجربتي الابداعية الأدبية التي تحمل هموم كل الشعب الفلسطيني وخاصة ما أبرزته حول امرأته الفلسطينية ورمزيتها نحو التحرر , أو كامرأة تحمل وجهة نظر سياسية من خلال كتاباتها المتواصلة للمقالات السياسية على مدار من الأعوام الماضية ، وما أنجزته من تفاعل مع الشباب الفلسطيني حتى الآن ، لا وزارتي ولا المؤسسات النسوية المعنية بشؤون المرأة كان لها دور فعّال رغم أنني شاركت إحدى هذه المؤسسات في كتابة كثير من السيناريوهات التي تسلط الضوء على المرأة الفلسطينية وحقوقها المهمشة ، كل ما فعلته لم يكن من أجل المال ، بل فقط خطوة تلو الخطوة ، نحو تحرير نفسي وتحرير شعبي من كل ما يكبله ويحبس طموحه الفكري والثقافي)
(ويجدر هنا التوضيح للعالم في الخارج ،أننا كموظفين للسلطة الوطنية الفلسطينية ،كنا قد التزمنا بيوتنا بعد المواجهة المسلحة الأخيرة بين تنظيمي فتح وحماس ،ومنه استولت حركة حماس على السلطة في غزة ، وصدر لنا قرار رئاسي ووزاري بعدم الدوام الوظيفي ،ذلك أن حركة حماس لم تتردد من قبل من أن تنقسم السلطة في إحلال موظفين جدد بدلا من موظفين السلطة القدامى ، موظفين يحملون الولاء الكامل لسلطتها ، وتوالت الأيام إلى يومنا هذا).
ما حدث أن تمكني من الحصول على الورقة المطلوبة ، لإثبات عملي ، سهّل لي الحصول على الفيزا فيما بعد ، ولكن استغرق ذلك مزيدا من الوقت الذي لم أكن أتوقعه.
بعد ذلك كان علي أن أتوجه إلى الشئون المدنية الفلسطينية لطلب تصريح مرور من أراضي الضفة إلى جسر الأردن ومنه حجزي هنالك من العاصمة عمان إلى لندن بسب اغلاق معبر رفح البري مع الحدود المصرية .
( تحت مبرر الدولة المصرية بخوفها على أمنها القومي العربي المصري من هجمات إرهابية من منطقة شمال سيناء وقطاع غزة إلى جانب توجس المصريين من حكم حماس لغزة وشكل علاقتها مع حركة الاخوان المسلمين ، الحركة التي لم تنجح في حكم مصر عندما دخلت التجربة الديمقراطية والانتخابات الرئاسية المصرية )
حيث أن الشئون المدنية الفلسطينية هي الجهة المخولة بتقديم طلبات الفلسطينيين للجانب الاسرائيلي والعمل على تسهيل حياة المواطنين ومتابعة الطلبات بحكم أنهم الجهة الأمنية المسؤولة عنا كمواطنين في الأراضي الفلسطينية حسب اتفاقية أوسلو للسلام .
وهنا طلب مني عدة أوراق رسمية ما قبل الموافقة على طلب تصريح للمرور وللعلم كانت قد طلبتهذهالأوراق من الجانب الفلسطيني وذلك من خلال إعلامنا أن الجانب الاسرائيلي لن يقبل استصدار تصريح لي بدونها .
لذا للتنويه ما طلب مني كان كالآتي :
. ورقة عدم ممانعة لدخول الأردن .
. صورة للفيزا .
. طلب الورقة الأصلية للدعوة الرسميةلي من الطرف المضيف في بريطانيا ( للإشارة هنا أنا نفسي لا امتلك الورقة الأصلية للدعوة الرسمية حيث أنها وصلتني عبر الإيميل الالكتروني ، والطرف المضيف هو واضح على الفيزا المطبوعة على جوازي الفلسطيني ، وهو دار النشر " كوما برس ".
. موعد حجز الطيران وفعلا هذا ما تم ،حيث حُجِز لي أكثر من رحلة حتى انتهى الموعد النهائي للفيزا ، والشكرلدار النشر "كوما برس " والممولين على ما منحوني إياه من اهتمام وتقدير.
. لم تكن معاملة الجانب الفلسطيني معاملة سهلة أو تليق بي ككاتبة ومثقفة فلسطينية كتَبَت في الشق السياسي ما يقرب الثمان أعوام ،حتى استطعت أن أنجح في الكتابة الابداعية في الجانب الأدبي والقصصي .
