بقلم المفكر الإسلامي محمد عبد المحسن العلي - الكويت
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) ﴾. ) ( الأحزاب).
فبتقوى الله عز وجل وبالقول السديد يصلح الله تعالى العمل ويغفر الذنوب .
فال تعالى { الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [ (41) سورة الحـج . إن القاهر المتغلب له فهم لهذه الآية يختلف عن فهم من بويع أو اختارته الأمة وحكم بالرضا والقبول وأصبحت أعماله تحت رقابتها أو رقابة مجالسها ومؤسساتها المنتخبة , والقاهر المتغلب وعلمائه وأتباعه لهم فهم خاص قاصر لكثير من المسائل التي تتعلق بالحكم والسيطرة , مثل الجهاد وتبليغ الرسالة والكفر والتكفير والشورى .
وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية تعكس مفهوم القاهر المتغلب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , فالسلفية الملكية فهموا المسألة على أساس استمرار التغلب والقهر بعد التمكين بالقوة المسلحة في ممارسة تطبيق تلك الشعيرة العظيمة في الإسلام , فمظاهر تطبيقاتها التي يمارسونها تتمثل في مطاردة الناس في الشوارع وزجرهم والتدخل في حياتهم وشؤونهم الخاصة والتجسس عليهم ومراقبتهم والتسور عليهم في أماكنهم الخاصة واقتحامها , فهم ينظرون إلى عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إنها عملية من العمليات البوليسية فلذلك ألحقوها بوزارة الداخلية وجعلوا بين الهيئة وبين الشرطة اتصالا مباشرا حيث يقوم أفراد الشرطة بتنفيذ أوامر رجال الهيئة , وهم يقومون أحيانا بمصارعة أفراد المجتمع والعراك معهم في الشارع , وقد يصل الأمر الاحتكاك بالنساء وبصورة عنيفة والرسول صلى الله عليه وسلم قال ( رفقا بالقوارير ) وهي وصية من الحبيب صلى الله عليه وسلم لمعاملة النساء برفق .
بعد سقوط بعض الأنظمة الفاسدة يرى بعض السلفيين في مصر وتونس وغيرها من الدول النموذج السعودي لتطبيقات ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) نموذجا يحتذي به , ولو تأملوا في الأمر وتفكروا به سيجدونه نموذجا سيئا لا يجب الاحتذاء به فتطبيقاته السيئة تبغض الناس بدين الله وتزيف حقيقة تلك الشعيرة العظيمة في الإسلام , فهي لم تشرع للتضييق على الناس ومشاغبتهم في الشوارع وهي لم تشرع لكي يستخدمها ملوك الجبر والقهر والعسف في ترقيع سوأتهم وفي تجميل صورتهم وفي تزييف حقيقتهم , فهي شعيرة عظيمة لو مورست تطبيقاتها وبصورتها الصحيحة التي توافق مراد الله لتحقق للناس ارتقائهم وبقائهم ولتجنبوا التصادم مع سنن الله وأقداره - أي قوانينه - في الوجود القائم .
عن ثور الكندي أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يعس بالمدينة فسمع صوت رجل في بيت يتغني فتسور عليه فوجد عنده امرأة وعنده خمر فقال : يا عدو الله أظنن أن الله تعالى يسترك وأنت على معصية ؟ فقال : وأنت يا أمير المؤمنين لا تعجل علي إن كنت عصيت الله تعالى واحدة فقد عصيت الله تعالى في ثلاث قال سبحانه : * ( ولا تجسسوا ) * وقد تجسست وقال الله تعالى : * ( وأتوا البيوت من أبوابها ) * ( البقرة : 189 ) وقد تسورت وقال جل شأنه : * ( لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) * ( النور : 27 ) ودخلت علي بغير إذن قال عمر رضي الله تعالى عنه : فهل عندكم من خير إن عفوت عنك ؟ قال : نعم فعفا عنه وخرج وتركه .
بعد تمكين القوى الإسلامية من الحكم لا بد من إثارة الكثير من المسائل لإعادة دراستها وفهمها الفهم الصحيح من أجل ممارسة تطبيقاتها الصحيحة ومنها ( شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) فعلماء السلطة قد تلاعبوا بأفكار الرسالة وكيفوها لسادتهم حيث انحسرت معاني الرسالة فحذف من ( الأمر بالمعروف ) كل ما ينال من إطلاق أيد الملوك والأمراء والحكام وعلية القوم كما ضيقوا معنى ( النهي عن المنكر ) ليسقط منه كل من أخطاء الملوك والأمراء والحكام وعلية القوم ليضيق معنى ( الإيمان بالله ) ليقتصر على المظهر الشعائري للعبادة دون المظهر الاجتماعي الذي يسوي الحكام وعلية القوم الأقوياء مع نظرائهم غير الأقوياء والضعفاء .
فشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من شعائر الإسلام العظيمة ولا يجب حصرها في هيئة أو مؤسسة بل هي شعيرة تخص كل أصحاب التخصص والمهن , فالموظف والعامل والفني وصاحب العمل والمربي والمعلم والطبيب والمهندس والمحامي والفنان والمحاسب والصانع والتاجر والمزارع والصحفي ...الخ يجب أن يمارسوا تلك الشعيرة في مراكز عملهم وكل بحسب تخصصه وخبرته ومسؤولياته , فبذلك يصبح البناء العام للمجتمع بناء متينا متناسقا يخلو من النواقص والعيوب التي لا يدركها إلا أصحاب الصنعة والتخصص .
فلا يجب أن نحصر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشعائر العبدية وبالأشكال والهيئة والصور الإسلامية فالدين حياة , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يشمل كل مناحي الحياة , وهو مسؤولية أمة .قال تعالى ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ... ) .
قال سيدنا عمر رضي الله عنه ( لا تبغضوا الناس بالله ) .
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقلم: محمد عبد المحسن العلي
تاريخ النشر : 2015-02-27