نحو قانون عصري للعلامات التجارية في فلسطين بقلم:د. إيهاب عمرو
تاريخ النشر : 2015-02-03
نحو قانون عصري للعلامات التجارية في فلسطين بقلم:د. إيهاب عمرو


نحو قانون عصري للعلامات التجارية في فلسطين

يكمن الدافع الرئيسي وراء كتابة هذه المقالة بسبب ما تناولته بعض الوكالات الاخبارية حول بروز بعض المشاكل على السطح نتيجة استخدام علامات تجارية مشهورة عالمياً في فلسطين دون إذن أو توكيل من الشركة الأجنبية، وهو ما يحتم علي كقانوني أن أقوم بتناول هذه الظاهرة، والتي قد تتنامى وتؤثر على الاستقرار الاقتصادي المنشود في فلسطين. ومن أهم الأمثلة على ذلك، قيام إحدى الشركات العاملة في مدينة رام الله بعرض وبيع منتجات من الحلويات والشوكولاتة التي تحمل علامة نوتيلا التجارية العالمية   
التي يتم انتاجها من قبل شركة فيريرو الايطالية، مما استوجب اعتراض شركة فيريرو من خلال أحد المحامين على استخدام علامتها التجارية العالمية. وتعود حيثيات هذه القضية للعام 2014، حيث قامت شركة فيريرو بتقديم طلب مستعجل أمام قاضي الأمور المستعجلة في محكمة بداية رام الله ضد الشركة المحلية لقيامها بعرض وبيع منتجات (نوتيلا)، مما اعتبرته الشركة الايطالية اعتداْءاً على العلامة التجارية الخاصة بها. أصدر قاضي الأمور المستعجلة قراراً وقتياً في الطلب المستعجل المقدم من وكيل الشركة الايطالية بتوقيف الشركة المحلية عن استخدام تلك العلامة التجارية المشهورة عالمياً. وقد تم تنفيذ مضمون القرار من خلال دائرة تنفيذ محكمة بداية رام الله والشرطة القضائية والتي قامت بدورها بازالة كافة اللافتات التي تحمل العلامة التجارية المقصودة. وقد اعتبر وكيل الشركة الايطالية حينئذ بأن القرار الصادر يشكل سابقة ( قضائية) في دولة فلسطين، كون أن تشريعات الملكية الفكرية النافذة لم تتضمن، كما التشريعات المقارنة، نصوصا صريحة وواضحة بالحماية الوقتية للعلامات التجارية من قبل القضاء المستعجل، اذ أن من شأن الحماية الوقتية الحد من مخاطر الاعتداء على العلامات التجارية وحماية المستهلك الفلسطيني من شراء سلع وخدمات تحمل علامات تجارية مقلدة لاعتقاده بأنها منتجات أو خدمات أصلية، والحد من المنافسة التجارية غير المشروعة. اضافة الى ذلك، فقد اعتبر أن القرار يعزز ثقة المستثمر بالقوانين المتعلقة بالملكية الفكرية والقضاء الفلسطيني وتوفرالمناخ القانوني السليم للاستثمار، إذ أن المستثمر الوطني أو الأجنبي يبحث دائما عن الفعالية والسرعة والأمن والثقة في الآليات القانونية التي تضمن حماية حقوقه. 
في موازاة ذلك، قامت الشركة المحلية المدعى عليها بالتقدم باسئناف بخصوص قرار قاضي التنفيذ وبطلب رجوع لدى قاضي الأمور المستعجلة بسبب وجود أخطاء شكلية في كلا القرارين، خصوصاً وأن القضية لا تزال قيد النظر لدى المحكمة المختصة ولم يتم اصدار قرار نهائي بشأنها حتى تاريخ تقديم طلب الاستئناف. وأشار وكيل الشركة المدعى عليها في لائحة الاستئناف إلى أن استخدام العلامة التجارية الخاصة بشركة نوتيلا هو استخدام قانوني استناداً إلى نص المادة (36) من قانون العلامات التجارية الساري المفعول، والمادتين (5،6) من قانون الشركات الساري المفعول، كون أن العلامة التجارية (نوتيلا) غير مسجلة في فلسطين باسم شركة فيريرو وعليه، فإنها لا تتمتع بأي حماية قانونية حتى تاريخ تقديم الطلب. خصوصاً وأن الشركة المحلية مسجلة حسب الأصول والقانون لدى مراقب الشركات في وزارة الاقتصاد الوطني، كشركة مساهمة خصوصية.      

