مشكلة الأسلحة في ليبيا بقلم:أ. فرج محمد صوان
تاريخ النشر : 2014-12-15
مشكلة الأسلحة في ليبيا بقلم:أ. فرج محمد صوان


هذه ليست المرة الأولى التي يجد فيها سفير ليبيا لدى الأمم المتحدة، إبراهيم الدباشي، نفسه في وسط ‏ورطة دبلوماسية‎.‎
لقد اكتسب الدباشي الشهرة في أوائل عام 2011 عندما كان نائبا للسفير وانشق علنا عن القذافي ودعا ‏زعماء العالم إلى التدخل في بلاده. بدعم ضمني من الدول الغربية ومستوحى من انتفاضة ليبيا الشعبية، ‏عقد الدباشي جلسة مجلس الأمن الدولي والذي شجب بشدة الوضع على أرض الواقع؛ وقال انه يجب ‏محاكمة الطاغية القذافي الحاكم منذ فترة طويلة في ليبيا، ودعا إلى العمل العسكري لإجباره عن السلطة.‏
دفعت مبادرة الدباشي القوى الكبرى إلى العمل، مما مهد الطريق لتدخل عسكري بقيادة حلف شمال ‏الأطلسي أدى إلى الاطاحة بالقذافي في هزيمة لا يمكن تصورها قبل أشهر من ذلك. أصبحت ليبيا ‏مصدرا للأمل. وبدأ الربيع العربي في الازدهار.‏
لكن الوضع لم يعد كذلك الآن. هناك فصيلان كلا منهما يدعي أنه الحكومة الشرعية في ليبيا، وإحداهما فقط ‏تعترف بالدباشي كسفير لها.‏
تعتبر فوضى ليبيا رمزا لتحول الأمل لليأس بسبب الاضطراب العربي العام، والأسوأ من ذلك أن ليبيا ‏غارقة في الأسلحة، وتفككها يمكن أن يشعل لهيب المنطقة بالكامل.‏
هذا الشهر، أخذت الفصائل المتحاربة الرئيسية، وميليشياتها المسلحة الخاصة وداعميهم الخارجيين، أولى ‏الخطوات نحو المصالحة الوطنية، ولكن هناك العديد من العوامل ستكون ضد نجاحها. احدى هذه ‏الفصائل تم اختيارها شعبيا في يونيو الماضي في الانتخابات البرلمانية، وتتألف في معظمها من السياسيين ‏المدنيين والوطنيين. أما الأخرى، فهي جماعة إسلامية تعرف باسم فجر ليبيا، ومنبوذة من قبل معظم دول ‏العالم.‏
وقد سيطرت فجر ليبيا على معظم العاصمة طرابلس بالقوة. وفي أغسطس أعادت المشرعين الإسلاميين ‏الذين سيطروا على المؤتمر قبل الانتخابات لمبنى البرلمان في طرابلس وشكلوا حكومة برئاسة عمر ‏الحاسي. فر الأعضاء المنتخبين في البرلمان الجديد والشرعي إلى طبرق في الشرق، وانتقلت الحكومة ‏المعترف بها دوليا برئاسة رئيس الوزراء عبد الله الثني إلى البيضاء.‏
ما لم يتم احتواء الوضع في ليبيا، فيمكن أن يضع الاقتتال الداخلي البلد المنتج للنفط في أحضان الدولة ‏الاسلامية الانتهازية (أو داعش) والتي أنشأت فعلا معسكرا هناك وفقا لما يتداوله المسئولين الأمريكان.‏
ويجري تهريب الأسلحة من المخزون العسكري الهائل في ليبيا خارج البلاد لتحقيق أرباح ضخمة. انها ‏تتحول بسرعة لما يسميه الكثيرون مستودع الأسلحة في الشرق الأوسط.‏
في أوائل ديسمبر كانون الاول أعرب حلف شمال الأطلسي في بروكسل عن "قلقه الشديد إزاء الوضع ‏المتدهور في ليبيا." وطلب من برناردينو ليون، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ‏محاولة مساعدة الليبيين لحل أزمة الجمود السياسي. وأوضح حلف شمال الاطلسي أيضا أنه إذا فشل ‏برناردينو ليون فانه سيدرس تدابير إضافية غير محددة لحماية الوحدة والاستقرار والرخاء في ليبيا، ‏ومواجهة توسع التهديدات الإرهابية في ليبيا والمنطقة."‏
