القواعد القانونية للتفسير الدستوري بقلم:د.عادل عامر
تاريخ النشر : 2015-03-09
القواعد القانونية للتفسير الدستوري بقلم:د.عادل عامر


القواعد القانونية للتفسير الدستوري

الدكتور عادل عامر

القانون الدستوري: و هو مجموعة القواعد التي تحدد طبيعة نظام الحكم في الدولة، و تبين السلطات العامة فيها و اختصاص كل منها و علاقاتها مع بعضها البعض، كما تبين حقوق الأفراد السياسية و ما يجب لحرياتهم من ضمانات. و يعتبر القانون الدستوري في طليعة فروع القانون العام الداخلي فهو أساس كل تنظيم في الدولة ، حيث يضع الأسس التي تقوم عليها الدولة ، وعلى هذا فإنه لا يجوز مخالفة هذا القانون بقانون آخر يصدر داخل الدولة ، لأن كل القوانين من المقرر فى كل الأنظمة الدستورية والقانونية أن لا تنع...قد ولاية أو اختصاص لسلطة القضاء بمختلف محاكمه ودرجاتها وأنواعها إلا حيث يوجد نص يقرر هذه الولاية ويحدد الاختصاص من حيث كافة قواعده الموضوعية والإجرائية ، ولما كانت الدساتير هي المعنية فى المقام الأول بهندسة قواعد تحديد وتوزيع الاختصاصات والوظائف بين السلطات فى الدولة التي أعتمد نظامها السياسي تقسيم السلطات ، وذلك من خلال بيان حدود كل سلطة وتخومها آخذة فى اعتبارها التطور المستمر لمفهوم تقسيم السلطات فى رحاب الفكر السياسي والديمقراطي المعاصر الذي وصل إلى ما يعرف بالفصل المرن بين السلطات المبنى على القواسم المشتركة والمعتمد على التعاون والتآزر فيما بينها ، دون جور أو تعول لإحداها على الأخرى .

ولما كان القضاء الدستوري هو ضمانة الضمانة الدستورية للحقوق والحريات وضمانة الفصل بين السلطات وتوازنها فى إطار الممارسة ، وهو لا يضطلع بهذا الدور الأساسي والهام فى ظل الأنظمة الديمقراطية بلا قواعد أساسية يضطلع الدستور ببيانها ويحدد حدودها . فتصبح قواعد إجرائية دستورية تعلو منزلة عن كافة القواعد الإجرائية المنصوص عليها فى القوانين .الأخرى أقل منه في المرتبة

أهمية القانون الدستوري :

إذا كانت الدولة تهتم بالتوفيق بين الحرية و المصلحة العامة فإن مهمة القانون الدستوري هي تنظم التعايش السلمي بين السلطة و الحرية في إطار الدولة و هذا لن يأتي إلا بالتوفيق بين فردية الإنسان و أنانيته التي تبين حقوق الفرد و حرياته وواجبات الدولة اتجاه الجماعة حتى أن الأستاذ (بريلو) يقول بأن القانون الدستوري أداة السلطة أو تقنية السلطة . فالقانون الدستوري حسب وجهة نظره هو ظاهرة السلطة العامة في مظاهرها القانونية .ينبغي على المشرع وهو بصدد صياغة القاعدة القانونية وخاصة منها الجنائية إن يحرص بان يكون النص عليها واضحا جليا وإذا جاء النص واضحا جليا في لفظه وجب تطبيقه وان كان مخالفا للإعمال التحضيرية إما إذا كان النص غامضا وأثار التساؤل عما إذا كانت بعض الوقائع أو الأمور تدخل في إطاره أولا تدخل لزم اللجوء إلى التفسير أي البحث عن قصد المشرع لجعل النص صالحا للتطبيق وان هذا يحيلنا إلى أمرين أولا * أنواع التفسير وثانيا* قواعد التفسير

* أولا أنواع التفسير

يمكن تقسيم أنواع التفسير إلى عدة تقسيمات وتختلف هذه التقسيمات باختلاف الزاوية التي يجري التقسيم وفقا لها أي بحسب الجهة القائمة به أو وسيلته أو النتيجة

من حيث الجهة ( تفسير تشريعي - تفسير قضائي - تفسير فقهي )

