شكلت الصداقة نموذج قوي لتماسك العلاقات الاجتماعية ومؤخرا دخلت؛صوب الجمود حيث انقلب الآخر عن غيره.
وشن هجوما شنيعا لتنهار الأحلام وتتحول إلى عداوة.
فما هي الأسباب الدافعة إلى كل هذه الأحقاد ؟وهل كانت صداقة مبنية على الفضيلة من الأول أوصداقة منفعة ومتعة؟
من أجل ترويج النقاش سنعمل على استحضار حقائق نقلا عن مجتمع اليوم ؛لنقترب من حجم المشكل ونفهم الدوافع الداخلية ؛لكل هذه الأسباب.
ومن هذا الصدد نستحضر قولة أرسطو حول العلاقة التي تجمع الأنا بالغير والتي حددها عبر ثلاث
صداقة المتعة وأخرى للمنفعة وبحضورهما تحضر الصداقة والعكس بغيابهما.
أما صداقة الفضيلة تستمر لأنها مبنية على مبدأ أخلاقي؛خالص
ونضرب مثلا لصداقة دامت إلى خمس سنوات بين فتاة وصديقتها.
وبدأت الحكاية عندما زرت أبي بشهور بالمستشفى بجناح كسر العظام؛وبينما أنا أنتظر دوري في الدخول كبقية الزائرين وصل المحقق ودخل لاستجواب الضحية.
وتحديدا من هذا المشهد حكت أمها القصة:كانت لابنتي صديقة روح تزورها بشكل يومي ويخرجان سويا حتى شهد الجميع بصداقتهما القوية
ابنتي ضحية حسد واليوم الذي جهزت فيه أوراقها للسفر في عمل خارج الوطن ؛تبدلت معها بشكل كلي
انقبض قلبي قبل وقت السفر بأيام وكأني شعرت بشيء غريب سيحدث.
يوم شؤم كالغراب كرهت فيه الحياة لأني كدت أفقد ابنتي ؛ومن كان يعلم ؟ أنها تخطط لموتها لمدة قبل المكالمة
اتصلت بها ودعتها لحفلة الوداع
تأنقت المسكينة وذهبت للموت برجليها تطير من قمة السعادة.
وبعد ساعات من القلق وصلنا خبر أنها تعرضت لحادث وأسعفوها للمستعجلات
الجانية تقول للشرطة انتحرت لوحدها والشهود يؤكدون أنها نزلت من الدور الثالث؛وبعد تأكدها من بقائها على قيد الحياة أخذت طوبة من الحجارة وضربتها على رأسها حتى غابت عن الوعي.
والطب يؤكد أن دماغها تعرض لشقوق وسوف تجرى لها العملية؛ بعد نقلها من جناح جراحة عظام المفاصل.
وفي زيارتي الثانية مع أمي لأبي سألنا أم الضحية عن صحة ؛ابنتها وأخبرتنا أنها متدهورة وذلك تسبب في ضياع فرصة سفرها لدول الخارج بعد أن وجدت فرصة مشرقة
وفي تلك الأثناء حضرت أم الجانية وطلبت منها التنازل عن الشكاية مقابل مبلغ مادي
و رفضت لأن ابنتها بين الحياة والموت
وإذا احتاجت لمزيد من المال ستبيع شقتها الوحيدة.
وأكدت الضحية في تصريحها للمحقق دفع صديقتها لها من الخلف لحظة انتظارها ؛للمدعوين وذلك حصل أثناء استغرابها من هدوء المكان .
وفي حين سؤالها عنهم طلبت منها مرافقتها للشرفة لاحتساء القهوة وانتظارهم ولما وقفت تطل قامت بدفعها
انتهت قصة الأولى وأتمنى لها الشفاء
بناء على ماسبق سندخل في الطور الثاني تتمة للقصص الواقعية وقبل ذلك سنعرض مقولة كونت
يرى الفيلسوف كونت أنا العلاقة التي تجمع بالغير هي الغيرية وحددها؛في مفهوم التضحية فكل شيء فينا ينتمي للإنسانية المال الثروة الحنان الموهبة
إذن غنى الحياة الحقيقي يتجسد في الإيثار ونكران الذات وتقديم مصلحة؛الآخر على مصلحة الأنا بعد تخلي الإنسان عن أنانيته.
والقصة الثانية تخالف مفهوم التضحية وتغلب الأنانية لدى الطرفين في حين لكل منهما جواب من هي البريئة ومن هي الظالمة ؟وهل ستتوقف العداوة أم ستستمر؟
أعرف الصديقتين أشد المعرفة والأولى كانت من أعز صديقاتي وماتزال عزيزة
والثانية معرفة سطحية مجرد أهلا كيف الحال.؟؟
وما أغضبني يوما أنا صديقتي باتت تفضل صديقتها الثانية وتشاركها أسرارها وابتعدت عن طريقي بالمرة.
