من الصح و من الخطأ ؟ بقلم:د. علي حسين الياسري
تاريخ النشر : 2015-04-27
من الصح و من الخطأ ؟ بقلم:د. علي حسين الياسري


اليوم وصل عمري الى 61 سنة.  لم أستطع أن أنام ليلة أمس و أنا في الوحدة و عائلتي على بعد 15000 كيلومتر مني! كانت هذه مناسبة لأن أعيد التفكير بمجرى حياتي في عراق لم يبق منه غير الإسم الذي سيضيع هو الآخر في القريب العاجل

والدي، رحمه الله، ولد و عاش في الناصرية و أنهى دراسته المتوسطة أولآ على متوسطة المنتفك فجاء ضمن مجموعة مختارة من طلبة العراق بكل ألويته ليدخلوا كلية الملك فيصل و هي مدرسة ثانوية بريطانية أنشأتها الحكومة العراقية لإعداد الطلبة الذين سيتم إبتعاثهم بعد سنتين من الدراسة الثانوية باللغة الانجليزية.  كان والدي أبن عائلة جنوبية فقيرة فقد والده و عمره سنتان. ميزته الوحيدة كانت ذكاءه المتميز الذي مكنه من إنهاء دراسته المتوسطه أولا على مدرسته. إعتمد إختيار الطلبة لهذه المدرسة على نتائج المتوسطة و لم يهم إن كان الطالب عربيا أو كرديا أو تركمانيا أو آشوريا. لم يهم أن كان سنيا أو شيعيا أو أرمنيا أو كاثوليكيا أو صابئيا. لم يهم إن كان أسمرا أو أبيضا أو أشهب أو أسود. لم يهم إن كان ثريا أو فقيرا أو يعيش في بحبوحة أو في فاقة. لم يهم إن كان تكريتياً أو ناصريا أو عانياً أو راوي. و لم يهم إن كان موسوي أو ياسري أو مالكي  او بارزاني أو زيباري. المهم كان وزن الدماغ و ليس وزن الكرش أو وزن العمامة أو وزن اللقب

حين عاد والدي من بريطانيا مهندسا عمل في عام 1946 في بناء الجسر الحديدي و أصبح مهندس سكك حديد مقره في بيجي. صادق أهل المنطقة و سهر معهم و أكل أكلهم و كلهم سنة و هو الشيعي الوحيد و لم يذكر يوماً أن كان المذهب عائقاً في علاقاته و صداقاته. أشعروه أنهم أهله و كان حين يسافر إلى الناصرية يحملونه هدايا لإهله الذين لم يروهم و كان أهله يحملونه هايا لإصدقاءه السنة الذين لم يروهم.  و حين جاءت جدتي فاطمة (رحمها الله) لتعيش مع إبنها في بيجي أصبحت أم المهندز صديقة صدوقة للنساء في تلك المنطقةعندما تزوج المرحوم الوالد إختار بغدادية معظماوية جاءت لتعيش معه و مع والدته في بيجي.  أخبرتني المرحومة الوالدة أن جدتي كانت في البداية مترددة معها لشيء ما إلى أن تعودتا على بعض فطلبت جدتي الشيعية من والدتي السنية أن تريها ذيلها فأخبرتها والدتي إنها عملت عملية و أزالت ذيلها قبل الزواج.  فقالت لها جدتي هذا أحسن و أنظف

هذا هو العراق الذي عرفته! و حتى حين دارت الأيام لم نشعر بتغيير كبير.  فأنا الشيعي حين أنهيت دراستي ثانياً على قسمي في جامعة بغداد حصلت على بعثة إلى الولايات المتحدة و لم يسألني أحد أن كنت سنيا أو شيعيا كما هو الأمر الآن حيث أن البعثات مخصصة لأولاد الشهداء.   و الشهداء هي تسمية تطلق على قتلى حزب الدعوة العميل الذين قتلوا و هم ينفذون عملياتهم الإجرامية بحق شعب العراق أواخر السبعينات و في ثمانيات القرن الماضي

كانت غالبية طلبة البعثات شيعة و هم الآن رؤوساء الجامعات و معظم مساعديهم و عمعظم عمداء الكليات في الجامعات العراقية و هم الـ10% الباقين في العراق من الطلبة الذين أبتعثوا بين 1974 و 1981.  أما الباقين و عددهم أكثر من 5000 عالم فهم يعيشون بين كندا و إستراليا و نيوزيلندا و بريطانيا و الولايات المتحدة

الآن جاءت موجة تغيير الأسماء التي نشهدها علنيا: زهير أصبح عبدالزهرة، أمير أصبح عبدالأمير، عمر أصبح عمار، حسين أصبح عبدالحسين، عباس أصبح عبدالعباس، حسن أصبح عبدالحسن، سعيد أصبح عبدالسادة.  طبعاً كان هناك خطأ مطبعي و يتم تصحيحه، شكو بيها.  تذكرت عميد إحدى أول الكليات الأهلية في العراق في عام 1991 الذي أصر على تعلم اللهجة التكريتية و أجبر مجلس أمناء الكلية على أن يشتروا له أولدزموبيل تحمل لوحة صلاح الدين، 

هذا هو عراق اليوم فهل عراقيو اليوم على صواب أم نحن على صواب؟ لا أدري و الله فكل شيء أصبح بالمقلوب

 قضيت اليل مفكراً هل أعود إلى العراق و أغير إسمي إلى "عبدعلي الياسري" و أصبح مدير عام في الأقل و أسلب و أنهب و أشفط ما يمكن شفطه أو أبقى شريفاً؟ و لا زلت أفكر