حيث اضطررت الاتصال بأكثر من جهة فلسطينية من أجل الضغط على العاملين في الشئون المدنية لتسريع تقديم الطلب وإعطائه الأولوية لاضطراري للسفر ، وضيق الوقت المتاح لي ، حيث أن سفري هو ليس من أجلي أنا فقط ، بل هو من أجل فلسطين كل فلسطين ، فنحن عندما نخرج ونقرأ قصصنا ونتحدث عن أدبنا الفلسطيني في الخارج إنما نحن ننقل الصورة الحقيقية للمشهد الفلسطيني ، ونخدم بالدرجة الأولى والأخيرة القضية التي نحملها جميعا قضيتنا الفلسطينية .
أفهم تماما أن السلطة القائمة في غزة الممثلة في حماس هي لا تعنى بأمري كثيرا ، فأنا لا أمثل لها أفكارا أو امتدادا،معالعلمأنأدواتها الإعلامية المحلية لم تتردد في الحديث عن كتاب غزة الذي صدر العام الماضي في بريطانيا ، وعن عملنا الأدبي من أجل فلسطين ونقل الصورة الانسانية عن قطاع غزة ، حديث كان بشكل ايجابي نحترمه ككتّاب فلسطينيين، وكانت الخطوة الأخيرة فيما لو تحصلت على تصريح مرور لمناطق الضفة الفلسطينية ، أن آخذ الإذن من حكومة حماس في غزة من أجل المرور عن معبر بيت حانون " ايرز" ، لذا أحاول أن أوضح للعالم أجمع كم نحن نعيش في ضائقة وفي سجن وتحت حكم سلطات عدة وهيكل تنفيذي منقسم من الرأس حتى الأسفل ، حكم بيروقراطي لا يهتم بحقوق المواطن والفرد.
أعلم تماما أن كلا من سلطتي الحكم في غزة والضفة هما تحت طائلة وسلطة الاحتلال الاسرائيلي ، التي تتحكم بالسلطتين من خلال مصادرة السيادة الفلسطينية على مناطقها ومراقبة كل نقاط العبور للمسافرين بحجة الفحص الأمني والخوف من الإرهاب.
أليس كل هذه الضغوطات هي أكبر من كل الارهاب الذين يدعون مواجهته ، أكثر من مليون وثمان مئة نسمة يعيشون في مساحة صغيرة ، يضيقون عليهم الحركة ، وما على الناس إلا الأكل والنوم ، حتى يفقدون الأمل في آدميتهم وطموحهم وأحلامهم ، حتى تشّل حركتهم البدنية القادرة على تغيير الحياة ، ويلبثون ببيوتهم أكثر ساعات اليوم ، أهذه حياة !!!!
أتعجب ممن يتحدث عن الانسانية ، ما هي الانسانية ؟
أهي إدخال مؤن طعام من أجل سد أفواه الناس ، أنحن في سجن حتىنتعرضفي وقت مستقطع إلى هجماتحربيةجديدة؟ أهذا ما تنبأه الديمقراطيون وأحرار العالم لعام 2015 ، ما ذنب المجتمع الفلسطيني بكل هذه المتناقضات السياسية العربية والاقليمية والدولية حتى يتفجر الوضع الداخلي الفلسطيني وينتهي بنا المطاف إلى سلطتين هلاميتين لا يمتلكا أدنى قوة في تحريك أدواتهم السيادية على الأرض من أجل عيش كريم للمواطن الفلسطيني ، كنا نتحدث في أدبنا وسياستنا عن تحرير الأرض الفلسطينية ، الآن نتحدث عن الحاجات الآنية لتسهيل حياة المواطن الفلسطيني في أماكن تواجده سواء أكان لاجئا في مخيمات الشتات أو مخيمات الداخل في الوطن الفلسطيني ،أو حتى وإن تواجد كمواطن في مدينته أو بلدته أو قريته الأصلية فيما تبقى لنا من أراضي فلسطينية تحت الحكم الذاتي للسلطة الوطنية الفلسطينية ، لست بصدد الحديث هنا عن فلسطيني أراضي 48 فنحن نعاني القدرة في التواصل معهم داخل دولة اسرائيل رغم أنهم عرب فلسطينيين ومن الصعب دخول تلك الأراضي التاريخية ، هذا يحتاج إلى موافقة لتصاريح مرور أخرى ، فهم موضوع آخر يتسع الحديث عنه.
