مسك الكفاية لباسم خندقجي تكتب واقعنا بعين التاريخ بقلم:ابراهيم جوهر - القدس
تاريخ النشر : 2015-01-03
مسك الكفاية لباسم خندقجي تكتب واقعنا بعين التاريخ بقلم:ابراهيم جوهر - القدس


باسم خندقجي يكتب روايتين في واحدة
(رواية مسك الكفاية)- سيرة سيدة الظلال الحرة تكتب الواقع بنصّ التاريخ
________________________________ ابراهيم جوهر – القدس

تأخذني سيدة الظلال إلى ظلال الأسئلة، والتاريخ فأسأل:
لماذا كان تاريخنا دمويا على هذه الصورة من الدم والعداء والأنانية؟
ولماذا انتقى (باسم) صفحات سوداء من ذاك التاريخ وهو في الأسر بسبب الواقع المعاش!!!
حين يتعمق الإنسان في المعرفة باحثا عن تفسير لما هو قائم يبدع، وإبداعه يأتي صادما لما توارثناه.
ماذا ستضيف (سيرة سيدة الظلال) إلى الرواية العربية؟
ليست هذه المرة الأولى التي يكتب التاريخ فيها على شكل رواية، ولا المزاوجة بين التاريخ والواقع الكائن، فما الذي تضيفه رواية الأسير (باسم الخندقجي) هنا؟
يكتب الروائي روايته هذه وعينه على الواقع؛ يريد أن يرى الواقع بعين التاريخ وأن يجد أصلا في التاريخ لما هو حادث طارئ قائم في عين الواقع. من هنا لجأ الكاتب إلى سيرة (الخيزران) التي كان اسمها (المقّاء) وقد سبيت على حين غفلة وبراءة لتجد رعاية وحماية من فارس شهم أبيّ يحميها وينقذ كرامتها اسمه (الأنهد بن الورد) وهو ينتسب دما وخلقا إلى الصعاليك، فتكون هذه السبيّة والدة خليفة المسلمين هارون الرشيد بسبب من إرادتها وإصرارها على أن تتميّز وتحقق هدفها البعيد.
و(الأنهد) هذا هو الرمز الذي أوجده الكاتب ليشير إلى الحل لكل من يسأل: ما الحل؟ وما البديل؟
إنه الشهامة والعدل والشجاعة وأخلاق الفارس الأصيل غير المزوّر في زمن ضاعت فيه قيم الوفاء والشهامة والمروءة.
الكاتب باسم خندقجي في (مسك الكفاية) يكتب روايتين؛ إحداهما متخيّلة تضع الحلول وتومئ إليها، والثانية تاريخية اعتمد في كتابتها على عدد من المراجع. لذا وجدناه يتناص دينيا وتاريخيا وأدبيا في كثير من أحداث الرواية ولغتها وشخصياتها.
هل قرأ (باسم الخندقجي) ألف ليلة وليلة؟
سحر الشرق ولهوه وعبثه وجواريه وشذوذه المكبوت يجد له مكانا في (مسك الكفاية) التي استندت للتاريخ العربي في العصر العباسي لتفسّر- حالنا. يبدو الكاتب متأثرا بأسلوب (ألف ليلة وليلة) في تسيير أحداثه وحواره ولغته الوصفية والسردية، كما يظهر تأثره بقراءاته في أدب تلك الفترة التي احتوت أحداثه الروائية ، ويبدو أن تاريخنا المسكوت عن أهمّ جوانبه سوداوية قد ابتدأ من هناك بقسوة وعبث وإن كان امتدادا لصراع القبائل والأنانية من قبل.
وتطفو رموز على سطح الرواية وفي لحمها، وهي تستدعي التوقف عندها للوقوف على ما أراده الكاتب، وللتعمق أكثر في ظلال الرواية التي حملت عنوانا فرعيا هو (سيرة سيدة الظلال) إذ يجد القارئ أن (الظلال) تحمل أكثر من دلالة واحدة وحيدة، فإن كانت الظلال لغويا قد جاءت من بيارق العباسيين كما يظهر في تعريفه لها في الصفحة 35 ( راية الظل التي توحي مؤكدة في خفقانها أن الدولة العباسية ودعوتها السامية ستبقى بقاء الظل على الأرض...)، وقد جاء (الظل) و(الظلال) حسب السياق الروائي ليوحي بمن يحكم تارة، وبمن يعاني تارة أخرى، وبمن يقيم على هامش الحياة في الصحراء تارة ثالثة.
لقد تكررت (الصحراء) لفظا ومكانا تكرارا لافتا فأضحت ثيمة يبني عليها الكاتب فكرته المركزية في عمله هذا. وقد جاءت الصحراء هنا فكرة ومعنى وتاريخا فيها الملجأ من الظلم، ومنها ينطلق العدل، والظلم، والاحتراب والاقتتال.
والكاتب يضع الصحراء في تواز حاد مع المدينة، فالمدينة رمز للدم والمؤامرة والأنانية واللهو والعبث والفساد والمؤامرات، في حين تقف الصحراء على النقيض منها. من هنا لم تنجح (الخيزران) في الدخول إلى المدن التي تمنّت زيارتها وظلت تقف على تخومها ولم يتحقق حلمها للانغماس في نعيم المدينة والتعرف عليها.
تبقى رموز أخرى تلفت الانتباه ويجب فكّها...فحين يتوقف الكاتب عند (نجمة الصباح) بألقها وإيحاءاتها ، وحين يشير إلى الصعاليك وابن الورد، وكذا (الخراب) الذي أصاب اليمن السعيد، ومثله لفظ (الخيزران) الذي صار وصفا لسياسة فإنه يمسك بيد القارئ ليعمل التفكير في ما وراء الحدث والموقف والكلمة. وهي رموز ذات دلالة واضحة في السياق الروائي والفني الذي يمزج الواقع بالتاريخ وكليهما بالمتخيل.
جاءت (المرأة) في سيرة سيدة الظلال بأكثر من نموذج واحد؛ فهنا (الخيزران- المقّاء) نفسها صاحبة السيرة، وهناك الجواري، والجدّة الحكيمة، والمسؤولات عن الجواري بقسوتهن وشذوذهن، وزوجة هارون الرشيد المراوغة، ووالدة الخيزران الغامضة التي تشير إلى التربية بالغموض والإخفاء، فهي لم تعلم ابنتها بالمخاطر المتربصة خارج حدود بيئتها المحصورة.
ويلاحظ الاستطراد والتفصيل في أسلوب سرد الكاتب ووصفه وتوقفه عند دقائق قد لا تخدم سير الرواية في بعض المواقف، وهذا عائد –كما أرى- إلى ما اكتسبه الكاتب من بيئة الأسر التي يحيى فيها، إذ اكتسب هذا الاستطراد من آلية التغلب على قسوة الزمن والواقع المحاصر. من هنا تعكس الرواية بأسلوبها جانبا من (النفسية) التي يجابه بها الأسير واقع أسره.
صدرت الرواية (مسك الختام – سيرة سيدة الظلال) عن الدار العربية للعلوم- ناشرون في طبعتها الأولى سنة 2014م. في 338 صفحة من الحجم الكبير.