فظهرت صداقة اتحاد بينهما حيث أصبح الحب قوة جذب والإحترام قوة دفع
وتذكرت كانط لما قال العلاقة التي تربط الأنا بالغير هي علاقة صداقة؛وهي اتحاد بين شخصين يحملان نفس المشاعر
وخفت أن تشتعل العداوة وتضرم ما أزهرته الأسرار والذكريات من أحلام وما استقطرته الألبومات من سعادة.؛لأن ما بدى عليهما شيء من المتعة
وبمعنى آخر كل منهما تملأ فراغها بالأخرى ويستمتعان بالخروج والضحك ويتوهمان المحبة الخالصة
ستطوى سجلات الصداقة انطلاقا من اليوم التي ستشك الأخرى في صديقتي على علاقة مع من تحب
أترككم مع الحكاية
حكت صديقتي القصة بهذا الأسلوب
ذات يوم فتحت الفيس بوك وعرضت صديقتي الغالية منشور ؛وسجلت إعجابي عليه وعلقت حوله وبعدها بمدة وصلني طلب صداقة.
وقبل التأكيد أو الحدف وجدت بيننا صديقة مشتركة لم أعتقد حينها أنها تحبه وهو ضمن الأسرار التي أخفتها عني.
بعد الموافقة تعرف بي وبدأت بيننا دردشة عادية وتحولت إلى مبادلات أرقام هاتفية ثم إلى مكالمات
وشكت لما لا حظت أنه يعلق كثيرا حول صوري ومنشوراتي وكنا قد ارتبطنا؛ وأحببنا بعضنا كثيرا وتواعدنا بالزواج وحددنا الموعد ؛وصارحت أمي بالقصة وأقسمت لها أننا لم نلتقي واقتصر الحب على خطوط الهاتف.
وفي اليوم التالي التي وافقت أمي وفاتحت أبي في الخبر اتضح أنه صديق العائلة ومن عائلة محترمة
وبينما نحضر طقوس الخطوبة في السر لنعلن المفاجأة اتصلت ؛بي صديقتي (......وأخبرتني بحبه) وبينهما صداقة وعلى معرفة بعائلتها .
ويلمح لها بالإعجاب وأعطاها أملا كبيرا في الحب.
وإذا تزوج غيرها سوف تنتقم من زوجته وإن لم يكن لها لن يكون لغيرها.
خفت قليلا من مواجهتها وتخوفت من جنونها لأنها قادرة على أذيتي .
وتحدث مع حبيبي لمعرفة إن كانت بينهما علاقة
أجابني :أنه فعلا يعرفها بسنوات قبل معرفتي وصديق لعائلتها وتخاطبه ؛بلطف عبر الفيس بوك ويرد عليها من باب المجاملة.
وكان يلتقيها صدفة بحضور أحد المحارم ولاشيء بينهما سوى معرفة عادية وبالنسبة له مجرد أخت
ومستعد أن يواجهها أمام الحضور والدليل على صدقه سوف يعلن خطوبته بي الأسبوع المقبل
بقيت حائرة هل أشرح لها أن حبها من طرف واحد ؟وأني لم أعلم بمشاعرها إلا بعد مواعدته لي بالزواج أم أغرق بحر صمتي ؟
تمت الخطوبة وانهارت الأخرى وجاء في قولها
كانت رفيقة أسراري فمزقت قلبي؛أخبرتها أني أعشقه حد الموت وقد أنتحر لأجله وتجاهلت كلامي
وبينت لها رموز معاملته لي الدالة على الإعجاب كالتودد والابتسامة؛وفتحه لي لباب سيارته وضغطه على يدي أثناء مصافحته إضافة إلى النظرات المتتابعة
وحديثنا عبر الفيس بوك
ورغم كل هذا أصرت أن تربط علاقة مع من أحب
المخطوبة :أقسم بالله أنها لم تخبرني عن مشاعرها إلا بعد علاقتنا ؛فلو أنها أخبرتني من قبل لما سمحت له الدخول في حياتي
الخاطب:أقسم بالله العظيم أني عاملتها بلطف فقط ولم تكن بنيتي شيء
وكلامنا عبر الفيس بوك كأي كلام ليس فيه حس من الغرام أو التلميح
ونظراتي لها لا أذكرها ربما كانت بمحض الصدفة وفتحي لها لباب سيارتي جاء نتيجة احترام لا أقل ولا أكثر.
وأمام والدتها يوم اصطحابي لهما للسوق
أنا لا أحبها وإذا بنت أحلامها عن المستحيل فالذنب ذنبها
انهارت الأولى ولم تبلع قضية خطوبة صديقتها بحبيب الروح .وماتزال تؤكد أنها كانت تعرف مشاعرها وتعمدت الاقتراب منه.
والأخيرة تبكي وتنفي قول المدعية وتبرر نفسها
والخاطب على استعداد في مواجهة الأخرى وتبرئة نفسه والعداوة على مصارعها تنخر القلوب
وازدادت بعد الزفاف عن حدها ولا سيما المتزوج يعامل زوجته كأميرة ؛وذلك ما جعل الحاقدة أو المظلومة تنهار وحسب تأكيد الحضور نقل عن حديثها بالعزوم على الانتقام.
انتهت القصة المأساوية التي تعتبر كل واحدة فيها نفسها مظلومة وأي منهما كلامهما صحيح ؟
طبعا أنا أصدق صديقتي والبقية تتفاوت أقوالهم كالدرج
والحقيقة بعلم الغيب والخلاصة هي تفكك محبة لتتحول جحيما انطلاقا من مفهوم الأنانية
والتضحية والتسامح في علاقة الأخيرين غائبة عكس تعريف كونت.
بقلم:منال بوشتاتي
العداوة والانتقام قصص واقعية بقلم:منال بوشتاتي
تاريخ النشر : 2015-01-16