شرعية الإخوان ودستوريّة الدولة بقلم:د. صلاح الدين محمود المومني
تاريخ النشر : 2015-08-03
شرعية الإخوان ودستوريّة الدولة

د. صلاح الدين محمود المومني

لا لتفريغ الشارع الأردني من روحه التي سكنته عقوداً طويلة

نعم للحوار من أجل أردن آمن مزدهر خالٍ من الفساد

قبل يومين كان الإخوان المسلمون في ضيافة عجلون، وبالذات في بيت رجل سكن الإخوانُ قلبه منذ أن انضم إليهم في بداية خمسينيات القرن الماضي وحتى موته ورحيله عن الدنيا عام 1996. كانت زيارة الإخوان لبيت المرحوم بإذن الله الشيخ محمود سليمان ولمضارب عشيرة المومني بمثابة تجديد، لا أقول للعهد، ولا للبيعة، فكل هذه تؤخذ مرة واحدة في عمر الشخص، فإن مات عليها بقيت حتى يلقى الله، لكنها “الزيارة” كانت تجديداً في لقاء أرواح التقت في ريعان الشباب على حب الله وافترقت عليه في الدنيا ليظل الأمل يحدونا بأن تكون سبباً للملتقى تحت ظل عرش الرحمن يوم اللقاء الكبير الذي لا فراق بعده.

لقد جاء الإخوان إلى عجلون ليقولوا للأردن كله بأنهم جند الأردن المخلصين وجند الأمة العربية الإسلامية كلها. فهم من عمروا المساجد يوم أفرغت بسبب طيش وجهل الكثيرين، والإخوان رفعوا راية التوحيد ليظل الأردن مميزاً بهويته الإسلامية العربية الأصيلة، كما كانت زيارة الإخوان لمضاربنا في صخرة – عجلون لتؤكد للعالم كله أنها جماعة الفكر والعقيدة والمنهج الوسطي المعتدل الذي يرى الدعوة إلى الله حبّاً ويرى سبل التقويم عبر سلمية لا تأخذها نزوات المتعجلين للنصر ولا تحرفها أوهام المسوفين.

كذلك، فقد بزع لنا نور الحقيقة ساطعاً برسالة لا لبس فيها، مؤدّاها أن جماعة الإخوان المسلمين باقية مستمرة لأنها تعمقت في جذور هذا الوطن. فنحن لا نتحدث عن مجموعة طارئة أتت للأردن وللعالم لتغيب في لحظة كما هي الأطباق الطائرة أو مخلوقات الفضاء المحكي عنها في أساطير وقصص هواة التسلية. ولعلّ لغة الوفاء والأمل، وعمق التصور الإخواني الذي تبين من أحاديث خطباء حفلنا جميعاً، كالدكتور همام سعيد والدكتور علي العتوم والشيخ محمد الزيود وشيخنا الجليل ذيب أنيس “أبو الأيتام” والمختار أبو حازم، كل الخطب تلك جاءت بعمق الدعوة وتاريخها المشرف.

فالإخوان خاضوا غمار اللعبة السياسية دونما وجل أو استحياء، وأعلنوا مبادئهم، وقدموا نفوسهم الزكية من أجل الوطن وعلى مدار عصر تأسيس الدولة الأردنية. فهم من وقفوا في وجه الصهاينة، والإخوان رفعوا راية الحق وقاوموا “نصرنة الدولة” التي كان يريدها الغابر جمال عبد الناصر وحفنة من ضباطه الأحرار في جيشنا العربي عام 1957، وهم من وقفوا مع الشرعية في حرب السبعين وظلوا دائماً في صف الأردن ولم يثنهم ذلك عن أداء دورهم وفق قوانين البلاد وحسب الواقع والقدرات نحو فلسطين وقداسة أرضها وكرامة أهلها.

لقد كانت احتفالية الإخوان نموذجاً للصمود في وجه الحل والتفتيت. فنحن لا نقبل أبداً أن تقوم الدولة بحل الجماعة أو تفتيتها، ونرى أن الإخوان يحرسون خندقاً يمتد على طول البلاد وعرضها، وهم يملؤون الثغور من أجل وطن آمن.

هي الجماعة التي اتخذت من الدعوة وسيلة فكانت تقود الشباب وفق مفهوم “ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”.

وهي العصبة المؤمنة التي قال رائد من روّادها يوما ما “نحن دعاة لا قضاة” ورفضت أن تقوم بالسيف لتصوب اعوجاج الرؤوس بقطعها كما هو الحال اليوم على أيدي مجرمي الحرب.

ومن الإخوان من صعد منصة الإعدام ليدعو لسجانه وقاضيه الذي علقه على المشنقة في مصر ويقول “اللهم سامحني وسامح من ظلمني”، فرحم الله الشيخ يوسف طلعت إذ كان نموذجاً في التسامح مع المجرم عبدالناصر وصلاح نصر وغيرهما من طغاة الأرض.

جماعة الإخوان المسلمين لم تكن يوماً في أي بلد إلا صمام أمان لكي لا يراق دم الأبرياء، فما بال صنّاع القرار اليوم يريقون كرامة الأردن بمحاولات بائسة ويائسة لتفتيت الجماعة والتخلص منها؟ فالجماعة يجب أن تكرم لا أن تبتلى ويوضع رموزها في السجن كما هو الحال بسجن الشيخ زكي بني ارشيد. ألم ينشئوا المركز الإسلامي ودور الأيتام التابعة له؟ ثم، لماذا تغض الدولة طرفها عن إنجاز عظيم كالمستشفى الإسلامي؟

أعتقد أن الخلل في العلاقة مع جماعة الإخوان جاء من طرف صنّاع القرار، وقد آن الأوان للعودة إلى طاولة الحوار مع الجماعة الشرعية، وليس الحل باستحداث جمعية تديرها بعض الفئات التي تأخذ تعليماتها من أطراف لها مصلحة في تفتيت الجماعة.

إذا كان صناع القرار يريدون بالأردن خيراً فعليهم أن يعيدوا النظر في رسم سياساتهم تجاه الإخوان، ومن هنا اطالب الملك بالتدخل فوراً وشخصيّاً لمصلحة الأردن وعدم قبول طرف ثالث ليكون بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين في الحوار. بل يجب أن يكون الحوار مباشراً ودونما تأخير، لأن المنطقة كلها ملتهبة وأردننا يحتاج إلى كل جنوده الأوفياء للحفاظ عليه وتعزيز قوته.

إن شرعيّة الإخوان قد استمدت من جذور الأردن بكل ما فيه، كما هي دستوريّة الدولة التي نشأت الجماعة لتكون توأمها، وإن التفريط بالإخوان يعني التفريط بالأردن كله.