التفسير التشريعي هو الذي يقوم به المشرع ذاته حينما يستشعر غموضا في النص ويجري هذا التفسير عن طريق النصوص القانونية مثال 0 المقصود بالمال العام والمقصود بالموصف... الخ

التفسير القضائي هو التفسير الذي تقوم به المحاكم في معرض فصلها في القضايا المطروحة عليها بغية التوصل إلى قصد المشرع من اجل تطبيق النص أو عدم تطبيقه

التفسير الفقهي وهو الذي يقوم به الفقهاء وشراح القانون وغالبا ما يستعين القضاء بهذا التفسير كما قد يكون له بالغ الأثر على المشرع لتدارك ما فاته  ( الواقع أن القاضي لا يلتزم إلا بالتفسير التشريعي إما التفسير القضائي والفقهي فهو غير ملزم له )

من حيث وسيلة التفسير

ينقسم إلى لغوي ومنطقي

إما اللغوي فهو ما يدل عليه المصطلح أو التعبير المراد تفسيره وهو أول ما ينبغي على المفسر اللجوء إليه

أما التفسير المنطقي هو البحث عن مقصد الشارع عن طريق البحث في المصادر التاريخية أو الأعمال التحضيرية...

من حيث نتيجة التفسير

التفسير المقرر يكون حين تكون عبارة النص واضحة الدلالة حيث انه لا ينبغي الخروج على هذا المدلول حتى ولو كان هناك وجه لذلك

التفسير المقيد عندما يكون النص غامضا يفيد ظاهره أكثر ما أراده الشارع فيلتزم المفسر إن يقيد هذا الظاهر لما أريد له

التفسير الموسع عكس التفسير المقيد

إضافة في المواد الجنائية القياس في المواد الجنائية محصور فيما يتعلق بالتجريم والعقاب وتشديد العقاب ولكنه مقبول في الإباحة وتخفيف العقاب

قواعــــد التفسير

- عدم جواز القياس في نصوص التجريم لأنه فيه اختلاق لجريمة جديدة لم يفرد لها المشرع نصا وهي تتنافى مع المبدأ لا جريمة ولا عقوبة ولا تدابير امن إلا بنص- جواز القياس فيما عدا نصوص التجريم تفسير الشك في مصلحة المتهم

العرف المفسر: هو الذي يهدف إلى تفسير نص من نصوص الدستور، فدوره هنا ليس إنشاء أو تعديل قاعدة دستورية، وإنما يبين كيفية تطبيق قاعدة معينة غامضة إلا أن هذا التفسير يصبح جزءا من الدستور فيكتسب صفة الإلزام، ومن الأمثلة على ذلك جريان العرف أن لرئيس الجمهورية الفرنسية طبقا لدستور 1875 أن يصدر اللوائح استناد إلى المادة التي تنص على أن رئيس الجمهورية يكفل تنفيذ القوانين .

ب-العرف المكمل : هو الذي ينظم موضوعات لم يتناولها الدستور حيث يسد الفراغ الموجود في الدستور، ونظرا لكونه كذلك فانه يختلف عن العرف المفسر في كونه لا يستند على نص دستوري في ظهوره، ومثل ذلك نشوء قاعدة في فرنسا تمنع من إبرام عقد قرض عمومي إلا إذا صدر قانون يأذن بذلك، إذا كان القانون والدستور الصادران في 1815 ينصان على تلك القاعدة فإن الدساتير التي تلتها لم تنص عليها انطلاقا ومع ذلك استمر تطبيقها لاستقرارها عرفيا فغدت بذلك عرفا دستوريا مكملا ونص دستور 1875 على أن الانتخاب يتم على أساس الاقتراع العام دون أوضاع هذا الانتخاب فكمله العرف بأن جعله على درجة واحدة

ج-العرف المعدل: يراد به تلك القواعد العرفية التي تغير بأحكام الدستور إضافة أو حذفا ومن أمثلة العرف المعدل في شكل إضافة ما جرى به العمل في الاتحادات الفيدرالية من زيادة في سلطات الحكومات المركزية على حساب السلطات المحلية وأن يتولى رئاسة في لبنان ماروني والوزارة سني والبرلمان شيعي رغم أن الدستور لا ينص على طائفية في لبنان فجاء العرف بها مكملا الدستور.