أما عن هدفي ، مللت الصورة النمطية التي تروّج عن غزة في كل وسائل الإعلام العالمية المرئية والمقروءة والمسموعة، ربما نمتلك فكرا محافظا في كثير من مما نعبر عنه في كلماتنا وسلوكنا وتفاعلاتنا ، لكن غزة هي تاريخ وحاضر ومستقبل ، هي جزء من فلسطين التاريخية ،في كل منزلقات التاريخ كانت تتطور منظومتها الاجتماعية والثقافية ،حتى تمتلك هوية خاصة تعبر عن مدينتها وبلداتها وقراها ، هي البحر وقطف الليمون والبرتقال ، هي زيت الزيتون ،هي الرمال الهائجة التي تبحث عن متنفسا لها ، كي تظهر رونقها وأسلوبها الحقيقي في الحياة ،لم تكمل غزة دورتها ولو مرة واحدة في التطور والبناء دون أن تتعرض للاغتصاب والوأد والتدمير ، إن كانت غزة تريد التحرر من الاحتلال ، فهي في كل مرة كانت تكافح وتقاوم من أجل ذلك ، كانت تريد أولا وأخيرا تحرير إنسانها الفلسطيني وفك قيوده الفكرية التي لم يصنعها إلا خوف المجهول جراء الضربات المتسارعة عليها ،كتبتها في قصتي وسأقولها مرة أخرى "
. كنت قد سألتني أنت الشابة الرائعة روان ياغي بعد أن شاركت عوضا عني وعن الدكتور عاطف أبوسيف في الفعاليات من أجل كتاب غزة ، حيث كان لك شعورا نبيلا يرفض إلغاء الفعاليات المقامة من أجل الكتاب ، بسبب تعثر سفرنا إلى بريطانيا بحكم تواجدك هناك كطالبة فلسطينية تدرس اللغويات في جامعة اكسفورد ، سألتني هل برأيك اسرائيل كان لها هدفا في إفشال الكتاب وفعالياته من خلال منعكم من السفر بتلك الفترة ؟وهل منعك من السفر له علاقة بكونك كاتبة فلسطينية ؟ أو بلغة أكبر هل فئة الكتّاب والأكاديميين الفلسطينيين هم الفئة الأكثر استهدافا من المواطنين الفلسطينيين التي تحرص دولة اسرائيل على منعهم من السفر والخروج للعالم ؟
برأيي أن الشعب الفلسطيني برمّته هو مستهدف بمنعه من السفر ، سياسة (تكتيكية وأخرى استراتيجية)تهدف للتضييق على الفلسطيني من أجل خلق رأي عام فلسطيني محدد ، رأي هو متخبط ومعارض ومتطرف وراضٍ في نفس الوقت ،أي ما يجعلك كفلسطيني تدور حول نفسك مما يدفع بك بأن ترفض سلطتك الفلسطينية عندما لا تمتلك لك حلولا لا بالتحرير ولا بإدارة متطلباتك المعيشية كمواطن عادي ، وترى أن كل السيادة هي في يد واحدة هي يد اسرائيل ، هو رأي عام تهدف إليه السياسة الاسرائيلية ،ومن أجل أيضا خلق واقع معيشي فلسطيني محدد يخدم الأهداف الاسرائيلية فيما بعد وهو (واقع منهك لبعض الفئات الفلسطينية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومربح ومريح جدا لبعض الفئات الفلسطينية الأخرى)
وإضافة إلى ذلك هو تدرجالفرض الواقع الاسرائيلي على الأرض من خلال خطوات تنفيذية محددة إلى جانب الاستيطان الاسرائيلي وخلق التكتلات الممكنة من المستوطنين داخل الاراضي الفلسطينية بما يقطع أوصالها وتماسكها كأرض وشعب وطلب الحماية الأمنية لهذه التكتلات مما يفتح باب المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية حول الحل الأمني لا الحل السياسي من أجل السلام وهذا بالأساس ما تحاول اسرائيل إثباته إلى جانب الحل الاقتصادي ، مما يضيّع كثيرا من الحقوق السياسية للفلسطينيين ، كل هذا يجري تحت ما يسمى ( بسياسة الأمر الواقع)، بالنسبة لما تفضلت إليه حول محاربة حرية الكتّاب والاكاديميين في التنّقل ، فهنا تدخل مفاهيم وتناقضات ومفارقات عدة ، من جهة اسرائيل تروّج لنفسها دوليا كدولة ديمقراطية مدنية