قراءة في ديوان "أحياء في توابيت"ل"علي كنعان"بقلم :دعاء عليان
تاريخ النشر : 2015-04-18
قراءة في ديوان "أحياء في توابيت"ل"علي كنعان"بقلم :دعاء عليان


قراءة في ديوان
"أحياء في توابيت"
ل"علي كنعان"
بقلم :دعاء عليان
_______________

اسمه يحمل معاني  العلو والتجذر في عمق التاريخ الفلسطيني الكنعاني الممتد منذ قرون غابرة ،والمتجذّر في تربة الوفاء والانتماء. أما اسم ديوانه فيحمل همومَ  وجثث شعب كتب عليه أن يُدفَنَ حيًّا.

جاء غلاف ديوان "أحياء في توابيت" للكنعاني الفلسطيني علي كنعان بألوان العلم الفلسطيني إلا واحدًا، أبى إلا أن يطل من بين السطور ومن وراء الكلمات. وما بين الحياة التي توحي بها تلك الوريقات  التي تطل من بين  الركام  ، والسواد الذي يحيط بها والظلام ، والكفن الأبيض الذي يرتديه الأحياء الذين ضمتهم التوابيت، تبقى حياة أخرى وموت  آخر بين ثنايا الصفحات والأبيات.

رأيتُ في "أحياء في توابيت" قصصًا فلسطينية بامتياز، أبطالها أقل ما يقال بحقهم أنهم من ذوي البطولة والتضحية والكرامة. بعضهم فارقت روحُه الحياة َالدنيا للخلود الأبدي تاركة ذكراه في قلوب الأحبة، وبعضهم الآخر وضع نفسه أو ربما تكون الظروف هي من وضعته في   تابوت وألقت به على شطآن التجربة والمعاناة. وما بين الموت والحياة، والألم والأمل، والماضي والحاضر والمستقبل أشياء تشبه الحياة وأخرى تشبه الموت.

الشاعر الإنسان

يبدو الشاعرُ ابنًا بارّا بشقيّ قلبه تحت الثرى. حيث أنّه افتتح ديوانه بإهدائه لأرواحهما، ثم تابع ما بدأ به  وزيّن قصائده بإضاءات على  دورهما في حياته، خاصة أمه التي خصها برسالة ذاكرًا فيها محاسنها ، ومتمنّيًا لو أنّ الموت داء لا يأتي إلى بعض النساء. لكنّ الحقيقة أنه لا مفر من الموت ولا نجاة،  و أم الشاعر  التي ذكر من محاسنها ما ذكر تعتبر نموذجًا لأولئك الأحياء في توابيت.

وأظهر الشاعر قدرة على إبراز هويته الفلسطينية وتقديمها بالصورة الأفضل.  فوصف نفسه بالجُرح ، والفكر  ، والقلم ،  والرجل  ،  والحي ، والشعر  وكلها متبوعة بلفظ "الفلسطيني".

الوطن

أما الوطن، فيراه الشاعر مقدّسًا يتوجب على آتيه أن يخلعوا نعالهم حين يسيرون فوق حقوله لانّهم إنما يسيرون فوق أشلاء شهداء ودماء أنبياء روت الأرض فازدادت قدسيتها. والوطن للشاعر كما الأم  التي ما زالت تناضل ، وهي التي تعيش على أمل العودة مخبئة زُغرودة  ألّفتها للمرجو قدومهم بعد غياب. والوطن أيضًا هوالمكان الذي تسقط فيه الدمعة من كل  العيون على من رحلوا ولا زالوا يرحلون.

ومما وصف به الشاعر وطنه هو "الجُرح المتسع" ، ووِقفة عزة ، وكمشة رمل سقطت عمدًا لكي تحيا بغزة ، وشمس ، وموال فرح ، وبدر تبدّى، وحقل وقاموس ومِنبر.