أما العرف المعدل في صورة حذف فمثله امتناع رئيس الجمهورية من حل مجلس النواب في ظل دستور 1875 الذي يمنح له ذلك الحق ولم يستعمل إلا من طرف الرئيوالواقع.ن سنة 1877 ثم لم يمارس ذلك الحق حتى سنة 1940 عندما احتلت ألمانيا فرنسا فنتج عنه أن نشأة قاعدة عرفية ألغت أو حذفت نصا دستوريا والسبب في ذلك يعود إلى أن ماكماهون عندما لجأ إلى حل مجلس النواب كان هدفه الحصول على تغيير في الأغلبية إلا أن الانتخابات أدت إلى عودت الأغلبية السابقة وهي الجمهوريون فصرح بعد ذلك خلفه Grevy لأنه سينصاع إلى إدارة الأمة وانه لن يلجأ إلى حل البرلمان بعد ذلك وتبعه في ذلك سلفه مما أدى إلى نشوء ذلك العرف المعدل حذفا في النص الدستوري وكذلك حدث في سنة 1962 –1969 في نفس البلد أين قدم رئيس الجمهورية مباشرة مشروعين لتعديل الدستور دون عرضهما على المجلسين لتصويت المسبق مع أن هناك نصوص صريحة خاصة بكيفية تعديل الدستور .

والحقيقة أن هذا النوع من العرف موجود ومطبق وان إنكار الصفة الدستورية عنه من جهة والاعتراف به من جهة ثانية ليس له ما يبرره وهو يتناقض والمنطق والواقع. لولاية غير المباشرة للقضاء الدستوري لتفسير نص فى الدستور هي ما يطلق عليها فقهاء القانون الدستوري " التفسير التبعى " ، وهو التفسير القضائي الذي تجريه المحكمة الدستورية وصولا للفصل فى المنازعة الدستورية حول شأن دستوري لا يتعلق بتفسير النص الدستوري ، وإنما بطلب مطابقة نص الدستور ، مثل منازعة دستورية القوانين ، وطعون الانتخابات وغيرها من موضوعات اختصاص المحكمة الدستورية المبينة فى الدستور وقانونها الخاص . ويظل الفارق بين طريقتي تفسير نص الدستور المباشرة وغير المباشرة إن الأولى يقوم به اختصاص أصيل للقضاء الدستوري ينص عليه الدستور أو يحيل فى تقريره لقانون المحكمة الدستورية ، بينما الثانية لا تحتاج للنص عليها سواء فى الدستور أو غيره من القوانين ، ذلك لأنه من مقتضيات سلطة الفصل ولزومها ، وهى على هذا النحو تشترك فيه المحكمة الدستورية مع باقي أنواع المحاكم ودرجاتها فى الفصل فيما يعرض عليها حسب اختصاصاتها المحددة قانونا ، والتي تستخدم التفسير القضائي للنصوص الدستورية وغير الدستورية فى حسمها للنزاع الدائر أمامها ، كما أن لاختصاص التفسير المباشر لنص الدستور قواعد إجرائية وشكلية منصوص عليها فى الدستور وقانون المحكمة الدستورية وما يحيل إليه الأخير من قواعد إجرائية فى قانون المرافعات ، وكلها قواعد واجبة الإتباع من القضاء الدستوري أثناء عرض طلب التفسير المباشر لنص فى الدستور ، بينما ليس ثمة قواعد شكلية أو إجرائية فى سلطة المحكمة وتقديرها فى التفسير غير المباشر لنص الدستور وصولا منها إلى وجه الحق فى الطعن الدستوري المطروح عليها .

وفى التطبيقات القضائية قد يثور الغموض واللبس فى فهم وتفسير نص الدستور المقرر لاختصاص التفسير المباشر للمحكمة الدستورية بمناسبة طرح طلب تفسير نص آخر فى الدستور ، خصوصا عندما تواجه المحكمة الدستورية دفعا بعدم اختصاصها من خصم طالب التفسير المباشر ، الأمر الذي يوجب على المحكمة الدستورية الرد من خلال تطرقها لتفسير النص الدستوري المقرر لاختصاصها فى التفسير المباشر لنص الدستور ، أو إلى ما تراه أنه مقررا لاختصاصها ، ويصبح التفسير الدستوري فى هذه الحالة فصلا مركبا من تفسيرين الأول يدور بشأن الاختصاص المدفوع به أمامها ، والثاني بشأن التفسير المباشر لنص الدستور المقدم به طلب التفسير .