الجهاد الاسلامي يشعر بالخجل لكن البوح اليم بقلم:عز الدين ابراهيم
تاريخ النشر : 2015-05-19
الجهاد الاسلامي يشعر بالخجل لكن البوح اليم  

بقلم / عز الدين ابراهيم - القدس

منذ اللحظة الاولى لانتصار  الثورة الاسلامية في ايران  وقف الدكتور فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين الى جانبها بصلابة مهنئا ومباركا ومرحبا  بالشعارات التي رفعتها " اليوم ايران وغدا فلسطين" ورأى يومها ان الامة وفلسطين والاسلام على موعد مع التاريخ .  وظل ينظّر في كتاباته آنذاك في مجلة المختار الاسلامي ومن بعدها الطليعة الاسلامية للقيم والمضامين السياسية والاجتماعية والثقافية التي حملتها الثورة واتخاذها فلسطين في صدر اهدافها. ولعل الكل يذكر الكتاب الشهير الذي خطه المرحوم الشقاقي مع انتصار الثورة بعنوان " الخميني  الحل الاسلامي و البديل " ( والذي اصدره عندما كان طالبا في جامعة الزقازيق وسجن على اثره في مصر, وبيع منه خمسة آلاف نسخة فور صدوره وقامت السلطات المصرية بجمعه من المكتبات وحرقه ) ، لم يشترط الشقاقي رحمه الله على ايران ان تكون سنية ليؤيد ثورتها، اذ كانت فلسفة الشقاقي وحركته البحث عن المشتركات والتوافقات وان التنوع المذهبي يمكن ان يشكل عامل اثراء ومصدر للخصوبة والابداع، ومن هنا رحب بمواقف الثورة يومها من الوحدة الاسلامية وتجاوز النعرات والفتن المذهبية والطائفية، لم يشترط حتى ان تقدم ايران  دعما ماليا لحركته الوليدة ،  كما لم يكن موقفه وموقف حركته من الثورة الاسلامية موقفا انتهازيا ولا نفعيا ,كان الجهاد الاسلامي استجابة لتحديات اللحظة وادراكا لعامل الزمن ولشروط الخروج من الهزيمة التاريخية، عينه على المستقبل واضعا الماضي وراء ظهره ,كان حالة متميزة بامتياز بخلاف من  يسير بقدميه الى الامام قيما عينه تتطلع الى الخلف , الامر الذي يبدو ان  ايران لم تدركه او انها قرأت الجهاد الاسلامي قراءة خاطئة .كان كتاب الشقاقي " الخميني الحل الاسلامي والبديل" بمثابة اعلان واضح وصريح بالانتماء لمشروع الثورة بلا تردد معتبرا ان الطائفية من مخلفات التاريخ ومعتقدا جازما ان الخميني يمثل نفس الفكرة، بل كان خمينيا فلسطينيا كما رأى في الخميني فلسطينيا ثوريا يتنسم رائحة البرتقال والزعتر. وقد واجه الشقاقي واخوانه من الرعيل الاول معارضة اخوانية شرسة خاصة من الاخوان المسلمين فرع فلسطين والاردن وخاصة – المجمع الاسلامي- في غزةـ  لدرجة انهم اتهموه  واخوانه بالتشيع وحتى الردة و الزندقة .  وفي غمرة دفاعة ضد الكتب والمطبوعات التي راجت لتكفر الشيعة وفي مقدمتها كتاب محب الدين الخطيب " الخطوط العريضة للدِّيانة الاثني عشرية الإمامية " الذي طبع ووزع في الجامعة الاسلامية بغزة،  كتب الشقاقي كتابه الثاني " موقف قادة وعلماء المسلمين من الشيعة الامامية والاثنا عشرية " .