الشهيد

لأنه شهيد فهو مختلف ،  وهو حي وإن ضمه تابوت.  وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يحظى بغير قليل من الاهتمام بأشكاله في هذا الديوان. اهتمام ظهر في تلك العبارات والكلمات التي تبين مكانة الشهيد وتبرز كراماته، وتجلى في قصيدة كاملة حملت عنوان "لأنه شهيد"

تساؤلات معلقة

بعض الأسئلة تخبرنا بالذي تعجز عن قوله العبارات،   وذلك بما تحمله   بين طياتها  من تلميحات وإضاءات ،  وهذا حال الكثير من الأسئلة التي وردت في الديوان ، والتي ظل  بعضها معلقًا يبحث عن إجابات ربما لن تأتي.

ومن أمثلة ذلك أن الشاعر أورد  تساؤلًا جوهريًّا حين قال:

يخافون من كل شيء يموت!

لماذا إذن يهدمون البيوت؟

أظن السؤال سيبقى يبحث عن إجابة دون جدوى، فلن يجد    إلا  صفاتٍ   تليق بحقارة أولئك المقصودين، ولكنها لا تشفي غليلًا ولا تحسم أمرًا.

ويقول الشاعر أيضًا:

"إلى أي البلاد بربكم أذهب؟"

ويقول:
 فأي شريعة ترضى
بأن قصائد الأحرار
تكتب بالدم القاني؟


ويتساءل أيضًا:

هل لدى الناس فروق بين ما

يدعى حرامًا

وبما سمي عيب؟

نصائح واستثارة للهمم

قرأت بين كلمات  الديوان نصائحَ صاغها كاتبها بأسلوب قريب من النفس البشرية الساعية نحو الرقي بذاتها. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:

قبل أن تغفر للناس الذنوب

نقِّ ما شابك

من كل الذنوب
اعتذر إن انت أخطأت

 
كما  واستثار الشاعر الهمم في كثير من المواضع، كما في قوله:

أُصرُخ بصوتك عاليًا

أشعل فتيل الانتقام

وكما في قوله:

كي تعرفَ دربك يا عنتر

فابحث عن خارطة تاهت
في زمن ملعون أغبر

إضاءات وومضات

لا أحد يجيد وصف الجُرح كما المجروح ، فكيف إن كان هذا المجروح ذا  قدرة على نقل صدى معاناته للغير؟!
أعتقد أن  "أحياء في توابيت"  عكس صورة حقيقية للواقع العربي والفلسطيني خاصة  بما يعيشه من معاناة ، وأنه سلط الضوء على مسيرة نضال طويلة تمتد جذورها في عمق التاريخ. نضال يتجسد في المقاومة والصبر والأمل ، وتظهر فيه قدرة شعب محتل على مواجهة الواقع بكل ما يحمل من مآسي أو ربما التكيف معه ليستمر البقاء وتتعمق الجذور.
كقارئة فلسطينية ، وجدت في القصائد ما لامس روحي ودب فيها الأمل . ووجدت فيها كذلك ما حملني على بساط الخيال لأرى نفسي أمًّا فلسطينية تسعى لحمل رسالتها كما يجب.

لا أنكر أنني أعدت قراءة بعض القصائد مرات عديدة لأستقي منها القدر الكافي من الفهم الذي يمكنني من إسقاطها على الواقع الفلسطيني الإنساني بكافة أبعاده ، ولكن ذلك كان حقًا مما أفادني لأغوص في أعماق الكلمات  محاولة  مشاركة الأحياء في توابيتهم ما يشعرون به.

فمبارك للمكتبة العربية والفلسطينية هذا الإصدار الجديد،  وأرجو أن لا يكون الأخير لكاتبه. فللقضية  الفلسطينية   أبعادها و جزئياتها التي لا تنتهي ، والتي ستبقى تبحث عن أولئك الذين يجيدون إخراجها من دائرة التسييس و استجداء التعاطف إلى منابر القضايا الإنسانية الشرعية.