تأجيل محادثات غدامس الليبية: إلى متى؟ بقلم:أ. فرج محمد صوان
تاريخ النشر : 2014-12-13
تأجيل محادثات غدامس الليبية: إلى متى؟ بقلم:أ. فرج محمد صوان


بعد الإعلان المفاجئ إلى حد ما في الاسبوع الماضي، وربما أيضا في محاولة للضغط على الأطراف للمشاركة، تم تأجيل المرحلة ‏الثانية من المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة بين الكتل المتنافسة في ليبيا التي كان مقررا لها الانعقاد يوم الثلاثاء 9 ديسمبر إلى ‏‏"الاسبوع المقبل". على الرغم من عدم وجود إعلان رسمي عن مكان انعقاد المفاوضات إلا أن الاعلان بخصوص تأجيل ما أطلقت ‏عليه وسائل الإعلام "غدامس 2"، جاء بعد دقائق من اجتماع في طرابلس بين رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا برناردينو ليون ‏ورئيس المؤتمر الوطني المنتهي ولايته نوري أبو سهمين الذي كان يهدف في البداية إلى إرساء أرضية للمحادثات الوشيكة. ويمثل ‏هذا التحرك بوضوح محاولة اللحظة الأخيرة من السيد برناردينو ليون ومسانديه الدوليين من الغرب لها لابقاء فرصة الحوار على ‏قيد الحياة رغم المسافة الكبيرة التي لا تزال شاسعة بين المعسكرين المتناحرين بعد نحو أسبوع من الضغط والإقناع‎.‎
فمن جهة يبدو أن معسكر فجر ليبيا لازال يحاول المصالحة مع عدم حدوث تطورات إيجابية في أعقاب حكم المحكمة العليا في 6 ‏نوفمبر. ما بدا على الورق أنه ضربة لحكومة طرابلس، في الواقع، في ضوء رد الفعل الفاتر والمتردد للمجتمع الدولي على الحكم، ‏زاد من جرأة حكومة طبرق وحملتها العسكرية. في وقوعه، وبغموض حكم المحكمة العليا الذي قلل من الشرعية الداخلية للبرلمان ‏بدون إعادة تعيين المؤتمر الوطني أعطى فرصة لشركاء ليبيا الدوليين لإجبار الأطراف المتناحرة على الحوار والبدء ثانية في عملية ‏التحول السياسي بوثيقة دستورية نظيفة إلى حد ما. بدلا من ذلك، وبعد شهر من التردد، ربما نواجه الآن أزمة أكثر استقطابا ‏ومعسكرات متبلورة.‏
ومن ناحية اخرى، يبدو المعسكر الذي يقوده البرلمان أقل رغبة بتكتيكاته وبياناته اليومية في حل وسط. أولا، لأن قوات الجيش بقيادة ‏اللواء حفتر وسعت نشاطاتها الأسبوع الماضي في نطاق حملة عملية الكرامة العسكرية في غرب ليبيا على جميع المناطق تقريبا ‏الخاضعة لسيطرة فجر ليبيا بضربات جوية متعددة نفذت على كل من زوارة، رأس اجدير، غريان وقصر بن غشير. ثانيا، لقد وضع ‏كل من البرلمان وقيادة عملية الكرامة عدد من المطالب والشروط الغير قابلة للتفاوض للمشاركة في مبادرة الحوار حيث شملت ‏الاعتراف بالبرلمان كممثل الشعب الليبي الوحيد الشرعي ورفض المفاوضات مع الجماعات المسلحة باستثناء الجيش الوطني الليبي. ‏وفي الوقت نفسه، لا يمكن للمرء إلا أن يتساءل كم من الحرية لدى البرلمان لتحديد الموقف التفاوضي تجاه معسكر فجر ليبيا، بل قد ‏يكون رهينة للرعاة وحماة الوطنية: مجموعات الفيدرالية المسيطرة على الموانئ والبنية التحتية المرتبطة بالنفط في الشرق، وقوات ‏عملية الكرامة التي كان لها دور أساسي في تجنب خسارة كاملة في بنغازي بقواتها الجوية أمام مجلس شورى الثوار.‏
ومن المؤكد أن العناصر المتطرفة موجودة على كلا الجانبين، وتظهر في السيطرة على الوضع في إملاء مواقف الكتل تجاه ‏المفاوضات. لقد قدمت فجر ليبيا في واقع الأمر أيضا قائمة شروط غير قابلة للتفاوض للمشاركة في المحادثات حيث اشتملت على: ‏حل البرلمان والامتثال لحكم المحكمة العليا في ليبيا، الاعتراف بشرعية المؤتمر الوطني وحكومة الحاسي، وإعادة تأكيد قانون العزل ‏السياسي المثير للجدل عنصرا أساسيا لدعم وحماية ثورة 17 فبراير، بالاضافة لاعتبار المليشيات التابعة لفجر ليبيا نواة للجيش الليبي ‏الجديد.‏
بالنظر لكل ما سبق، والأخذ بعين الاعتبار البيئة الليبية الهستيرية والمثيرة للريبة، فعلى ما يبدو من المستبعد جدا أن أي من الجانبين ‏سينضم للحوار بإرادة صادقة بغية التوصل الى حل وسط في غضون أسبوع واحد فقط. كما سبق وذكر في الآونة الأخيرة محللين ‏عدة للشؤون الليبية، فنحن نتساءل متى وهل سيبدأ شركاء ليبيا الغربيين بتوظيف نفوذهم للضغط على الجهات الفاعلة المتطرفة الليبية ‏والطرف الثالث الخارجي المتدخل في الشؤون الليبية لوقف السياسات التخريبية وتجنب ضياع الفرصة الأخيرة للحل القائم على ‏الحوار لهذه الأزمة.‏