"مفاهيم الجماعات في الإسلام" رضوان السيد بقلم:رائد الحواري
تاريخ النشر : 2015-08-09
"مفاهيم الجماعات في الإسلام" رضوان السيد بقلم:رائد الحواري


"مفاهيم الجماعات في الإسلام"
رضوان السيد
في هذا الكتاب يسعى رضوان السيد إلى تحليل الظروف التي أخرجت وشكلت الجماعات والفرق الإسلامية، فيستنتج بأن ظهور الشيعة كان من خلال هذا الوضع، "...كانوا يبحثون عن سبيل للتوبة مما ارتكبوه بالثأر للحسين من قتلته، وإعادة الأمر إلى أهله، هناك رمزان مفهوميان إذن أحدهما قرآني والآخر قبلي قام عليهما هذا التحالف شبه الحزبي، التوبة والثأر أو التوبة عن طريق الثأر" ص63، اعتقد بان هذا الاستنتاج واقعي، فهو لا يأخذ بسبب واحد، كما يطرح البعض، فقد استطاع الكاتب أن يربط بين الفكر الديني والقبلي معا، فالطرح يتميز عمن سواه بهذه الرؤية الشاملة، فلم يكن الدافع عند من خذل الحسين هو الجانب الديني وحسب، بل كان هناك جانب من الفكر القبلي له تأثيره وحضوره في وجدان المجتمع، من هنا يعتبر هذا التحليل مميز ويكاد ينفرد بهذا الطرح.
أما ما دفع حركة الخوارج إلى الانقلاب على علي ومعاوية معا، فيحلل لنا رضوان السيد هذا الخروج قائلا: "إن الإحساس بالغربة في مجتمع ما يدفع أولئك الذين يحسون بذلك إلى التضام والتضامن فاحدث عمليتان شعوريتان متمايزتان ومتتاليتان، عملية البراءة المخرجة من الجماعة القديمة أو الأصلية أو العامة، ثم عملية الولاية التي تعني الانضمام إلى جماعة جديدة تعوض القديم المهجور، وقد حدث ذلك في نطاق حركة الخوارج" ص72، التحليل النفسي لعملية تشكيل جماعة جديدة، وتحليل الدوافع التي أوجبت خروجها/تشكيلها عن الأصل أو الجسم الكبير الأم، لا ينطبق على حركة الخوارج وحسب، بل أيضا يمكننا أن نطبقه على تنظيم القاعدة وما تفرع عنها من تنظيمات، فالقاعدة التي خرجت من ثوب الإخوان المسلمين تحميل شيئا من هذا التحليل، طبعا يضاف إليه الدعم المادي والدوافع الخارجية التي تلعب بالتنظيم ضمن نهج محدد يقودها/يدفعها إلى تبني أفكارا تسهم في تحيق المصالح الخارجية وأيضا مصالح التنظيم الجديد.
والجهة الثالثة التي تناولها الكاتب، الدولة العربية الإسلامية، وكيف تعاملت من العرب الذميين، كما قلنا في موضع سابق بان عمر بن الخطاب عمل على عتق كافة العرب غير المسلمين من الرق، وجعلهم أحرارا لهم ما على العرب المسلمين وعليهم مثل ذلك، فكانت هذه أول الخطوات بهذا التوحد العربي في صدر الإسلام عن طريق أبي عبيدة ابن الجراح عندما قام برد الجزية مبررا خطوته بهذا التحليل، "إذ رد إليهم جزيتهم عندما قام البيزنطيون بهجوم مضاد على المسلمين وعجز المسلمون عن حمايتهم، جاء في الكتاب، إنما رددنا عليكم أموالكم لأنه بلغنا ما جمع لنا من الجموع، وأنكم اشترطتم علينا أن نمنعكم وإنا لا نقدر على ذلك وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم" ص128، المحلل لهذا النص يستنتج بان الدافع منطقي وعقلاني، قوم تعاهدوا على حماية جماعة ما، وعندما لم يقدروا على ذلك ردوا الأموال لأصحابها، لعدم قدرتهم على حمايتهم، لكن قد يطرح هذا التساؤل: في السياسة لا توجد أخلاق، احترام العقود والمواثيق، فما الدافع الحقيقي وراء إصرار ابن الجراح على رد الأموال، علما بأنه لا يوجد شرط صريح في الاتفاق على رد تلك الأموال؟، اعتقد بان هناك جانب ديني أخلاقي تميز به (أمين الأمة) أولا، وجانب متعلق بالعنصر العربي ثانيا، فبعد الحروب التي نشبت بين العرب قي بداية تثبيت الدولة العربية الإسلامية، وكلنا يعلم بان ابن الجراح قتل أباه في معركة بدر، جعله يكفر ـ في العقل الباطن ـ عن تلك الخطيئة بهذا التوجه نحو العرب.
اعتقد بان الكتاب رغم تواضع حجمه يبقى فاتحة مهمة لكل من يريد أن يدخل إلى طبيعة وظروف تشكيل الفرق والجماعات السياسية والفكرية التي ظهرت في الدولة العربية الإسلامية، الكتاب من منشورات دار التنوير بيروت، الطبعة الأولى،1984.