من وجهة نظري المتواضعة، تكمن المشكلة الرئيسية في قصور نصوص قانون العلامات التجارية الساري المفعول، والتي لم يتم تعديلها منذ العام 1952. إذ أن القانون المذكور لا يتضمن كثيراً من الأحكام التي تتناول المسائل المستجدة بخصوص العلامات التجارية، والتي قد تضع حلولاً للمشاكل الناشئة عن سوء استخدام العلامات التجارية أو تقليدها. من ذلك مسألة العلامات التجارية المشهورة عالمياً، مثل العلامة التجارية الخاصة بشركة فيريرو سالفة الذكر. إذ لا يتضمن القانون أية إشارة لهذا النوع من العلامات التجارية، والتي تزامن ظهورها مع بزوغ العولمة كظاهرة اقتصادية، عكس ما جرى في الأردن حيث تم تعديل ذات القانون عدة مرات كان آخرها في العام 2008، والذي تضمن إشارة واضحة إلى العلامات التجارية المشهورة عالمياً وآليات توفير الحماية لها. إضافة إلى ذلك، فقد قامت الأردن بتعديل نظام العلامات التجارية رقم 1 لسنة 1952 عدة مرات كان آخرها في العام 2010. وقد حظر القانون الأردني المعدل في المادة (8/12) منه تسجيل العلامة التجارية التي تطابق أو تشابه أو تشكل ترجمة لعلامة تجارية مشهورة وذلك لاستعمالها لتمييز بضائع مشابهة أو مماثلة للبضائع التي اشتهرت بها ويكون من شأنها إيجاد لبس مع العلامة المشهورة أو لاستعمالها لغيرهذه البضائع بشكل يحتمل أن يلحق ضرراً بمصلحة مالك العلامة التجارية المشهورة ويوحي بصلة بينه وبين هذه البضائع. كما نصت المادة (25/ب) من ذات القانون على أنه "إذا كانت العلامة التجارية مشهورة وإن لم تكن مسجلة، فيحق لمالكها أن يطلب من المحكمة المختصة منع الغير من استعمالها على منتجات أو خدمات مماثلة أو غير مماثلة شريطة أن يدل الاستعمال لهذه العلامة على صلة بين تلك المنتجات أو الخدمات وبين العلامة المشهورة واحتمال أن تتضرر مصالح صاحب هذه العلامة نتيجة هذا الاستعمال ويفترض احتمال أن تتضرر مصالح صاحب هذه العلامة نتيجة هذا استعمال ويفترض احتمال حدوث لبس في حالة استعمال علامة تجارية مشهورة مطابقة على منتجات مماثلة". وعليه، فإنه يتبين لنا من النصين السابقين أن القانون الأردني قام بتوفير الحماية القانونية للعلامات التجارية المشهورة وإن لم تكن مسجلة في الأردن. غير أنه لا بد من التنويه هنا إلى أن هذه الحماية لا تمتد لتشمل التعويضات عن استخدام العلامة المشهورة غير المسجلة، وإنما تقتصر على طلب ابطال علامة تجارية سجلت من قبل شخص لا يملكها، كما يتضح لنا من ظاهر النص. 
بناء على ما سبق، يصبح لزاماً تعديل قانون العلامات التجارية الساري المفعول في فلسطين وتضمينه نصوصاً تتناول مسائل العلامات التجارية المشهورة عالمياً، وتوفير الحماية القانونية لها وإن لم تكن مسجلة في فلسطين، كما فعل المشرع القانوني الأردني. كما يتعين العمل بجدية على انضمام فلسطين إلى الاتفاقيات الدولية المتعددة الخاصة بالعلامات التجارية بشكل خاص، وبمسائل الملكية الفكرية بشكل عام، لما تشكله تلك الاتفاقيات من أهمية في العصر الحديث كاتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية لعام 1883 واتفاقية تريبس حول الجوانب التجارية لحقوق الملكية الصناعية لعام 1994. كما أنه لا بد من العمل على تطوير الكادر القضائي وصولاً إلى إنشاء محاكم متخصصة تكون قادرة على البت في القضايا المستجدة التي تعرض عليها. وقد أحسن مجلس القضاء الأعلى صنعاً بالاعلان عن اقرار خطة تتضمن اعداد قضاة متخصصين بالمحاكم في عدة مجالات من بينها العلامات التجارية، وذلك خلال النصف الأول من العام الجاري. ذلك أن منازعات العلامات التجارية تحتاج إلى تخصصية في العمل، وسعة اطلاع من قبل القاضي المختص، بالنظر لخصوصية هذه المنازعات من جهة، واختلاط العنصر المحلي بالعنصر الدولي من جهة أخرى. إضافة إلى أن مسائل العلامات التجارية ترتبط بشكل مباشر بجمهور المستهلكين، والذي قد يتأثرون سلباً بأي استخدام غير مشروع للعلامات التجارية. ناهيك عن أن سرعة البت في منازعات العلامات التجارية سوف يساهم، بجانب عوامل أخرى، في تحقيق الاستقرار الاقتصادي المنشود. ختاماً، لا بد من التأكيد على أن توفير الاطار القانوني الملائم للنشاط التجاري قد يستلزم بالضرورة تعديل منظومة القوانين الاقتصادية في فلسطين والتي تشمل، بجانب قانون العلامات التجارية، قانون الشركات، قانون الأسماء التجارية، قانون تشجيع الاستثمار، قانون المدن الصناعية وقانون التحكيم، لما ينطوي عليه هذا التعديل من فائدة عملية. إذ لا يمكن التعاطي مع مستجدات العصرالحديث بوسائل تشريعية قديمة أو ربما حديثة نسبياً لكنها عاجزة عن مواكبة التطورات الهائلة في الحياة التجارية والتي تشكل عصب الاقتصاد. 

الكاتب: المحامي د. إيهاب عمرو
محكم معتمد من وزارة العدل
E-mail: [email protected]