تراعي حقوق الأقلية وحقوق المواطنة وتتعامل مع جيرانها بما يمليه ضميرها الانساني كدولة تحترم الانسان والقانون الدولي ، هنا يتمايز الفعل الاسرائيلي حسب ما يخدم الدولة الاسرائيلية في حينه ، هي تتقدم على الأرض وتستخدم العنف من أجل إرهاب الفلسطينيين وتستعرض قوتها الحربية بشتى معداتها على أجساد أطفالنا لتنتقم من تنظيمات فلسطينية لها تشكيلات عسكرية ليست بالكبيرة ولا المخيفة (كما يصورون)على أرضنا الفلسطينية ، فلا يمكن أن تضاهي آلتنا العسكرية حجم الآلة العسكرية الاسرائيلية ، لربما هذه التنظيمات في تشكيلاتها العسكرية وجدت ردا على ظلم الإسرائيليين لأهل بلدهم ، ولكن أجزم لك أن قضيتنا الفلسطينية مع الاسرائيليين هي قضية أخلاقية بالدرجة الأولى تحمل حقا لا يستطيع أيا من شعوب العالم في العالم الحديث إنكاره، جملة وتفصيلا، في ذات الوقت تعالج اسرائيل مرضانا في مستشفياتها تحت ما يسمى بالوضع الانساني ، عزيزتي روان ، قد أكذب أن قلت لك ما من كتّاب فلسطينيين يمرون عبر معبر بيت حانون إلى مناطق الضفة الغربية بتنسيق رسمي مع الجانب الفلسطيني ، ولكني لست قريبة من القرار الفلسطيني كفاية حتى يعنى بي ككاتبة ، وتأكدي أن لإسرائيل أساليبها الخاصة للتلاعب بنا وبطموحاتنا وأفكارنا وأحوالنا في كل الوقت مهما اختلفت مهننا ووظائفنا فما بالك عندما تتحدثين عن كاتب ، لمن يعلم ما هي قيمة الكاتب في شعوبنا المتحضرة ، وبصراحة لا أعلم موقف الاسرائيليين مني ككاتبة لها فكرا ووجهة نظر ككل كتّاب العالم وكلاجئة فلسطينية شابة عادت إلى الوطن بعد اتفاقية أوسلو للسلام ،حيث أنني من مواليد سوريا ولا أنتمي لأي تنظيم سياسي على الأرض ، وأعتز بوجهة نظري المستقلة ، ومن المضحك وأنا أرد على أسئلتك أنني حتى الأن لم استلم جوابا لا من الجانب الفلسطيني ولا من الجانب الاسرائيلي من أجل الموافقة على تصريح للعبور من معبر بيت حانون ،لا بالموافقة ولا بالرفض، كل ما أعلمه من خلال حديثي مع موظفي الشئون المدنية الفلسطينية ، منذ أن تقدمت لطلب التصريح أنني قد أواجه صعوبة في الحصول على موافقة ، ذلك أنني امرأة فلسطينية تحت عمر 35 أتقدم للمرة الأولى بطلب تصريح بعد فقداني للهوية الفلسطينية لما يزيد عن الخمس عشرة عاما منذ عودتي للوطن حتى استطعت أن امتلك هويتي الفلسطينية مثل أي مواطن طبيعي ، مما يحتاج إلى فحص أمني مطوّل ، أقلّه عشرون يوما ، وأنا الآن أشارف على نهاية الشهر الرابع من التقدم بطلبي للعبور ...
إنها معركة وصراع من أجل الوجود ، لا أومن أن شعبا قد يعيش ، عندما يقتل الشعب الآخر ، وجود الحياة لكلينا تحت مفاهيم أكثر اتساعا للمعنى الانساني هي حقيقة الاستمرار لشعبينا ،كلينا يهاب الآخر في أن يمتلك أدوات القوة من أجل حياة أفضل ، وأن يستخدم هذه الأدوات في محاربة الآخر ، ما يفعله المتحكمين بالسياسية الدولية هو خلق مزيدا ومزيدا من الكراهية العمياء ، وهذا ما أخشى أن يسكن عقول كثير من الشباب العالمي ، الذي لا أطمح له إلا بمزيد من القدرة على التواصل الانساني ، ذلك أن هذا التواصل يبني كثيرا من آفاق النجاح والتطور ويثبت رقي التجربة الانسانية في بناء حضارتها وثقافاتها التي لا تنتهي ولها كلها ننتمي ..
لكنني أنا كما أنا منذ ولادتي الأولى ، لي حرفي ولي قلمي وصرختي الأولى ، لك أنت فلسطيني ولدت أنا وسأبقى كما أنا ولادتك الأولى ...