ولكن كما قال ليون في مقابلة عبر الهاتف من تونس، فإن "هناك فرصة ضئيلة للنجاح، والكثير يعمل ضد ‏الحل." وأشار إلى أنه كان من المقرر أن تجتمع الفصائل التي تمثل 80 في المئة من المواطنين في البلاد ‏هذا الشهر للمفاوضات للبحث عن "خارطة الطريق" السياسية لحل خلافاتهم. والدعوة موجهة إلى زعماء ‏القبائل وأعضاء البرلمان والمؤتمرعلى حد سواء باستثناء حكومة فجر ليبيا غير المعترف بها.‏
وقال ليون أنه لا يمكن لأيا من الفصائل الرئيسية حشد الدعم الكافي للسيطرة على البلاد. وفي حين أن ‏ليبيا قبلية ومنقسمة الى فصائل إلا أنها أكثر تجانسا من دول أخرى مثل سوريا أو العراق حيث تعيق ‏الانقسامات الدينية والعرقية الوحدة الوطنية. وقال ليون "انها بداية"، ثم أضاف، ‏‏"متفائل؟ لا أستطيع أن أقول أنني كذلك".‏
وحالما غادر حلف شمال الأطلسي تلاشت العملية البطيئة لإنشاء المؤسسات الديمقراطية لتحل محل عقود ‏طويلة من حكم الدكتاتور معمر القذافي. وفي أكتوبر الماضي أبطلت المحكمة العليا في البلاد انتخابات ‏يونيو البرلمانية مما أثار استياء القلة المتبقية من اللاعبين الدوليين في ليبيا.‏
أعلنت حكومة الحاسي في طرابلس مؤخرا عدم شرعية الدباشي، الرجل الذي ساعد في عام 2011 على ‏إقناع حتى إدارة ء الرئيس باراك أوباما النافرة من الحرب بالمشاركة في العملية العسكرية ضد القذافي، . ‏أخبر الدباشي الشهر الماضي مجلس الأمن بالأمم المتحدة ان الاسلاميين "يحتمون تحت عباءة الدين، ‏ويدفعون للشباب لكي يموتوا في القتال ضد إخوانهم، ويدمروا ممتلكاتهم وممتلكات الدولة". ولكن منذ ‏ذلك الحين، على الرغم من عدم وجود أي تحدي رسمي لشرعيته الدبلوماسية في مقر الأمم المتحدة، فقد ‏اعتمد الانتظار، ورفض العديد من طلبات المقابلة.‏
وبالمثل يعاني دبلوماسيين ليبيين آخرين في عواصم العالم من نفس المشكلة. وقال ليون "عاجلا أو آجلا ‏سنبدأ في رؤية مشاكل مماثلة" وبتأثيرات أكبر على ليبيا. فمثلا إذا ارادت شركة اتصالات أمريكية أن ‏توقع عقدا للعمل في البلاد، فمع أي من الحكومتين ستوقعه؟ ومما يزيد الطين بله أن لدى مصرف ليبيا ‏المركزي محافظين يتنافسان الآن على الاعتراف بهما، وعلق ليون قائلا أنه ستعم الفوضى ومعظم ‏الشركات ستقرر عدم التعامل معهم.‏
اضطر أعضاء منظمة أوبك، الذين اجتمعوا في فيينا في أواخر نوفمبر تشرين الثاني، لاتخاذ مثل هذا الاختيار، ‏فقد حاولت الحكومات الليبية المتنافسة إرسال ممثلين عنها للاجتماع حيث قررت أوبك دعوة مبعوث حكومة الثني في البيضاء ‏فقط، مما خلق خلاف مع حكومة طرابلس.‏
