أسئلة الطاعون بقلم:ممدوح رزق
تاريخ النشر : 2015-05-10
أسئلة الطاعون بقلم:ممدوح رزق


  أسئلة الطاعون

كأن هناك حكاية أصلية يبحث عنها (سعود السنعوسي) في روايته (فئران أمي حصة) الصادرة عن الدار العربية للعلوم ومنشورات ضفاف .. حكاية ربما لم تسمح لها الطائفية أن تحدث، وقد تبدو تطوراً لم يكتمل لعالم كان يؤسس وعوده في خيال طفل .. صورة لـ (الكويت) نعم، ولكنها بلاشك تصور كوني تنسجه استفهامات ليست بريئة ولا خبيثة، وإنما ضرورية في تكوين الحكاية: من أين تخرج بيضة الدجاجة؟ .. هل الله سني أم شيعي؟ .. كيف نقول تحيا الأمة العربية وبعد ذلك نشخبط على صور الخرائط والأعلام؟ .. احتياج الطفل للإجابات لا يمثل سوى رغبته في الحصول على ممرات ملموسة لعبور التوافقات الذهنية التي يستبدل بها الشظايا المتصارعة للواقع .. إنه يريد دلائل متعينة تثبت امتداد قدرته على معالجة تشوهات العلاقات بين البشر من حياته الداخلية إلى شكل مؤكد للحقيقة .. لكن اللعب بالمتغيرات يدفع بالزمن إلى تحويل الاستفهامات إلى صور متعددة للجحيم، وهذا لن يمنع الأحلام الطفولية من التجسّد فحسب بل سيجعل من الوعود إشارات مبتورة للحكاية التي لم تنمو .. الرواية قائمة على هذا القمع، فهي تفتيش داخل أكثر من ذاكرة عن نقاط الضوء المحتملة التي يمكن أن تعيد الحياة إلى هذه الحكاية: الغزو العراقي للكويت عام 1990 .. حرب الخليج الثانية 1991 .. الحرب على العراق 2003 .. مواجهة إسرائيل ـ حزب الله 2006 .. لكنها ليست محاولات لإنقاذ الحكاية فحسب بل هي أيضاً توثيق لسيرتها المهزومة .. هذه السيرة موزعة بين الناس والأحداث والأماكن، وتحفر بالضرورة ظلالاً غامضة عن السردية الغائبة التي يبحث عنها (السنعوسي) .. إن ما يجعل رواية (فئران أمي حصة) تتجاوز النوستالجيا والتحذير من تمادي الكراهية هو محاولة اكتشاف التساؤلات الأعمق حول ماهية (الطاعون) .. لا أعتقد أن تلك التساؤلات عليها أن تبقى محتجزة داخل الحدود التقليدية لـ (الفتنة) بل أظن أن عليها التدفق نحو كافة الأفكار المثالية المضادة التي تجذرت في الطفولة .. أين تبدأ الطائفية مثلاً وأين تنتهي؟ .. هل هي ورطة مؤقتة أم وجود حتمي؟ .. ربما يقع الطاعون في مكان آخر إذن، أو لنقل أنه يغطي الاتجاهات المتنافرة .. أتحدث عن (التآلف) كمتن للحكاية الأصلية .. هل يعيش نفس الطاعون داخل تصديق هذا المتن؟ .. لو كان هذا صحيحاً لوجب البحث عن هذا التآلف في أماكن أخرى .. في الأساطير والأحلام والحكايات القديمة .. ربما هي التي تستطيع طوال الوقت أن تُعيد الحياة إلى السردية الغائبة، ولكنها لن تكون مجرد تعويض بل ستكون فضاءً مدخراً دائماً من الإمكانيات غير المحدودة للخلق .. قد تكون الرواية مع قوة نبرتها الاستغاثية إعلان انتصار فوق أرض مختلفة .. في ميدان القتال الأنسب .. كأن (سعود السنعوسي) يضع الرواية في مقابل الطاعون دون انشغال ـ أو دون هوس ـ بالقضاء عليه .. ليس لأنه ـ أي الطاعون ـ أكثر طغياناً وثباتاً من أن تقاومه رواية بل لأن الكتابة هنا هي خطوة فردية للخارج ـ قابلة لأن تكون جماعية بالطبع ـ حيث يمكن للطاعون كلما اقترب من اللحاق بها أن يساعد في تحقيق الوعود لأي عالم لم يكتمل تطوره.

   ممدوح رزق