لقد قبلت حركة الجهاد الاسلامي ان تسير عكس التيار  ورأت ان الثورة التي قادها الخميني تعكس تطورا تجديديا حتى على الصعيد الفقهي، وبدأت حركة الجهاد تسعى جاهدة لتفكيك كل ما من شانه ان يقيم الحواجز ضد اجتماع اجزاء الامة بكل مكوناتها لمواجهة تحدى المشروع الغربي ورأس حربته اسرائيل.  والحق ان الايرانيين ومن دار في فلكهم ممن اعتبرتهم حركة الجهاد الاسلامي امتدادا فكريا داعما لمشروعها تغنوا بالدكتور الشقاقي واقاموا له النصب التذكارية  وتناقلوا افكاره في أدبياتهم وظن الجميع حينها في الجهاد الاسلامي ان الثورة الايرانية قد تجاوزت في خطابها الطائفية واعتبرتها كما اعتبرها الشقاقي من ( مخلفات التاريخ ) على الرغم من التجاوزات لبعض القيادات الايرانية التي كانت تحاول استغلال هذا التعاطف من اجل تشكيل خلايا متشيعة تحت عباءة الجهاد ، وفي كل اعتراض للجهاد كانوا يؤكدوا ان هذه سلوكيات لا تمثل الثورة وهي شاذه عن الخط الرسمي للمرشد . وعليه ربما القى الجهاد الاسلامي بكل مقدراته في السلة الايرانية على اعتبار انها تمثل الخيار الاسلامي لمشروع الجهاد والمقاومة وكانت الحركة وما زالت تفتخر بالدعم غير المشروط الذي تقدمه ايران للتنظيم وكثير من الحركات المقاومة الاسلامية والوطنية على طريق تحرير القدس و فلسطين ، وما زالت الامور كذلك حتى وقعت احداث الربيع العربي التي امتدت الى سوريا وكان فيها ما كان واتخذ الجهاد الاسلامي موقف عدم التدخل في شئون الدول العربية الشقيقة على عكس حماس التي دفعت ثمن انحيازها لخيار الشعب السوري فكان ما كان بينها وبين ايران من القطيعة التي ما زالت تعيش الحركة آثارها الى يومنا هذا – لتجد اسرائيل وحلفائها في ذلك فرصة للقضاء على حماس في اقسى عدوان وحشي على قطاع غزة صيف 2014 - اما الجهاد الذي التزم الحياد حيال ما يجري في سوريا ومن بعدها اليمن تبنيا لشعار عدم التدخل في شئون الدول العربية – كي لا تتكرر مأساة اليرموك في اليمن - بات اليوم يتعرض كما يبدو الى ذات مصير حماس من وقف الدعم الايراني  . فلماذا اوقفت ايران دعمها للجهاد الاسلامي اذا كان الجهاد غائراً عميقا جدا في تأييده للثورة الايرانية متجاوزاً الطائفية والمذهبية ، معتبرا اياها مدماكاً اساسيا من مشروع اسلامي مقابل للمشروع الغربي الذي تمثل اسرائيل رأس حربته في قلب العالم الاسلامي . هل غير الجهاد الاسلامي مبادئه وادار الدُفة نحو وجهة اخرى غير المقاومة . ام ان ايران الثورة هي من تخلت عن مبادئ كانت تتغنى بها في بداية انطلاقها ، وانحازت الى الطائفية والمذهبية او وقعت في فخهما ، وتخلت عن القدس في ايام القدس حيث تدنس كل يوم ليسكت الصوت الاسلامي الرسمي الوحيد الذي كان يصيح كلما انتهكت - فتفرغ جيش القدس على كل الجبهات الا القدس ما الذي يجري بالضبط ؟ لماذا تخلت ايران عن الجهاد الاسلامي بهذا الشكل المباغت الصادم ؟ هل انقلبت على مبادئها وشرَعت الثورة تأكل افكارها ومبادئها ؟ هل تخلت ايران عن حلفائها ولصالح من ؟ من المستفيد من موت الجهاد الاسلامي في فلسطين ؟ ترى ماذا يقول الخميني الان لو رأى ما يجري ؟ هل حقا هذه هي ثورته وعهده وطموحه ؟ ام ان امورا كثيرة قد تغيرت ؟ هل فعل الجهاد الاسلامي الذي القى بنفسه في احضان ايران دون غيرها ما يستحق من اجله ان تقطع له حبل الوريد بينما ما يزال مجرد جنين غض في رحم القضية الفلسطينية ام ان تلك الشعارات التي اطلقتها ايران الثورة في بداية عهدها لم تكن الا مراوغات وشعارات استغلتها لتحريك مشاعر وعواطف المسلمين ؟ وان عهد هذه الشعارات الان قد انقضى بعد ان افتضح وجهها الطائفي ؟ هل يصْدُق حدس من قال ان ايران ربما باعت الجهاد لقاء موقف من اسرائيل وانها ربما في الطريق الى تل ابيب ضمن الطابور العربي الاسلامي الذاهب زحفا اليها هل استغلت ايران القضية الفلسطينية ووظفتها توظيفا رخيصا الى هذا الحد ؟ ما هي الجريرة التي ارتكبها الجهاد في حق ايران ؟ لا اعتقد ان موقف الجهاد الاسلامي مما يجري في سوريا واليمن مبررا كافيا لقتله بهذه الوحشية ما زال موقف الجهاد - واظنه موقف من يلفظ انفاسه ويريد ان يهوي بشرف - مصراً على ان ايران تقدم له الدعم غير المشروط وانه لا خلافات مع ايران بهذا الخصوص ، واظن الجهاد يشعر ببعض الخجل من مواقف تبنتها ايران ، ومن مواقف ظن انها تبنتها وهي الان تتخلى عنها وفي قرارة نفسه ربما يعلم لماذا ولكن البوح اليم . الجهاد الاسلامي على الاغلب لن يصبح حركة مذهبية او طائفية تكون الامامة مرجعيتها كما رفض في الماضي وما يزال يرفض ان يكون حركة وهابية . الجهاد وهذا ما نعرف عن فكره كفلسطينيين فوق الصراعات المذهبية او الطائفية ، ويرى ان لا مستقبل للأمة في خوضها بينما تجلس اسرائيل على الجدار وتتمنى التوفيق لجميع المتقاتلين ، ويطالب الامة بان تجد صيغة تجمع شتاتها كما اهتدى الاوروبيون مثلا الى صيغة جامعة حافظت على خصائصهم وجمعتهم على الكثير من القضايا الكبرى .. الجهاد الاسلامي حركة اسلامية ثورية تحررية تجاوزت الأُطر المذهبية والطائفية واعتبرتها من عوالق الماضي الاليم ، وهذا هو الاساس الذي جمعها بالثورة الايرانية الخمينية بغض النظر عن الدعم المادي الذي كانت وما زالت بأمس الحاجة اليه واذا اوقفت ايران هذا الدعم اليوم فإنها تدفعها اما الى القبول بالاستسلام لإرادة العدو الصهيوني والانكشاف له او ان تكون مجرد جندي في خدمة المصالح الايرانية . الثورة الايرانية اذن او قل من يحمل ألويتها اليوم قد ارتكسوا للخلف وسقطوا في بئر الطائفية الغائر وتنكروا لمبادئ الثورة الخمينية وربما – رغم ان الجهاد ينكر ذلك بشدة – يحاولون ابتزازه بمواقف يخرج من تبناها عن اطار فكره ومبادئه كما فعلوا ، فليس امام الجهاد الاسلامي اذا اراد ان يظل تنظيما فلسطينيا اسلاميا خالصا ومجاهدا مقاوما ان يلعق الثرى في ساحات الطهر، وان يعاود مشواره من جديد بدلاً من ان يتحول الى تنظيم يبيع المواقف ويستجيب للابتزازات ، ففلسطين لن تموت بموت شخص او حركة او تنظيم ولا الاسلام كذلك ، وانما يتضرر الاسلام وفلسطين اذا تخلى اصحاب المبادئ عن مبادئهم مقابل المصالح مصرين على عهدهم لكلمات علي شريعتي في فكرته عن استحمار الشعوب والامم ، وربما تجر المصالح ايران الى التلاقي مع ألد اعداء الامة يوما ما . او ربما بات هذا اليوم قريبا . فان من يخذل  شعاراته واصدق حلفائه لا امان لحلفه .