مثل هذه المناوشات تذهب إلى ما هو أبعد من التنافس على التمثيل الدبلوماسي أو الأعمال التجارية، ‏فمطار طرابلس تعرض في كثير من الأحيان للهجوم، بما في ذلك بالسلاح الجوي المتوفر الآن لكلتا ‏الحكومتين. في مطلع نوفمبر تشرين الثاني، ضرب المسلحين حقل الشرارة النفطي، مما أدي إلى ‏انخفاض إنتاج النفط في ليبيا، الذي هبط في ذلك الوقت من 800,000 برميل يوميا، إلى 600,000، ‏علما أن أي تباطؤ في إنتاج النفط يستنزف خزائن البلاد.‏
ويخشى جيران ليبيا على نحو متزايد حيث قال محمد زيني سفير تشاد لدى الأمم المتحدة الذي تولى ‏رئاسة مجلس الأمن الدورية في ديسمبر الجاري "إننا جميعا على بينة من خطورة الوضع". وأصدر ‏المجلس بيانا غير ملزم عبر فيه عن قلقه على ليبيا في الآونة الأخيرة، ولكن كما قال زيني لنيوزويك، ‏‏"أنا لا أفهم التشاؤم الخاص بك عندما تقول [انه لم يكن سوى] تصريح صحفي آخر".‏
وفي الوقت نفسه، في واشنطن قال رئيس قيادة الجيش الأمريكي في أفريقيا، الجنرال ديفيد رودريغيز، ‏للصحفيين يوم 4 ديسمبر أن الدولة الإسلامية، أو (داعش) قد بدأت جهودها في شرق ليبيا لإدخال بعض ‏المقاتلين هناك. وبينما لا يزال وجود الدولة الاسلامية (داعش) قيد النشوء وعددهم قليل بحدود 200 ‏مقاتل، قال رودريجيز "علينا فقط أن نواصل رصدها ومشاهدتها بعناية في المستقبل لنرى ماذا سيحدث أو ‏ما إذا كانت تنمو من دون توقف ".‏
الخطر الآخر هو تهريب الأسلحة. التجارة المربحة لا تزيد الحروب اشتعالا في شمال أفريقيا وبقية ‏الشرق الأوسط العربي فقط ولكن أيضا تعيق آمال المصالحة الوطنية الخاصة في ليبيا. وكما اعترف ‏ليون، فالقبائل الصغيرة بميليشياتها تستثمر في تعزيز أرباحها بتهريب السلاح أكثر منه في العملية ‏السياسية.‏
ووفقا لما قاله ليون،فإن الأمم المتحدة تقدر أن أكثر من 20 مليون قطعة سلاح قد تم تصديرها بصورة غير ‏مشروعة منذ الاطاحة بالقذافي،. وتشمل هذه الأسلحة كل شيء من البنادق إلى الصواريخ، فضلا عن ‏كميات صغيرة من المواد الكيميائية ولا يعرف مكان الكعكة الصفراء (نوع من اليورانيوم الخام المركزة)، ‏التي ظلت حتى بعد إلغاء القذافي برنامجه للاسلحة النووية والكيميائية غير المشروع في ليبيا.‏
وقال ليون أن ضمان المزيد من السيطرة على الأسلحة المنتشرة، وكذلك تشديد مراقبة الموانئ ‏والمطارات، ستكون على رأس جدول الأعمال في المحادثات بين الفصائل المتناحرة. وخلافا لبعض ‏النقاد، لا يزال ليون مقتنعا بأن تدخل حلف الناتو ضد القذافي كان ضروريا حيث قال ليون أنه لم يعتقد ‏ابدا انه كان هناك بديلا للتدخل، لكن المجتمع الدولي غادر في وقت مبكر جدا، وسيكون من الصعب الآن ‏على الغرباء التدخل مرة أخرى. فالبلد ضخم ومن أكبر الدول في أفريقيا، وسكانه موزعون، وهناك ‏الكثير من الأماكن للإختباء. وإذا سألت أي خبير عسكري هل بامكانك السيطرة على البلاد بسرعة، حسنا، ‏نعم، يمكنك، ولكن ماذا بعد ذلك؟ هل ستبقى؟ أم سترحل؟
وكما قال ليون، هذا بعيد عن الدبلوماسية لأنه كما أثبتت حالة الدباشي، لا يمكن أن يكون هناك وضع يتم ‏الموافقة فيه على أي دبلوماسي من جانب واحد، ويرفضه الآخر.‏